الرئيسية / مجتمع واقتصاد / مجتمع / أطفال “الدولة” في الموصل العراقية.. رحلة شاقة بحثا عن نسب

أطفال “الدولة” في الموصل العراقية.. رحلة شاقة بحثا عن نسب

القدس العربي/

جلست هدى، ذات العشرين ربيعا، في باحة منزل والدها في حي الإصلاح الزراعي في الجانب الغربي لمدينة الموصل مركز محافظة نينوى شمالي العراق، قبل أن تجهش بالبكاء وهي تغطي وجهها وجسمها بخمار أسود.

لم تكن هدى تبكي زوجها، وهو عنصر في تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش)، قتل عندما فجر نفسه مستهدفا القوات العراقية التي كانت تقتحم أول أحياء شرقي الموصل العام الماضي، بل تبكي حالها، حيث لا تجد سبيلا لإثبات نسب طلفها الصغير.

رفضت هدى الحديث للأناضول عن قصتها، فتولت والدتها المهمة بالقول، إن شابا يدعى أحمد خالد تقدم نهاية عام 2015 لخطبة ابنتها بعد معرفته بها عن طريق شقيقته التي كانت تربطها بهدى علاقة صداقة، فوافق الجميع إذ أن الشاب لم يكن يظهر انتماءه للتنظيم، وأن التزامه الديني كان جزءا من تربيته لا أكثر.

وأضافت أن هدى وأحمد تزوجا وأنجبا طفلا أسمياه عمرا.

لكن الصدمة كانت كالصاعقة على مسامع هدى وأهلها حتى وأهل الزوج، عندما جاءهم نبأ تفجير زوجها نفسه على القوات العراقية التي كانت تهم بالدخول إلى حي كوكجي وهو أول أحياء شرقي الموصل، مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، وفق ما تسرد والدة هدى.

هنا فقط تدخلت هدى في الحديث، وقالت بصوت خافت، “لا أريد شيئا سوى الحصول على أورق ثبوتية لابني عمر الذي أخشى أن يكبر دون أية أوراق رسمية ويُجبر على سلك طريق الإجرام ردا على عدم اعتراف المجتمع به”.

وتابعت هدى في حديثها للأناضول، “لقد راجعت الدوائر المعنية في إصدار الأوراق الثبوتية للأطفال الذين ولدوا في زمن تنظيم داعش ممن قتل آباؤهم خلال الحرب، وقد أبلغني المسؤولون في تلك الدوائر أنه يجب جلب 4 شهود يؤكدون أن والد الطفل لا علاقة له بالتنظيم، فضلا عن تقرير طبي يؤكد سبب الوفاة وكتاب من قبل قيادة عمليات نينوى وقيادة العمليات العسكرية المشتركة (تابعتان للدفاع) وخلية الاستخبارات العامة”.

وأضافت هدى “في حال ثبت أن الشخص المتوفى هو إرهابي سيتم اعتقال زوجته على الفور وكذلك اعتقال الشهود، ما جعلني أتراجع عن المضي بمراجعة دائرة النفوس (تابعة للداخلية) خوفا من اعتقالي وبالتالي سيبقى ولدي حينها يتيم الأبوين”.

وبحسب قانون الأحوال الشخصية العراقي، يجب أن يكون والد الطفل معروفا، وإن لم يكن على قيد الحياة فيجب أن يشهد له شخصان، أما في حالة الحروب فيجب أن يشهد أربعة أشخاص سيرتهم الذاتية حسنة ويتعهدون بتحمل كافة التبعات المترتبة على شهادتهم في حال جاءت المعلومات التي شهدوا بها مخالفة للحقيقة.

سوسن بكر العامري أتمت عامها الـ23 قبل أيام تعيش مع طفليها، براق البالغ من العمر سنتين وابنتها الرضيعة هبة الله في منزل والدها بحي المهندسين بالجانب الشرقي للموصل بعد مقتل زوجها في مواجهات مباشرة عندما كان يقاتل ضمن صفوف تنظيم الدولة “داعش” ضد قوات جهاز مكافحة الإرهاب (قوات نخبة بالجيش) بمنطقة المجموعة الثقافية في شتاء عام 2017.

محتضنةً طفليها الصغيرين، تقول سوسن للأناضول، وقد انهمرت دموعها “الجهات المعنية، رغم مراجعاتي المتكررة لها، ترفض الاعتراف بنسب أطفال تنظيم داعش بحجة عدم تلقيها تعليمات بهذا الشأن من الحكومة الاتحادية رغم انتهاء الحرب في المدينة منذ صيف العام الماضي”.

