الرئيسية / سياسي / سياسة / تحليلات / الحرّ يفتح “الباب” على “داعش”..  ومنبج والرقة بالانتظار

الحرّ يفتح “الباب” على “داعش”..  ومنبج والرقة بالانتظار

صدى الشام _ العميد أحمد رحال/

عند الحديث عن معركة تحرير “الباب” فمما لا شك فيه أننا أمام معركة أجاد فيها الجيش الحر بالاستفادة من الزخم الناري والمدفعي وحتى الجوي الذي يقدمه الجيش التركي الداعم لعملية “درع الفرات”، وما برز خلال الأيام الأخيرة أن فصائل الجيش الحر التابعة لغرفة عمليات “حوار كلس” استطاعت أن تقدم نموذجاً يحتذى به ويمكن أن يُقدم كمثال عن الدقة في التنفيذ والفعالية والتعاون والمهنية بالقيادة.

العمليات العسكرية انطلقت خلال الأسبوع الأخير في محيط مدينة “الباب” الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” منذ بداية عام 2014، تلك العمليات كانت استكمالاً لمراحل متعددة من عملية “درع الفرات” التي انطلقت في 24-8-2016 والتي حسمت كل معارك الشمال لصالحها وبكامل المنطقة الممتدة من “جرابلس” شرقاً وحتى “إعزاز” غرباً مرورًا ببلدتي “الراعي” و”دابق” اللتان كانتا تشكلان نقطة ارتكاز الثقل العسكري لتنظيم “داعش” في الشمال السوري.

ومع هذه الانتصارات تقدّم الجيش الحر نحو مدينة “الباب” بخطى ثابتة تدعمه كتلة نارية لا يستهان بها من الجيش التركي الذي قدّم ويقدّم كل أشكال التمهيد والدعم والمرافقة النارية لكل الأعمال القتالية التي يخوضها الجيش الحر ضد تنظيم “داعش”.

في العلم العسكري لا توجد أعمال دون أخطاء، وفصائل “الجيش الحر” التي تقاتل ضمن عملية “درع الفرات” وقعت ببعض الأخطاء القتالية سواء كانت بمحاور الهجوم المتمثلة بنقل المعركة من الغرب إلى الشرق والتسبب ببعض الخسائر خصوصاً في بلدة “بزاعة”، أو بأسلوب وتكتيك الأعمال القتالية الذي أغفل مفخخات “داعش” وسلاح الألغام الذي يبرع به التنظيم، لكن من الواضح أن المرحلة الأخيرة امتازت بالاستفادة من التجارب السابقة وبناء خطة هجوم جديدة تجاوزت مطبات الماضي واستفادت من خبراتها وهيأت الظروف لهجوم نوعي بدأ بالتمهيد المدفعي والصاروخي والجوي من قبل الداعم التركي ثم ما لبث مقاتلو الجيش الحر أن تقدموا عبر البوابة الغربية ليشكلوا مفارز اقتحام استطاعت التغلب على تحصينات “داعش” وأن تضع لهم قدماً في الموقع الأكثر أهمية وهو جبل “الشيخ عقيل” ليتبعه “الجيش الحر” بالسيطرة على المشفى الوطني والدوار الغربي والسكن الشبابي والوصول إلى دوار مدير المنطقة وليصبح الجيش الحر داخل مدينة “الباب” وليتشكل مثلث قتال أبدع مقاتلوه بقيادته وهو الخطوط الواصلة بين بلدتي “بزاعة” و”قباسين” والمدخل الغربي لمدينة “الباب”.

 

الهجوم أفضل وسيلة للدفاع

 ولأن التجربة والخبرة القتالية علمتهم أن “الهجوم أفضل وسيلة للدفاع” فقد قام رجال الجيش الحر بتحصين مواقعهم وتثبيت جبهاتهم وترتيب صفوفهم والاستفادة من الحالة المعنوية المنكسرة لمقاتلي “البغدادي” خصوصاً بعد مقتل أميرهم “أبو خالد الأردني” وتابعوا الهجوم في اليوم الثاني كي لا يتكرر سيناريو الشهر الماضي عندما سيطر “الحر” على نفس المواقع ومن ثم عاد للانسحاب منها نتيجة ضعف تنظيمهم وليس قوة الخصم.

اليوم الثاني حمل في طياته مزيداً من الانتصارات ومزيداً من المواقع المحررة تمثلت بالوصول إلى الملعب الرياضي وسوق الهال ومبنى الحزب ومبنى الصوامع وشارع زمزم ليبدأ قتال الشوارع الذي يتقنه مقاتلو الجيش الحر وهم أبناء “الباب” ومحيطها والعارفون بثنايا وخبايا شوارع المدينة وأزقتها، لكن علينا ألا نغفل قدرات مقاتلي تنظيم “داعش” القتالية وخصوصاً في موضوع التلغيم والتفخيخ بعد أن أحالوا المدينة إلى مدينة مفخخات من خلال تلغيم معظم الشوارع والمنازل والمحلات.

 

 

لكن مع تقدم كتائب الجيش الحر المنضوية تحت راية عملية “درع الفرات” كانت ميليشيات “الأسد” المدعومة من “حزب الله” و”الإيرانيين” تتقدم من الجنوب وتحاول الوصول إلى المدينة عبر البوابة الجنوبية من خلال محاولة السيطرة على بلدة “تادف” والتقدم نحو “الباب” وذلك لتحقيق أمرين:

الأمر الأول: إيهام العالم أن تلك الميليشيات الأسدية وحلفاءَها هي جزء من الحرب على الإرهاب وبالتالي هم يشاركون في قتال “داعش” رغم أن معظم أسلحة مقاتلي التنظيم في الفترة الأخيرة وخصوصاً سلاح الصواريخ المضاد للدروع الذي أنهك وأتعب مقاتلي الجيش الحر وحليفه التركي تبين أن التنظيم حصل عليه مؤخراً بالمسرحية الهزلية التي حصلت في “تدمر” عندما أعادها له نظام “الأسد” ومعها كتلة كبيرة من المستودعات المتخمة بالعتاد والذخيرة والصواريخ م/د (مضادات دروع).

الأمر الثاني: أن ميليشيات “الأسد”  التي تتخوف من توسع جغرافية المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر والتي أصبحت على مقربة من “مطار كويرس” وتتخوف أيضاً من اعتماد التحالف الغربي على الجيش الحر كذراع عسكري له في المعارك القادمة ضد عاصمة “البغدادي” في “الرقة” وبالتالي قامت ميليشيات “الأسد” بالتوسع شمالاً وشرقاً باتجاه “تادف” وعلى مقربة من “دير حافر” للسيطرة على الطرق الجنوبية التي يمكن أن تشكل طرقاً ومحاوراً للهجوم اللاحق للجيش الحر باتجاه مدينتي “الطبقة” و”الرقة”.

 

 

أول اصطدام عسكري

عيون الجيش الحر التي تلاحق تنظيم”داعش” لم تكن غافلة عن تحركات ميليشيات “الأسد”، ومع صبيحة اليوم الثالث من دخول مدينة “الباب” دفع الجيش الحر بمجموعة من مقاتليه جنوباً لتصل رسالة غريبة من الطيران الروسي عندما قام بقصف موقع للجيش التركي وليبرر ذلك بخطأ في التوجيه أدى لمقتل ثلاثة جنود أتراك وإصابة أحد عشر مقاتلاً آخرين مع مقتل أربعة عناصر من الجيش الحر وكأن الروس أرادوا القول أن مدينة “الباب” لا يمكن أن تكون خالصة بيد “الجيش الحر”، وجاء الرد التركي سريعاً عبر قصف مدفعي طال مواقع “الأسد” وعبر هجوم للجيش الحر جنوباً تم فيه طرد تلك الميليشيات عن بوابات “الباب” وقتل عدد لا بأس به واغتنام عربتي “بي إم بي”، ويبدو أن الرسالة التركية ورسالة الجيش الحر كانت هي الأقوى والأعلى صوتاً حيث اضطر الجانب الروسي لإصدار تعليمات واضحة ورسم خط جغرافي يمر من بلدة “تادف” وجنوب مدينة “الباب” ويشكل الحدود النهائية المسموح فيها لميليشيات “الأسد” وحلفائه التقدم إليها وليطوى حلم “الأسد” بالاقتراب من مدينة “الباب” وقد يكون المنع يشمل الاقتراب من مدينة “الرقة” لاحقاً.

 

الهجوم داخل مدينة الباب تابعهُ الجيش الحر رغم شراسة القتال التي أبداها تنظيم “داعش”، واستطاع “الحر” السيطرة على “مزرعة الشهابي” في البوابة الشمالية و”دوار تادف” في الجهة الجنوبية ثم أتبعه بالسيطرة على “دوار الراعي” تاركاً طريقاً ترابياً ما بين تلة “العمية” وطريق “تادف” الذي يصلها بريف “دير الزور” كممر وطريق لعبور عناصر التنظيم إذا ما أرادوا الهروب خارج المدينة، وبذلك أثبت الجيش الحر أنه سيد المعارك وأنه قادر عند وجود الدعم والتذخير الكافي على مواجهة كل الإرهاب المتدحرج في الساحة السورية، وأنه القوة التي لا تُقهر، وليقدم نفسه مرة أخرى على أنه رقم صعب لا يمكن تجاوزه.

الرسائل السياسية التي تحملها معركة تحرير “الباب” كانت واضحة، فالرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” كان أول من أعلن أن معركة تحرير مدينة “الباب” ليست نهاية المطاف، وأن المعركة المفتوحة على الإرهاب لن تتوقف عند حدود المدينة بل هي مقدمة للسير نحو مدينة “منبج” التي تسيطر عليها الميليشيات الانفصالية الكوردية لـ “صالح مسلم”، والتي تحاول عرقلة تقدم الجيش الحر من خلال البقاء في المدينة، ومع أن ملامح فصول معركة “الباب” النهائية بدأت تترسم على أرض الواقع بإعادة تحريرها وضمها لمناطق الجيش الحر إلا أنها تعتبر أيضاً نقطة البداية ضمن خطة تحرير مدينة “الرقة” من سيطرة “داعش”.

عمليات تحرير مدينة “الباب” ترافقت مع جولة مفاوضات جديدة جنيف 4، والتي من المتوقع ألا تختلف تلك الجولة عن سابقاتها من الجولات، لكن المبدأ العام يقول: إن تغيرات مسرح الأعمال القتالية وتغير موازين القوى العسكرية لابد أن يفرض أجنداته وتبعاته كأوراق ضغط على طاولة المفاوضات وبالتالي فتحرير مدينة “الباب” من قبل فصائل الجيش الحر والعمليات اللاحقة قد تكون ذات أثر إيجابي يشكل نقطة تحول أمام الهزائم والانتكاسات السياسية والعسكرية التي لحقت بالثورة مؤخراً.

واللافت في الأمر أن نبرة الصوت التركية ارتفعت بعد وصول الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إلى البيت الأبيض وزادت تلك النبرة بعد الاتصال الهاتفي بينه وبين الرئيس “أردوغان” وزادت الطموحات وتوسعت خطة العمليات بعد زيارة رئيس الاستخبارات الأمريكية إلى “أنقرة”، تلك التغيرات إن تم توظيفها سياسياً والتعامل معها بحنكة من قبل قيادة الثورة فبالتأكيد ستصب في خانة القوى المؤثرة إيجاباً على الثورة السورية وبالتالي قد تشكل نقطة انعطاف بالتعامل الدولي مع قضية الشعب السوري الحر.

لكن يبقى السؤال الآن: ما هو مستقبل التفاهمات التركية – الروسية بما يخص الثورة السورية؟ وهل ستكون عودة التنسيق الأمريكي- التركي وعودة الحضن الأطلسي لأنقرة على حساب علاقتها بموسكو؟ أم أن كل ما يجري الآن تسير خطواته ضمن خطة التوافق المخفية ما بين “واشنطن” و”موسكو”؟

تعقيد المشهد السياسي سينعكس لا محالة تعقيداً في المشهد العسكري وستكون له تبعات على مستقبل كل العمليات العسكرية القادمة، لكن الواضح للعيان أن كل الأطراف سيكون لها دور في المعارك القادمة، حتى ميليشيات “قسد” وقوات النخبة لرئيس الائتلاف السابق أحمد الجربا سيكون لها دور ما، وفقط ميليشيات الأسد وحلفاؤه من كل الميليشيات شيعية ستكون خارج مضمار الملعب وتنتظر مصيرها بالرمي مع قادتها خارج الحدود.

شاهد أيضاً

لماذا سخر المغردون من احتفال نظام الأسد بيوم جلاء المستعمر الفرنسي؟

احتفل النظام السوري -أمس الأربعاء- بالذكرى رقم 78 لـ يوم الجلاء، والذي يوافق 17 أبريل/نيسان …

أي مستقبل لـ”تحرير الشام” والتيار الجهادي في سورية؟

مع أفول تنظيم داعش بسقوط آخر معاقله في بلدة الباغوز، شرقي سورية، في مارس/آذار 2019، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *