الرئيسية / رأي / هل تستعيد تركيا زمام المبادرة في الملف السوري

هل تستعيد تركيا زمام المبادرة في الملف السوري

صدى الشام _ عبد القادر عبداللي/

لم تكن العلاقة بين تركيا وحلف شمال الأطلسي الذي تقدمت بالانتساب إليه سنة 1948، وشاركت في أولى حروبه في كوريا عام 1950 تسير بوتيرة واحدة أبداً.

فحلف شمال الأطلسي “ناتو” وخاصة العضو الرئيس فيه الولايات المتحدة الأمريكية لطالما نظر إلى تركيا باعتبارها عبئاً، وأنها تحتاج حمايتها من تهديد حلف وارسو أيام الاتحاد السوفييتي السابق، علماً أن الجيش التركي يُعتبر ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي بعد جيش الولايات المتحدة الأمريكية.

بناء على هذا المسار لطالما تمت مطالبة تركيا بتنفيذ خطط الولايات المتحدة، وبرامجها، علماً أن غالبية تلك القرارات والخطط كانت تراعي مصالح الولايات المتحدة الأمريكية على حساب مصالح تركيا نفسها.

ما جرى في سوريا منذ عام 2011 يندرج في هذا السياق أيضاً، فالولايات المتحدة أصرت على مراعاة مصالحها باعتبار أن تأسيسها كيانًا كرديًا شمالي سوريا يخدمها على المدى البعيد، وعملت على هذا الأمر على الرغم من معرفتها بأن تركيا تعتبره خطراً على أمنها القومي، هذا التناقض بالمواقف جعل الولايات المتحدة الأمريكية تكبل أيدي تركيا في الملف السوري، وتمنعها من تقديم الدعم العسكري اللازم في مواجهة النظام، مما زاد القضية السورية تعقيداً، ومنح النظام السوري المزيد من الفرص.

على الرغم من أن إدارة ترامب الجديدة لم تقدم جديداً على هذا الصعيد إلا أن هناك مؤشرات قوية تدل على ترميم العلاقة بين تركيا وحلف الناتو عموماً، والولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً، ولعل زيارة رئيس المخابرات الأمريكية إلى تركيا في أول زيارة خارجية له ولقاءَه برئيس الجمهورية التركية ورئيس وزرائها أحد هذه المؤشرات.

قبيل وصول ترامب إلى سدة الرئاسة الأمريكية حاولت تركيا ترميم علاقاتها مع روسيا، وإذا كانت قد فشلت في ترميم العلاقات السياسية أو وضعها على طريق المصالح المشتركة، فقد فشلت أيضاً بإيجاد أرضية مشتركة للعمل في الملف السوري وهذا ما زاد تعقيد الأمور بالنسبة إليها، فمن ناحية الروس استمروا بالدفاع عن رأس النظام في دمشق، ولم يتحركوا ولو قيد أنملة بهذا الشأن، وضربوا بالحديد والنار كل مظاهر الحياة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية المسلحة.

يقول المثل العربي التركي المشترك “من يحرق لسانه بالحليب ينفخ على اللبن” لذلك لم تندفع القوات التركية كثيراً بعد السيطرة على مدينة الباب في إطار عملية درع الفرات، وفضلت الانتظار لرؤية ما يمكن أن تقدمه إدارة ترامب، بالطبع فإن هدف تركيا هو تحرير الرقة من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لأن للرقة جغرافياً دور استراتيجي بالنسبة إلى تركيا، فتحريرها من داعش بمشاركة قواتها المسلحة يعني إقامة فاصل جغرافي عربي يفصل بين كانتوني القامشلي وعين العرب/ كوباني، وهذا يعني منع إقامة منطقة كردية متصلة تضم الشمال السوري كله.

هذه القضية ليست سراً وهي معروفة للأطراف جميعاً، وتضغط كل من روسيا والولايات المتحدة على تركيا لتقديم تنازلات لصالحها على صعيد الموقف مما تسميه تركيا الفصائل الإسلامية المعتدلة، وبالتالي على صعيد الموقف من النظام السوري نفسه.

من جهة أخرى فإن تركيا أيضاً تستخدم العلاقة العضوية بين حزب العمال الكردستاني “pkk” الذي تصنفه هي والولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو منظمة إرهابية و”PYD” لتضغط على الولايات المتحدة ولكن هذه الورقة لم تكن تعطي أية ثمار لتركيا، وأصرت إدارة أوباما على اعتبار “pyd” منظمة مستقلة عن حزب العمال الكردستاني “pkk”.

بعد وصول ترامب إلى الرئاسة في الولايات المتحدة أرسل قائد أركانه في زيارة إلى تركيا أيضاً، وقد قدّمت الاستخبارات العسكرية التركية لرئيس أركان الجيش الأمريكي ملفاً بالأسلحة والذخائر التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية للـ “PYD” واستخدمت ضد مواطنين أتراك في عمليات أسمتها التصريحات الأمريكية الرسمية عمليات إرهابية.

هذه التطورات تُظهر اتّساع الفجوة في الموقف من الملف السوري بين تركيا وروسيا، وفي الوقت نفسه تُظهر بوادر احتمال نشوء تقارب ما بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد نفسه.

نعم إنها فترة انتقالية في الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه فإن الأطراف الثلاثة (روسيا، تركيا، الولايات المتحدة الأمريكية) تعرف جيداً أنها مرحلة انتقالية لا تُتخذ فيها قرارات نهائية، فهل تتّخذ إدارة ترامب موقفاً مغايراً لما كان عليه موقف الإدارة الأمريكية بزعامة أوباما؟

تركيا تخشى أن تقطعها إدارة ترامب في منتصف الطريق، ولا تريد أن تتخذ أي قرار مصيري يتعلق بأمنها القومي قُبيل تصاعد الدخان الأبيض من البيت الأبيض، ولعل ما أوقف معركة تحرير الرقة من “داعش” هو هذا التريث لكي تنضج الأمور، وتتضح الأشياء بشكل جيد، وما أعادها إلى الطرح من جديد هو هذا الموقف المتريث نفسه الذي يتخذه الأمريكان والأتراك معاً.

ولكن الروس غير مستعدين للتريث، فهم على عجلة من أمرهم، ويعرفون جيداً أن التريث ليس لمصلحتهم فيما لو اتخذ ترامب قراراً بإصلاح العلاقة بين الإدارة الأمريكية وتركيا.

شاهد أيضاً

هذه أنا..بلا أقنعة

ميساء شقير/ غالية شاهين – خاص لصدى الشام   لطالما أجبر الخوف السوريين على الاختباء …

المساواة أم العدالة.. أيهما يحقق التوازن الحقيقي بين الجنسين؟

ميسون محمد في عصرنا الحديث، أصبحت المساواة بين الجنسين شعاراً يتردد كثيراً في كل مكان، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *