صدى الشام- يزن شهداوي/
ضمن سياسة التغيير الديموغرافي التي ينتهجها نظام الأسد وحلفاؤه في سوريا ضد المناطق المعارضة لحكم عائلة الأسد، بدأ عملاء تابعين لنظام الأسد بعرض المال على الأهالي من أجل شراء العقارات في ريفي حمص وحماة لصالح “مستثمرين” إيرانيين.
وبدأت تلك العملية مباشرة وفق مصادر عقب إنتهاء النظام وروسيا وإيران من عمليات التهجير القسري بحق المعارضة السورية والأهالي الرافضين للبقاء تحت حكم الأسد، في ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي.
تجار إيرانيون
ويسعى سماسرة النظام إلى شراء المنازل والأراضي، لصالح مستثمرين إيرانيين وسوريين من قيادات النظام من الطائفتين “العلوية، الشيعية” بهدف “إعادة ديمغرافية” المنطقة وضمانها تحت جناح النظام إلى الأبد.
تواصلت “صدى الشام” مع العديد من المواطنين الذين أكدوا اتصال عملاء النظام بهم ومع أقارب لهم وعرضوا عليهم مبالغ مالية مقابل شراء العقارات المدمرة أو الصالحة، وتفاوتت تلك المبالغ بحسب نوع العقار.
يقول “أبو محمد” من المواطنين الذين بقوا داخل مدينة الرستن بريف حمص الشمالي لـ”صدى الشام” إن عملاء النظام من أعيان ومخاتير في المناطق التي دخلها الأخير في كلا الريفين من حماة وحمص بدأوا بعمليات السمسرة على الأبنية المدمرة بالكامل والمنازل التي خربت جراء القصف من قوات النظام.
وأضاف أن هؤلاء تواصلوا مع أقربائه المهجرين إلى الشمال عن طريق الإنترنت من أجل عمل وكالة لأحد أقاربهم بعد عرض السعر عليهم، مشيرا إلى أنهم “قدموا أسعارا زهيدة، بحجة أن المباني مدمرة”.
ولم يؤكد “أبو محمد” حصول اتفاق حول عملية البيع مع المهجرين، إلا أنه أكد أن المشترين هم مستثمرون إيرانيون، وتجار “شيعة” وتجار من سكان دمشق الموالين للنظام، وهم من داعمي الميليشيات التي تقاتل إلى جانب قوات النظام.
وأوضح أن السماسرة هم “مخاتير وأعيان” ينتمون لحزب “البعث” وظيفتهم توفيق عملية البيع بين المستثمرين والبائعين من أهالي المنطقة.
سماسرة نظام الأسد هم من العملاء ومن المنتسبين لحزب البعث يعملون على شراء العقارات لصالح المستثمرين الإيرانيين وقيادات النظام
مغريات
وأشار أبو محمد إلى أن السماسرة البعثيين عرضوا أموال مغرية على الأهالي المتبقين في الرستن والذين رفضوا الخروج والتهجير وآثروا البقاء تحت حكم الأسد، بهدف إجبارهم على بيع عقاراتهم.
ومن المغريات الأخرى بهدف دفع الأهالي للبيع إعطاء البائعين وعود بإقامة أبنية جديدة ومنحهم منزل بداخلها بأثاث جديد وجيد يغنيهم عناء البحث عن أثاث جديد لمنازلهم التي أنهكتها قذائف النظام وصواريخه.
وتتم عمليات البيع عن طريق صاحب الملك أو عن طريق وكالة في دوائر مديرية البلدية التابعة للنظام والتي عادت للعمل مؤخرا بعد عمليات التهجير.
ويرى الناشط الإعلامي بريف حمص نضال العمر أن الربح المادّي لم يكن هدفهم الأسمى، بل كان الوصول إلى السيطرة على أكبر قدر ممكن من مساحات تلك المناطق وامتلاكها ومنع المهجرين من العودة إليها في المستقبل القريب.
وأضاف في حديث مع “صدى الشام”: “شراء هذه المساحات الواسعة ستمنع الآلاف من العودة إلى مناطقهم حيث لم يعد لهم مأوى أو شيء يربطهم مع مناطقهم الأم، بالإضافة إلى من رفض البيع لهؤلاء التجار، فقريباً وإن أراد العودة والتسوية مع النظام فلن يجد نفسه في منطقته التي عرفها وعاش فيها، فتلك الأبنية غالباً ستباع إلى عسكريين إيرانيين وموالين للنظام لتحويل هيئة المنطقة إلى منطقة موالية لن تصار إلى معارضة النظام مرة أخرى مع هذا التخطيط الديمغرافي.”
ويركّز الإيرانيون على شراء هذه المنطقة كونها قريبة من المركز الإيراني في حماة وهو اللواء 47 المركز الخاص بميليشيات “الحرس الثوري” الإيراني وضباطه في محافظة حماة والذي يعمل على إدارة العمليات العسكرية في المنطقة، كما يحوي بداخله المتطوعين في الحرس الإيراني من المدنيين السوريين.
كذلك يتواجد بالقرب من المنطقة مبنى البحوث العلمية الذي يحوي بداخله أيضاً عناصر وضباط من “حزب الله” اللبناني وإيرانيين أيضاً، وكذلك مناطق تلبيسة والرستن وريف حماة الجنوبي التي تعد صلة الوصل بين الشمال والجنوب.
هذا السعي المتوازي، بين تغيير ديمغرافية المنطقة لتحويلها إلى مناطق موالية تماماً، وتحويلها إلى سكن للعناصر الإيرانية واللبنانية وذويهم، سيؤمن أهم الطرق الواصلة بين مدينتي حمص وحماة وسط سوريا، علاوةً على أن النظام وبعد حرمانه من تلك المناطق المهمة إستراتيجياً لمدة أعوام علم أهمية هذا الطريق.
ويعمل النظام على تأمين تلك المنطقة ووضع من يضمن ولاءهم في المنطقة الواصلة بين مدينتي حماة وحمص اللتان ما زالتا تضمان تجمعات سنية قد تثور ضد النظام مستقبلا.
يدفع النظام الأهالي للبيع عبر مغريات بالمال وبعض الوعود بمكتسبات، فيما يستغل معاناة المهجرين لإجبارهم على البيع
أسعار زهيدة
وعرض سماسرة النظام على المهجرين أسعار زهيدة أدنى من قيمة العقار الحقيقية، تحت حجة بأن المنازل مدمرة والمنطقة غير مؤمنة.
ويقول “عمر” مواطن ثلاثيني من مدينة الرستن لـ”صدى الشام” إن الأسعار المعروضة في مدينة الرستن لشراء المنازل بلغ متوسطها أربعة ملايين ليرة وأقل من ذلك حتى، فيما يبلغ السعر الحقيقي للمنزل أكثر من 12 مليون ليرة سورية، فيما سعر بعضها إلى عشرين مليون وأخرى إلى ثلاثين وذلك للمساحات الواسعة في الأبنية والمنازل هناك، إضافة إلى الأراضي الزراعية التي يمتلكها كل منزل من أجل العمل الزراعي فيها، وبالتالي البائع من الأهالي سيخسر الملايين في بيع منزله بهذا السعر، كما خسر حلم عودته إلى بلدته مدى الحياة.
وأشار “عمر” إلى “حصول عمليات بيع في الرستن خاصة من قبل المهجرين إلى إدلب وريف حلب، حيث عمل النظام على استغلال معاناتهم وحاجتهم للمال.”
وتمكن نظام الأسد مؤخرا من تهجير قرابة عشرين ألفا من أهالي ريفي حمص وحماة عقب حصار دام لسنوات تخللها عمليات عسكرية أسفرت عن مقتل وجرح آلاف المدنيين وتدمير منازلهم.