لكن هذه المأساة الشاخصة، يبدو أنها ليست من نصيب أرامل مسلحي تنظيم “داعش” وحدهن، بل تشمل نساء أخريات فقدن أزواجهن خلال الحرب.

زينة عبد الواحد عنبر (27 عاما)، التقتها الأناضول أمام دائرة نفوس نينوى بالجانب الشرقي للموصل وهي تحمل طفلة رضيعة وتندب حظها، قائلة “استشهد زوجي علي يحيى بقصف مدفعي لقوات التحرير (القوات الحكومية) على منطقة الموصل القديمة ونجوت أنا وابنتي التي كانت ما تزال في أحشائي بأعجوبة، وبعد ذلك وضعت هذه الطفلة وأسميتها سماء إلا أن الجهات الحكومية ترفض إصدار أوراق ثبوتية لها بحجة أن والدها قد يكون إرهابيا وقُتل”.

وتتابع محاولة كفكفة دموعها المنهمرة “زوجي استشهد ومنزلي دُمر وأصبحت مشردة هنا وهناك دون أي ذنب ورغم كل ذلك ما تزال الحكومة مصرة على عدم الاعتراف بحقوقنا وتعاملنا كأننا لسنا عراقيين، وتطلب أشياء تعجيزية كجلب شهود وتقارير طبية وأمنية كثيرة، يمكن الحصول عليها بسهولة في ظل هذه الأوضاع″.

تقول للأناضول الدكتورة نبراس سعدون الخطيب التي تترأس لجنة في حكومة نينوى المحلية باسم (لجنة أطفال الأزمات) لمتابعة مشكلة الأطفال عديمي الهوية إن “اللجنة أحصت بعد نحو شهر ونصف الشهر على انطلاق أعمالها الخاصة بتوثيق الأطفال الذين قتل أباؤهم الدواعش (عناصر داعش) ويعيشون الآن بدون هوية في الموصل وأطرافها فقط، 500 طفل في مخيم حمام العليل جنوب الموصل و250 طفلا في مخيم حسن شام شرق الموصل، أما داخل المدينة فقد تم إحصاء 65 طفلا في دار الأيتام”.

وتضيف أن “المعوقات التي تواجه اللجنة هي داخل مدينة الموصل وتتمثل برفض نساء الدواعش الاعتراف بأن أزواجهن كانوا ضمن صفوف التنظيم خشية تعرضهن للمسألة، دون علمهن بأن السكوت وعدم الاعتراف سوف يصعب الأمور عليهن بالمستقبل”.

وتابعت “على الحكومة الاتحادية وحكومة نينوى المحلية بذل المزيد من الجهود لاسيما في مجال توعية النساء الأرامل وحثهن على مساعدة اللجان الخاصة بتوثيق حالتهن بعد إعطاء ضمانات لهن لإكسابهن الثقة ولينخرط أطفالهن في المجتمع أسوة بغيرهم، لأن الطفل لا علاقة له بما ارتكبه أبوه أو أحد أقاربه”.

الناشط في مجال حقوق الإنسان وقاص حافظ الطائي رئيس منظمة “الأحرار الإنسانية” (غير حكومية)، يرى أن “تحميل الحكومة الاتحادية أطفال الموصل ذنب انتماء آبائهم لتنظيم داعش خطأً فادح ودليل على قصر نظرة أصحاب القرار”.

وأضاف، “يجب على مجلس النواب (البرلمان) أن يصدر قرارا بشأن ذلك في القريب العاجل قبل أن يكبر هؤلاء الأطفال ويحرموا من حق التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية”.

ويشير الطائي إلى أن “هؤلاء الأطفال سيكونون بمثابة قنابل موقوتة إذا لم يتم احتضانهم في المجتمع، وسيبحثون عن سبيل الانتقام ما أن تسنح لهم الفرصة”.

شاهد أيضاً

مسيرة الاستقرار: تثبيت الزواج كخطوة أساسية للسوريين في تركيا

مريم سريول التشريعات والقوانين الزواجية: استعراض القوانين التركية المتعلقة بالزواج إن تثبيت الزواج يعزز الاستقرار …

مريضات السرطان…على قيد الأمل

مريم سريول بين أروقة المستشفيات وعلى طول الحدود، تتجاوز معاناة مريضات السرطان السوريات الحدود الجغرافية. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *