الرئيسية / سياسي / سياسة / روسيا تنعطف … أم لافروف يخادع؟
المعارضة السورية في استانا / أنترنت

روسيا تنعطف … أم لافروف يخادع؟

صدى الشام _ العميد أحمد رحال/

كل المعطيات والمؤشرات التي رافقت اجتماع الفصائل الثورية السورية في العاصمة “أنقرة” حملت معها انطباعاً وتحفيزاً تركياً أننا أمام انعطافة في الدبلوماسية الروسية، وإننا أمام تعاطٍ مختلف من قبل إدارة “بوتين” مع الملف السوري سوف تنعكس مجرياته وتتضح مفرداته خلال لقاء “أستانا”، وإن الشروط الثلاثة التي وضعها قادة الثوار في اجتماع “أنقرة” كشرط مبدئي وكدليل لحسن النوايا الروسية لا داعي لها لأن القادم سيكون أفضل، وقيل لهم أيضاً أن ما تطلبونه اليوم كشرط سيكون متاحاً لكم كمطلب وواقع يتحقق على طاولة المفاوضات.

إصرار قادة الفصائل الثورية الذين خبِروا سياسة وخبث روسيا وإيران ونظام الأسد جعلهم يصرّون على مطالبهم رغم كل الضغوطات التي مُورست عليهم وهذا ما استدعى رفع مستوى التدخل التركي، ليحضُر رئيس استخباراتها “هاكان فيدال” حاملاً تطمينات شفهية ورسالة من الرئيس التركي “طيب رجب أردوغان” ومعها انخفض الصوت المعارض، ولانت النفوس، ووثِقَ الجميع بالوعود التركية وبدؤوا بحزم حقائب السفر إلى كازاخستان.

 

 

ومع وجود دبلوماسي عتيق كالوزير “سيرغي لافروف” فعليك أن تكون على قناعة مطلقة أنك أمام شخصية سياسية تمتاز بالدهاء والمكر والخداع بعد عشرات السنوات قضاها في دهاليز السياسة وبين أروقة المحافل الدبلوماسية أعطته خبرة واسعة وقدرة على اختيار فن الكلمات المناسبة، وعلى مبدأ لكل مقام مقال فهو يتقن الاستماع كما يتقن الحديث ويعطيك من طرف اللسان حلاوة ليصل لمبتغاه ثم يناور كالفراشة ويلدغ كالنحلة.

على مدار سنوات الثورة حافظت روسيا على خطابها من أنها لا تدعم شخص “الأسد” بل تدعم استقرار الدولة السورية، وأن سياستها ليست ضد الشعب وأنها تسعى لوحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة عليها، لكنها على أرض الواقع عملت كل ما تستطيع لحماية شخص “بشار الأسد” ودعمته بكل الآلة العسكرية الممكنة وعندما فشلت ميليشيات حزب الله في تثبيت وحماية “قزم القرداحة” بشار الأسد ومن بعدها فشلت كل الميليشيات العراقية الشيعية والميليشيات الإيرانية تقدمت روسيا في الربع الأخير من عام 2015 لتزج بقواها العسكرية الجوية والأرضية لتثبيت نظام “الأسد” وهذا ما أعلنه الوزير لافروف منذ أسبوعين حيث قال: لولا تدخلنا العسكري لسقطت دمشق خلال أسبوعين.

 

لكن ولكي لا نوصف بالنظرة السوداوية علينا عدم إغفال بعض التغيرات بالسياسة الروسية التي برزت مؤخراً:

أولاً: شبه نقل للملف السوري من الخارجية الروسية ومن يد الوزير “لافروف” بالذات إلى يد القصر الرئاسي وللممثل الشخصي للرئيس الروسي “الكسندر لافرينتيف” الذي ترأس الوفد الروسي إلى اجتماع “أستانا” إضافة لوزارة الدفاع. وقد برزت بعض السمات الجديدة عكسَها لأول مرة تصريح المركز الروسي في قاعدة “حميميم” عندما أدان خروقات النظام لاتفاق وقف إطلاق النار المتزايد، وكان سبقها تصريح لافت لوزير الخارجية الروسي اعتبر فيه أن الجهود الإيرانية تعمل على تخريب التوافقات الدولية وعلى تخريب اجتماع “أستانا”.

ثانياً: ما قامت به الحامية الروسية في حلب والتي منعت الميليشيات الشيعية الإيرانية ومشتقاتها من الدخول لأحياء حلب الشرقية بعد تفريغها من سكانها، وطال المنع أيضاً دخول تلك الميليشيات لمطار حلب العسكري في “النيرب”.

ثالثاً: الأوامر التي صدرت من مركز “حميميم” إلى قصر “بشار الأسد” بوقف التعامل مع البطاقات الأمنية الخاصة التي يحملها قادة حزب الله وإيران بعد إثبات التحقيقات (التي أخفاها النظام) أن المقصود بعملية التفجير الأخيرة في جبلة (تاريخ 5-1-2017) كان اغتيال اللواء “زيد صالح” رئيس اللجنة الأمنية في حلب والمقرب جداً من القيادة الروسية هناك والذي عمل على تطبيق الأوامر الروسية بمنع ميليشيات إيران من دخول أحياء حلب الشرقية.

وكان اللواء “زيد” قد كشف لدوائر خاصة وللروس أن مقتل الجنود الروس الثلاثة الذين قٌتلوا في حلب الشرقية كان على يد ميليشيات “إيران” انتقاماً من الروس، بل أكثر من ذلك فقد أثبتت التحقيقات حول تفجيرات طرطوس وجبلة العام الماضي (23-5-2016) أن العربات المفخخة قد دخلت من معبر “العبودية” مع لبنان وعبر بطاقات أمنية خاصة لا يُفتش أصحابها.

 

 

تلك الوقائع دفعت بمتّخذ القرار الروسي “بوتين” إلى تجميد وفرملة اندفاع وزارة الخارجية الروسية التي عبثت إلى حد كبيرة بالملف السوري ووظفته لخدمة أفكار وهواجس الوزير “لافروف” الذي وكما يبدو يحمل حقداً شخصياً على الشعب السوري والتركي (أصول أرمنية) لكن هذا التغيير لا يمكن أن يوقف عبثيات “لافروف” الذي حاول عقد اجتماع لما يُسمى ظلماً “معارضة سورية” بتاريخ 27-1-2017 عبر منصات معظمها مُصنّع بأجهزة الاستخبارات السورية وسقف مطالبها يزيد عما يطلبه النظام.

لكن ورغم وجود القيادة الروسية الجديدة للملف السوري والممثلة بالمبعوث الشخصي للرئيس الروسي “الكسندر لافرينتيف” والذي ترأس وفد بلاده لاجتماع “أستانا” مع “بوغدانوف” نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلا أن الأداء الروسي لم يكن بأفضل حالاته، فالوعود التي تلقتها فصائل الثورة السورية والوفد العسكري لاجتماع “أستانا” لم تتحقق، وخروج البيان بلغة ضبابية باهتة عكس الضعف الروسي وعدم قدرتها على لجم الميليشيات الإيرانية، وزادت عليها بمحاولة فرض “إيران” كدولة ضامنة لنظام “الأسد” بينما الحقيقة على الأرض تقول إن “إيران” وميليشياتها هي من تقود وتقتل الشعب السوري، فكيف لقاتل أن يكون قاضٍ وحكماً وضامناً؟

من الواضح أن روسيا ما زالت تراهن على إضعاف فصائل الثورة وإمكانية سحقها وإنهاء الثورة السورية، لكن ما لا تعرفه قيادة روسيا أن هذه الثورة وبعد ست سنوات من عمرها قد أصبحت عصية على القتل، وأصبحت أكثر قدرة على التغير والتبدل والتحول، وأكثر إمكانية على التحكم بتكتيك عملها والقدرة على استنباط الطرق العملية للاستمرار والمتابعة، وما تجهله القيادة الروسية أن مبادئ وأهداف الثورة أصبحت أشد إلحاحاً وإصراراً في قلوب السوريين لأنها أصبحت أمانة في أعناقهم يحققون من خلالها وصية أكثر من 750 ألف شهيد سوري قتلتهم آلة الحرب الأسدية وأعوانها، يُضاف إليها عذابات وآلام أكثر من 12 مليون مهجر ونازح ولاجئ، ولا نغفل أكثر من نصف مليون معتقل ومغيّب في سجون نظام “الأسد”.

روسيا أمام مفترق طرق، فإما فراق مع إيران وتأكيد ما تكتبه صحافتها من عمق الفجوة الحاصلة بين سياسة روسيا وإيران في سورية وبالتالي اتخاذ خطوات ملموسة وحقيقية على الأرض تشجع المعسكر المعتدل لمد اليد والبدء بخطوات عملياتية تتمثل بطرد إيران من سورية والإطاحة بـ”بشار الأسد” والركون لترتيب البيت الداخلي السوري مع مراعاة المصالح الروسية التي لا يمكن تجاهلها، أو الاستمرار بسياسة “لافروف” المخادعة التي تعيدنا لخداع الدبلوماسية السوفييتية السابقة.

قد تهدأ الثورة؛ قد تضعف الثورة؛ قد تصاب ببعض الوهن. وقد تختل الموازين العسكرية لغير صالح الثوار.

قد تُجمد وتُفقر خطوط الإمداد؛ قد تفتر بعض الجبهات، لكن: الثورة مستمرة، والشعلة لن تنطفئ، والخزان البشري للثورة لم ولن ينضب، وأرحام النساء ما زالت تتوالد وليست بالعاقر. فهل يُقدر ذلك أصحاب القرار؟

عليهم أن يعلموا: أنها ثورة حتى النصر … وما ضاع حق وراءه مطالب.

شاهد أيضاً

الرئيس السوري أحمد الشرع: رفع العقوبات عن سوريا بداية لمرحلة جديدة من التعافي والبناء.

في كلمة مؤثرة ألقاها الرئيس السوري أحمد الشرع، استعرض تاريخ البلاد المأساوي تحت حكم النظام …

الشرع يشكر فرنسا و يؤكد : مستقبل سوريا سيصنع داخلها و ليس في العواصم البعيدة .

في زيارة رسمية إلى فرنسا، أطلق الرئيس السوري أحمد الشرع سلسلة من التصريحات اللافتة، تناول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *