الرئيسية / تحقيقات / هل تُضعِف الانشقاقات “هيئة تحرير الشام”؟

هل تُضعِف الانشقاقات “هيئة تحرير الشام”؟

صدى الشام- عمار الحلبي/

تلقّت “هيئة تحرير الشام” عدّة ضربات في وقتٍ واحد، وذلك بعد أن تدحدرجت كرة الانشقاقات، ووصلت إلى شخصياتٍ اعتبارية داخلها، وأدّت إلى وضع “الهيئة” في موقفٍ محرج.
ولم يخفِ خبراء التقتهم صحيفة “صدى الشام” تكهناتهم حول احتمال أن تؤدي هذه الانشقاقات لتسريع انهيار الهيئة، كونها تسببّت بشرخٍ في بنيتها العسكرية، وفتحت باباً سيؤدّي إلى المزيد من التخلخل في بنيتها.
ومما يصعّب الوضع بالنسبة لـ”هيئة تحرير الشام” إعلان نتائج مباحثات “أستانا 6” التي خلصت إلى قرارات من شأنها إنهاء وجود “الهيئة” بشتى الطرق، وذلك تزامناً مع الزحف التركي نحو الحدود السورية من جهة إدلب، والذي يُنذر بقرب عمل عسكري في الداخل السوري.

موجات متلاحقة

شهدت “هيئة تحرير الشام” الكثير من حوادث الانشقاق، ولكن ثمّة أربع موجات ظهرت بشكلٍ واضح منذ آذار وحتّى أيلول من العام الحالي، وتزامنت مع بدء الخلاف بين الهيئة وفصيل “حركة أحرار الشام”.
وجاءت موجة الانشقاقات الأولى، في شهر آذار الماضي، عندما بدأ الخلاف الفعلي بين الحركة والهيئة، ما دفع عدّة قياديين للانشقاق عن الهيئة والانضمام للحركة.
وقرّرت عدّة مجموعات وكتائب وشخصيات داخل “هيئة تحرير الشام” حينها ترك موقعهم في الهيئة، والعودة إلى صفوف الحركة منها: كتيبة المدفعية والهاون، محمد أبو الدرداء من كوادر جبهة النصرة القدامى، مجلس شورى عشائر المَوالي الموحد، سرية “أنصار الشريعة” العاملة في سهل الغاب- قطاع حماة، أبو البراء طعوم قائد لواء “أجناد الشام” الذي انشق مع لوائه، كتيبة “حذيفة بن اليمان” العاملة في منطقة دارة عزة، كتيبة “محمد أسعد بدر” في سراقب، “كتيبة أحرار إسقاط” – قطاع الحدود.

وفي خضم هذه الخلافات أيضاً، قرّرت عدّة فصائل وأشخاص ترك الهيئة، ولكنهم لم ينضمّوا إلى “حركة أحرار الشام” وإنما بقوا مستقلين دون أي تبعية لأحد، ومنهم، “كتائب أبو عمارة” التي كانت قد بايعت “هيئة تحرير الشام” قبل أشهر من هذه الحوادث، ولكنها عادت وأعلنت عودتها لاسمها الأساسي “سرية أبو عمارة للمهام الخاصة” موضحةً أنّها لم تعد تتبع لأي فصيل، ويُضاف إليها انشقاق “زيد العطار” الذي كان يشغل دور مسؤول إدارة الشؤون السياسية في “الهيئة” لكنه أعلن أنه لم يعد مسؤولاً عن هذا الدور، وأنه استقال بشكلٍ كامل عن الهيئة.
موجة الانشقاقات الثانية جاءت في التاسع عشر من شهر أيار الماضي، أعلن محمد علوش “أبو سامي”، وهو القائد العسكري لفصيل “جند الملاحم”، التابع لـ “هيئة تحرير الشام”، انشقاقه عن “الهيئة”، لينضم إلى “حركة أحرار الشام الإسلامية”.

وأرجع “أبو سامي” انشقاقه إلى “التطورات التي تجري في الساحة، وضرورة توحيد الصفوف وجمع الكلمة، وتحقيقًا لمرضاة الله تعالى ورسوله”، مُعلناً أنه انضم إلى “حركة أحرار الشام”، في كتيبة “الشيخ أبو عمر” تحديداً.

أما الموجة الثالثة، فجاءت في شهر تموز الفائت، الذي شهد تحوّل الخلاف بين “هيئة تحرير الشام” و”حركة أحرار الشام” من حرب كلامية وبيانات إلى معارك مباشرة، حيث أعلنت عدة كتائب في “الهيئة” انشقاقها، مرجعةً السبب إلى “التجاوزات التي ارتكبتها الهيئة بحق “حركة أحرار الشام”، وانحراف البوصلة” وفقاً لبيان رسمي.

وأرجع فصيلا “كتيبة المدفعية” في ريف حلب الجنوبي، وسرية “سهام الصالحين في” سراقب بريف إدلب، في بيانهما سبب الانشقاق إلى “البغي الحاصل من الهيئة على أحرار الشام وخاصة في نقاط الرباط بريف حلب الجنوبي، إضافة إلى نهب أموالهم الخاصة وانتهاك حرمات منازلهم”.

بينما أوضحت سرية “سهام الصالحين” أنها تركت الهيئة واعتزلت العمل بسبب “الفتنة وتحوّل فوهات البنادق من صدور الأعداء إلى صدور الإخوة” حسب البيان الذي أكد أن عناصر السرية “سوف يعتزلون الفتنة حتى تُكشف الغمة”.

لكن وفي غمرة هذه التطورات برز حدث له دلالاته حين أعلن القاضي عبد الله المحيسني، والداعية مصلح العلياني، انشقاقهما عن “هيئة تحرير الشام” في سوريا، طبقاً لبيان نشراه عبر قنواتهما الرسمية.
وأرجع المحيسني والعلياني قرارهما بالانشقاق إلى “الفشل في تحقيق غايتهما من الوجود في الهيئة، وتجاوز الهيئة في القتال الأخير”، في إشارة إلى القتال الذي شهدته محافظة إدلب بين فصيلي “هيئة تحرير الشام” و”حركة أحرار الشام”.

وجاءت الاستقالة، بعد فترةٍ وجيزة من تسريب تسجيل صوتي لمحادثة بين شخص اسمه “النايف” ويعتقد أنه القائد العسكري للهيئة أبو محمد الجولاني، وبين قائد قطاع إدلب، المغيرة بن الوليد المعروف باسم “أبو حمزة بنش”، وصفا فيه كلّاً من المحيسني والعلياني بـ “المرقّعَين”، وأن عملهم الشرعي مقتصر على “الترقيع” فقط.

وطلب “أبو حمزة بنش” خلال التسجيل من الجولاني، أن يتم السماح له باعتقال القاضي الشرعي، عبد الله المحيسني، بذريعة أنه سيحرّض عناصر “الهيئة” على عدم قتال حركة “أحرار الشام”. إلا أن الجولاني لم يوافق وقال إن “اعتقاله سيزيد الأمر تعقيداً”.

وانتشر تسجيل آخر لحوار بين أبو حمزة بنش ذاته و”أبو حسين الأردني”، الذي يشغل منصب “قائد الجيش المركزي” في “هيئة تحرير الشام”، يكشف اتفاقهما على شنّ هجوم على “حركة أحرار الشام” بموافقة كاملة من الجولاني، مع تكرار “بنش” القول إنه ينوي اعتقال المحيسني بهدف منعه من التوسط لاحقاً لفرض هدنة مع “الأحرار”.

الخروج من المعركة الخاسرة

كانت الفصائل التي انشقّت عن هيئة تحرير الشام، ولا سيما خلال الفترة الماضية، تتلمّس الخطر القادم على الهيئة وحتمية الحرب ضدها.

يُبدي المحلل العسكري العميد الركن أحمد رحّال، وجهة نظره بهذا الشأن، معتبراً “أن هذه الفصائل بعد أن استشعرت الخطر، فكّرت في الأمر من الناحية الاستراتيجية، وخلصت إلى أنّها سوف تواجه حرباً ليست حربها من الأساس، كونها منخرطة ضمن هيئة تحرير الشام كنوع من تنظيم الصفوف ولا تتبنّى أفكارها، وهو ما دفعها إلى الانشقاق”، موضحاً أنه لا يُمكن نسيان “المؤثّر الخارجي” على هذه الفصائل الذي أعطاها الضوء الأخضر لكي تُقدم على خطوة الانشقاق.

من جهته يوضّح عضو المجلس العسكري في وفد المعارضة السورية إلى أستانا أيمن العاسمي، أن الاندماج الذي جمع “جبهة فتح الشام” مع عدد من الفصائل الأخرى ضمن “هيئة تحرير الشام” لم يكن اندماجاً فكرياً إطلاقاً.

وشرح العاسمي، أن الفصائل السورية انضمت إلى “هيئة تحرير الشام” من باب المصلحة العسكرية وضمن ظروف الفصائل وحسب، لافتاً إلى أن 90% من المقاتلين الموجودين حالياً ضمن الهيئة لا يحملون أفكارها، وإنّما اندفعوا للانضمام إليها بسبب جرأتها في قتال نظام الأسد، في حين أنَّ من يحملون الأفكار الأصولية للهيئة هم فقط 5% من القيادات.

واعتبر أن هذه الوقائع تجعل عملية الانشقاق عنها أمراً سهلاً عند حدوث أي “وعكة للهيئة كجسم عسكري، وهو الأمر الذي سهّل حصول الانشقاقات”.

حلّ غير عسكري

في ظل شبح الحرب الذي لم يعد تجاهله ممكناً، والتلويح بخيارات عسكرية في إدلب، بات التعويل يتركّز على البنية الفكرية لـ “هيئة تحرير الشام” واللعب على فكرة عدم التزام جميع بالخط الذي رسمته والرؤية الأحادية للأمور.

