الرئيسية / رأي / استهداف مصر واستهداف سورية

استهداف مصر واستهداف سورية

نبيل شبيب

ليس
صحيحا الانطباع العام المتداول أن الانشغال السياسي والإعلامي باستهداف مصر وثورتها
هذه الأيام يشغل عن الاهتمام بالأوضاع ومسار الثورة الشعبية في سورية.

إن الغياب
الإعلامي عن تفاصيل المشهد الثوري في سورية لا يعني غياب الجهود المبذولة لاختطاف الثورة
مع اكتمال سقوط بقايا النظام المهترئ، أو ضمور تلك الجهود، ولا يكاد يختلف ذلك عن المشهد
الثوري في مصر عبر السنوات الماضية، إلا جزئيا، فجهود اختطاف الثورة الشعبية في مصر
بدأت فور سقوط رأس الاستبداد والفساد فيها، وجهود اختطاف الثورة الشعبية في سورية بدأت
قبل سقوط رأس الاستبداد والفساد فيها.

من يستهدف
مصر يستهدف سورية ومن يستهدف سورية يستهدف مصر، فكلاهما جزء لا يتجزأ من هذه المنطقة
وهذه الأمة التي تخشى قوى عديدة، من داخل صفوفها ومن خارج حدودها، من أن تستعيد عافيتها
وقدرتها على استئناف مسيرة حضارية كانت المصدر الرئيسي لمسار الحضارة البشرية قبل أن
تنحرف بها وتحولها إلى تقدم مادي وتقني دون روح إنسانية يتنفس من خلالها بنو آدم بالكرامة
التي رافقت بداية خلقهم والعدالة والحقوق التي تقررت من جانب خالقهم لهم، للناس جميعا.
وما الثورات التي جمعها مصطلح الربيع العربي إلا إرهاصات لبداية حقبة حضارية قادمة..
ويراد خنق الجنين قبل أن يولد، وسيان بعد ذلك هل تسقط رؤوس الاستبداد والفساد نتيجة
العاصفة الثورية الشعبية أم لا.. فالمطلوب في سورية ومصر وأخواتهما، ألا تلحق جذور
الاستبداد والفساد برؤوسه المهترئة.

لا يمكن..
ولا ينبغي.. عزل ما يجري في مصر عما يجري في سورية أو العكس، ولا ينبغي أن نبقى في
حدود النظر في الحدث نظرة محدودة زمانا ومكانا، ويكفي أن نسمع كيف يتردد في الميادين
المصرية الهتاف الشعبي الأعمق مضمونا ومغزى في الساحات السورية: يا ألله.. ما لنا غيرك
يا ألله.

لئن
نقل الشعب الثائر في مصر عن الشعب الثائر في سورية هتافه الثوري المعبر عن واقع الربيع
العربي كله، فمن الضرورة بمكان أن ننقل في الثورة الشعبية الحافلة بالتضحيات والبطولات
في سورية عن المحطة التي وصل إليها مسار الثورة الشعبية في مصر ما تعنيه الدروس للشعبين
معا، وهي كثيرة وعديدة، وأهمها على الإطلاق:

١- لا
ينبغي بحال من الأحوال أن ينزلق أي فصيل في الثورة، مهما كان شأنه، إلى “الكمين”
الذي ينصبه أعداؤها في الداخل والخارج لتمزيق أعضاء الجسد الثوري الشعبي الواحد، فيفكر
ويتكلم ويتحرك ويتعامل مع الآخرين كما لو كانت هذه الثورة ثورة فصيل، أو اتجاه، أو
فئة، ويغفل عن أنها ثورة شعبية شاملة، بدواعيها، وانطلاقتها، ومسارها، وتضحياتها، وبطولاتها،
وإنجازاتها، وأهدافها، ومصيرها، ومستقبلها.

٢- إن
كل رؤية ذاتية، ومنهج ذاتي، وأهداف ذاتية، وأساليب عمل ذاتية، تساهم في حرق الثورة
بقدر ما يجري التركيز عليها وإقصاء سواها أثناء الثورة، وهي في الأصل مشروعة ومطلوبة
في مرحلة تالية، دون إقصاء، في صيغة تعايش وتنافس، عندما تستقر دعائم الدولة المنبثقة
عن الثورة.

٣- كل
من يصدق بوجود دعم خارجي حقيقي ومجرد لتحرير إرادة الشعب الثائر واهم، إنما يأتي الدعم
بقدر ما تفرض الثورة واقعا على الأرض، تجبر أصحاب المصالح والمطامع خارج نطاق الثورة،
على التحرك في اتجاه يتوافق مع الأهداف المتحققة رغما عنهم على الأرض، وهو تحرك يمليه
الخوف على مصالحهم ومطامعهم، ولا يمليه -مسبقا- تناقض مصلحي مع استبداد وفساد قائمين،
فهو تناقض غير موجود أصلا، ولا يراهن عليه إلا واهم.

٤- توجد
في الثورة، وفي كل ثورة تغييرية، أطراف إقصائية استئصالية، لا ينفع معها تقارب ولا
تعايش ولا منطق ولا إحساس بما تعنيه قيم مشتركة ومصلحة عليا، ولكنها تمثل نسبة محدودة
على الدوام، فلا ينبغي تعميم الموقف الرافض لها، على كل من يتبنى اتجاهاتها، فالاختلاف
أصل في الفطرة البشرية والواقع البشري، والإقصاء والاستئصال جريمة سيان من يرتكبها،
بحق الشعوب والأوطان وبحق مختلف المعتقدات والاتجاهات، فلا بد من التمييز الدقيق بين
تلك الفئة المحدودة وبين من تستهويه عبر تضليلها وتجييشها، ومن دون ذلك لا تكون الثورة
شعبية، ولا شرعية وإنسانية، ولا تحقق أهدافها، ولا تنسجم مع المبادئ التي تعتمد عليها،
وهذا ما يسري بصورة خاصة على المنهج الإسلامي الذي ينطلق منه كاتب هذه السطور، فهو
منهج يرفض أن يصيب الظلم الإنسان أي إنسان، ويوجب التحرك ضد الظلم عندما يصيب جنس الإنسان،
تلك هي الروح التي سرت في المنطقة عبر ثورات الربيع العربي.. وسوف تحقق مبتغاها بإذن
الله، شاء من شاء من الشعوب الثائرة على الطغاة وملئهم وأبى من أبى ممن يستسيغون العبودية
ويستهوون الفساد ويربطون أنفسهم بأقدام من يمارسون ذلك من داخل الحدود وخارجها على
السواء.

شاهد أيضاً

هذه أنا..بلا أقنعة

ميساء شقير/ غالية شاهين – خاص لصدى الشام   لطالما أجبر الخوف السوريين على الاختباء …

المساواة أم العدالة.. أيهما يحقق التوازن الحقيقي بين الجنسين؟

ميسون محمد في عصرنا الحديث، أصبحت المساواة بين الجنسين شعاراً يتردد كثيراً في كل مكان، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *