جلال بكور/
لربّما نشهد في الأسابيع أو الشهور القادمة افتتاح السفارة الأمريكية مجددا في دمشق، وذلك مكافأة لنظام الأسد على “مكافحة الإرهاب”، ذلك بات ممكنا إلى درجة كبيرة ولا يقلل من ذلك الاحتمال قول دونالد ترامب “الأسد حيوان”، فلا يمكن أن تعارض أمريكا ما يقوم به بشار الأسد من قتل وتهجير للسوريين، وتوافق على قتل إسرائيل للفلسطينيين، وعلى الرغم من أن الاثنين مجرمان إلا أن نظام الأسد أكثر إجراما من إسرائيل.
لا يمكن تفسير الصمت الدولي تجاه بشار الأسد وجرائمه إلا بالرضى عن تلك الجرائم بشكل تام بل ومباركتها والصلاة عليها والدعاء لها بالاستمرار، وهي جرائم يقوم بها نظام الأسد نيابة عن إسرائيل وبقية المجتمع الدولي في قمع من يريد التحرر من الشعوب.
إذا لا يمكن استبعاد وجود “صفقة قرن” أخرى تفضي إلى بقاء نظام الأسد في حكم سوريا، كـ”صفقة القرن” التي أفضت إلى جعل مدينة القدس “عاصمة لدولة إسرائيل” بعد فتح السفارة الأمريكية هناك من قبل فتاة، ولربما تأتي بقية السفارات لاحقا.
دائما يقولون من باع فلسطين لن يشتري سوريا ومن باع القدس لن يشتري دمشق ومن باع حيفا لن يشتري حمص ومن قتل الشعب الفلسطيني وحاصره وشرده لستين عاما لن يذرف سوى دموع التماسيح على الشعب السوري.
إذا كانت إسرائيل قد وجدت في المنطقة كي تستنزف دولها وتبقيها في حالة صراع دائم فقد وجد نظام الأسد لقمع شعوب المنطقة في حال فكرت بالحرية أو فلسطين، ووجد هذا النظام لحماية أمن فلسطين والتاريخ شاهد على ذلك من خلال ما فعله هذا النظام من القضاء على المقاومة الفلسطينية في لبنان ووضع السلاح بيد جماعة طائفية تدّعي مقاومة إسرائيل.
النظام أيضا وجد ليكون أداة قمع لبقية الأنظمة المحيطة به في حال تآمرت عليه وعلى إسرائيل فهو مدرسة في صناعة التنظيمات الإرهابية وتصديرها إلى الدول المجاورة بدأ من العراق ولبنان، ويقوم بحرق وتشريد الفلسطينيين مرة أخرى في سوريا حيث جعل “فصائل المقاومة” ميليشيات مجرمة تحت إمرته.
هذا النظام يقوم بإيصال روسيا للمياه الدافئة ويوصل إيران للمتوسط ودمشق وبيروت، ويؤمن شمال إسرائيل، ويحمي الخليج من التنظيمات “الإخوانية والإسلامية”، ويقضي على أي حركة تطالب بالحرية وتطالب بمقاومة إسرائيل لماذا سيسعى هذا المجتمع الدولي إلى إزالته؟!
لا أحد يريد إزالة النظام من المجتمع الدولي قبل وضع نظام مشابه له أو إعادة تعويمه مرة أخرى، وبدأت العملية عن طريق إنقاذه من قبل روسيا ثم وضع مسار الحل كله بيد روسيا وهو ما أدى إلى ربط المفاوضات بمسألة “الدستور” و”الانتخابات” وليس “الانتقال السياسي”، وبالتالي فإن الأسد دون محاكمة يحق له وفق ذلك المسار الترشح من جديد والفوز في الانتخابات والبقاء في حكم سوريا.
في حال تمكنت روسيا من تمرير تلك العملية عبر الأمم المتحدة من خلال مفاوضات جنيف واستمرار الصمت الأمريكي والصمت الدولي عن ذلك، ذلك يعني ويؤكد أن الجميع متفق على هذا المسار إلا أن المهمة تم إوكالها لروسيا فقط، وكما تقوم أمريكا بتحمل كل أوساخ إسرائيل تقوم روسيا بتحمل أوساخ النظام.
ولعل تحذير دي مستورا الأخير المرتبط بإدلب، وزيارة الأسد لسوتشي هي آخر الرسائل للمعارضة أو حلفائها قبل البدء بالعملية التفاوضية الجديدة، وتحمل التهديد المباشر في حال لم يُقبل بالمسار الروسي فإنه سيتم اللجوء مجددا إلى الحل العسكري في إدلب ودرعا، وهذا يضعنا مجددا أمام رغبة الدول بعدم نشوء حرب دولية مباشرة، فهل ستقبل بالطرح الروسي الذي يُبقي الأسد في الحكم ويضمن مصالحهم وحصصهم التي نالوها من الكعكة؟.