وفي هذا السياق، يرى العاسمي، إلى أن أهالي المقاتلين المنضوين ضمن “هيئة تحرير الشام” سيقومون بسحب أبنائهم عندما يستشعرون الخطر، بغية تجنيب هؤلاء الدخول في معركة لا تعنيهم، مشيراً إلى أن إنهاء ملف الهيئة دون معركة هو أمر وارد، وذلك من خلال إعطاء فرصة أكبر لتوسّع قاعدة الانشقاقات داخل الهيئة، وجعلها تصل إلى مرحلةٍ تكون فيها غير قادرة على مواجهة “الجيش السوري الحر” وفصائل المعارضة السورية الأخرى، وبالتالي جعلها ترضخ تلقائياً إلى مقترح حل نفسها و تغيير أفكارها، وهو ما يحقن الدماء ويوفر على المدنيين أوزار الحرب”.

وشبّه العاسمي الانشقاقات التي تحدث اليوم في صفوف الهيئة بتلك التي حدثت في صفوف قوات النظام عندما بدأت الثورة، موضحاً أنها “أمر جيد لأن المقاتلين والفصائل يقومون بالانشقاق عن كيان غير مقتنعين بأفكاره، وبالتالي فإن ذلك مفيد ولا علاقة له بالتفرقة إطلاقاً”.

واعتبر العاسمي أن “الشعرة التي قصمت ظهر البعير هي هجوم الهيئة على حركة أحرار الشام، وقال: “الحركة قدّمت آلاف الشهداء والبغي عليها غير مقبول إطلاقاً” حسب تعبيره.

التركستان والأوزبك

منذ أن بدأت الانشقاقات تتضح في صفوف هيئة تحرير الشام، برز سؤال حول دور كلّاً من “الحزب الإسلامي التركستاني” و”الأوزبك” وهي فصائل إسلامية متشدّدة تقاتل في سوريا منذ سنوات، ولكن مرجعية قتالها لا تزال موضع جدل، ولا سيما فيما يخص بعلاقتها مع “هيئة تحرير الشام” والتقارب الإيديولوجي بينهما.

وعلى الرغم من وجود تقاربٍ بين كلا الطرفين من الناحية الفكرية، إلّا أن ذلك لا يعني توحّدهم ضمن مرجعية واحدة، أو مساندة التركستان والأوزبك لـ “هيئة تحرير الشام” في معارك تخوضها ضد أطرافٍ غير النظام، وفقاً لما يوضح عضو وفد المعارضة المسلحة إلى أستانا أيمن العاسمي. وأضاف أن “الأوزبك والتركستان لم يتبنّوا فكر القاعدة، وليس لديهم أي مشروع بنيوي في سوريا” شارحاً أنّهم “عبارة عن مواطنين مسلمين من هذه البلدان وصلت إليهم الأخبار من سوريا وجاؤوا للقتال ضد نظام الأسد، وسيغادرون عائدين إلى بلادهم عندما تنتهي عمليات القتال، في حين أن هيئة تحرير الشام لديها مشروع مرتبط بالقاعدة، وتقوم حالياً بمأسسة نفسها عسكرياً ومدنياً وخدمياً في محافظة إدلب”، وهو ما سيؤدّي بحسب العاسمي إلى ضعف “هيئة تحرير الشام” عندما تنسحب منها الفصائل التي لا تحمل أفكارها، معتبراً أن عدد عناصر الهيئة “لن يتجاوز 1000 شخص فقط”.

لكن العميد الركن أحمد رحّال، يخالف العاسمي رأيه، مشيراً إلى أن “الهيئة” سوف تتأثر عسكرياً من الانشقاقات، ولكن ستبقى قوّة عسكرية ضاربة، بسبب استعداد الأوزبك والتركستان لمساندتها عندما تكون بحاجتهم.

وتوقّع رحّال ثلاثة سيناريوهات في محافظة إدلب خلال الفترة القادمة، ويتمثّل السيناريو الأول في أن تحل الهيئة نفسها، وتخرج الغرباء خارج البلاد، فيما ينضم العناصر السوريون إلى الفصائل الأخرى.

أما السيناريو الثاني فهو نقل “هيئة تحرير الشام” عناصرها إلى الساحل السوري وجبل التركمان، وهو أمرٌ لم يعد يجدي لأن محافظة إدلب أصبحت مشمولة بمناطق خفض التوتّر.

ويشير رحال إلى أن السيناريو الثالث يتمثّل بالحرب المباشرة ضد “الهيئة”، موضحاً أن مخرجات أستانا 6 كانت واضحة ولن تترك “تحرير الشام” تستمر بما هي عليه اليوم.

شاهد أيضاً

أوراق باندورا: جزر العذراء البريطانية مخبأ شركات “ممول للنظام السوري”

في 23 كانون الثاني/ يناير 2017، بينما تحتشد الجهود للوصول لتسوية بين طرفي النزاع السوري …

قتل وتعذيب واغتصاب.. ما تفاصيل محاكمة أنور رسلان؟ وماذا قال ضحاياه؟

يُعد الحكم الذي أصدرته محكمة ألمانية بالسجن مدى الحياة على الضابط السابق في الاستخبارات السورية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *