عبد العزيز المصطفى
تذكرُ كتبُ الأساطيرِ أنّ ملكًا استدعى أحد مستشاريه في ساعة متأخرة من الليل، حضر المستشارُ خائفًا يرتجف!! حماكَ اللهُ أيّها الملكُ، أرجو أن تكونَ ومملكتنا بخير؟.
ردّ عليه الملك: لم أنم ليلتي وأنا أفكر بسؤال شغلني، ولأنّك أذكى المستشارين عندي، طلبتك لأسألك.
سمعًا وطاعة يا مولاي، قال المستشارُ للملك، وجلس يستمعُ من الملكِ سؤالَه الّذي أرّق ليله، ومنع عنه النومَ، قال الملكُ: أفكرُ أيهما أفضلُ: القداسة أم الحظ؟!!
أجاب المستشارُ دون ترددٍ: القداسةُ، طبعًا يا سيدي الملك.
قاطعه الملكُ قائلًا: سأثبتُ لك عدمَ دقةِ إجابتك، وفي الصباحِ اصطحب الملكُ مستشاره إلى سوقٍ قريبٍ، وهناك رأى رجلًا حمّالًا، رثّ الهيئة، أنهكته ظروفُ الحياة، فأمر بإرساله للقصر، ولحق به، ثم أمر الخدمَ أن يُلبسوه أجملَ الثيابِ، وأصدر قرارًا بتعينه وزيرًا في بلاطه الملكي!!
ثم التفت إلى مستشاريه فقاله له: هل رأيتَ الحظَ ما فعله بهذا الرجل؟!، لقد أصبح وزيرًا بعد أن كان مغمورًا لا يعرفه أحدٌ، فالحظ أفضلُ من القداسة.
قال المستشارُ: سيدي الملك أعطيني برهةَ وقتٍ أُثبتُ لكَ أنّ القداسةَ أهمّ من الحظ، ثمّ خرج إلى السوق، وشاهد دابةً وقد أتعبها الجوعُ وكثرةُ الأحمالِ، فوقف عندها يمسحُ على ظهرها ويتبركُ بها!! تجمّعُ الناسُ حولها، ماذا تفعلُ أيّها المستشارُ؟!، هل فقدت عقلك؟!
أجابهم: لا، لكنّ هذه الدابة حملت بعضَ أنبياءِ الله على ظهرها، وقد وردت صفاتها في أكثر من كتابٍ!!.
تهافت الناسُ حول الدّابة، هذا يأخذ شعرةً منها، وتلك تدعو الله أن يحقق لها ما تريد، ثم حملوها لبيت كبيرهم يطعمونها ويتقربون إلى الله بها.
عاد المستشارُ إلى الملكِ وقال: يا سيدي الملك: لقد ألبستَ أنتَ هذا الرجل ثوبَ الوزارة، وبإمكانكَ في أيّة لحظةٍ تخلعُ عنه هذا الوقار وتلك الصفة، لكنّني ألبستُ الدابة ثوبَ القداسةِ، فلا يمكن لأيّ أحدٍ أن ينزعَ عنها هذه القداسةُ، لذا فإن القداسةَ قبلَ الحظِ.
من هنا أقول: إنّ المقاومةَ في فلسطين المحتلة وفي كلّ بلدٍ فيه محتلٌ غاصب هي مقدسةٌ، ولا يمكن لأيِّ كائنٍ أن ينزعَ هذه القداسةَ، فلقد أوجدها الاحتلالُ، وأسبابٌ أخرى ما زالت جاثمةً على قلوب الفلسطينيين، وحين تزولُ تلك الأسباب، وينتهي الاحتلال ستنتهي حاجةُ المقاومةِ، لأنّها نتاجُ ممارسات الغطرسةِ الصهيونية الممتدة منذ عقودٍ.
فحرىٌ بأولئك الذين يحاولون جاهدين القضاء على الفلسطينيين ومقاومتهم أن يقرؤوا التّاريخ جيدًا، ويقفوا عند الأسبابِ الحقيقية للمقاومة، فشعوبُ المنطقة تحبُ الحياةَ الكريمة، وتريدها لها ولغيرها، وهذا هو الذي يدفع الشعوب المضطهدة لمقاومة المستعمر أينما وجد، وإلاّ لما احتفلت دولُ العالم أجمع باستثناء بريطانيا في كلّ عام بيوم استقلالها الوطني.
يبقى إذا كنا نقول للأسباب(الاحتلال) نعم، بأيّ منطقٍ نرفضُ النتائج(المقاومة)؟!!