الرئيسية / سياسي / سياسة / تحليلات / نحو استراتيجية فاعلة وشاملة (١)

نحو استراتيجية فاعلة وشاملة (١)

نبيل شبيب

أصبح
يتردد كثيرا أننا نحتاج إلى “استراتيجية فاعلة وشاملة” في مواجهة
استراتيجية معادية.. فكيف يتبين المقصود عموما دون الاستغراق في تعقيدات يتطلبها ميدان
تخصصي؟

“الاستراتيجية”
كلمة معربة استخدمت في الميدان العسكري وتجاوزته، وتشمل عناصر أساسية، منها:

“رؤية
شاملة” و”أهداف بعيدة ومرحلية” و”تقدير موضوعي للإمكانات
وتنميتها” و”مخطط تنفيذي مرن”.. وغير ذلك.

الثورات
الشعبية لم تمتلك “الاستراتيجيات” عند انطلاقها عفويا، ولا يلام صانعوها
على ذلك، ولكن تحركت في عالمنا الذي تحرك الاستراتيجيات أحداثه.

حديث
الأوساط الثورية عن الحاجة إلى استراتيجية يطرح هدفا، والبداية إلى تحقيقه هي استيعاب
الواقع “منهجيا” وليس بأطروحات تعميمية.

مثال
يطرح نفسه حول استيعاب الواقع “منهجيا”: أبعاد الاتفاق الإيراني-الدولي،
أو الإيراني-الأمريكي بشأن الطاقة النووية في إيران، وما هي آثاره إقليميا بمنظور
ثورات شعبية تغييرية لم تصل بعد إلى غاياتها؟

١-
قيل عن آثاره مثلا: تخفيف الضائقة المالية على إيران وتحرير إمكاناتها لمشروع الهيمنة..

هذا
“توقع تعميمي” يتطلب دراسة منهجية لعدد من المتعلقات، منها مثلا: حاجة
الساسة الإيرانيين إلى استخدام بعض تلك الإمكانات داخليا، كيلا يخاطروا بثورة
عارمة. وتحديد “نوعية” الاستنزاف الذي تواجهه تحركات الهيمنة الإيرانية،
إذ يشمل “الجانب العقدي الطائفي”، وهو ما لا ترمّمه نفقات مالية.

٢- قيل أيضا إن “الاتفاق
النووي” هو حجر الزاوية في محور أمريكي إيراني يجدد عهد إيران الشاه، على
حساب مصالح دول المنطقة، ولا يعرقل استكماله سوى “ضوابط” مطلوبة، بحيث
لا تشكل القوة الإيرانية الإقليمية خطرا محتملا-إذا تبدلت السلطة مثلا-على مشروع
الهيمنة الصهيوني.

هذا
تعميم.. ويحتاج في رؤية استراتيجية إلى مراعاة “المتغيرات” لتطويرالأهداف
المرحلية ومخططات العمل وتعديلها، ومن المستجدات: لا تتقبل الدول الرئيسية في
المنطقة الآن ما كانت تتقبله في عهد “الشاه.. شرطي الخليج”.

٣-
توجد عناصر “معقدة” أخرى تتطلب التعمق منهجيا، منها:

نوعية
غزو الهيمنة الإيراني لبعض البلدان كسورية واليمن، فهو “ديمغرافي وعقاري
وفكري”، وليس “عسكريا وسياسيا” فقط..

تأثير
المشروع الأمريكي بمشاركة فريق من الأكراد لترسيخ كيان.. أو قوة.. أو دولة. وهو ما
يجري الآن على الحدود السورية-التركية وبدأ أمس على الحدود العراقية-التركية. فهل
سيتمدد غدا إلى مواطن الأكراد في شمال غرب إيران؟

المقصود
من مثال متابعة “الاتفاق النووي وأبعاده” بيان ما يعنيه استيعاب الواقع
ويفرضه من عمل، كشرط لصياغة رؤية استراتيجية شاملة وفاعلة، والأهم من ذلك:

العمل المفروض
“تخصصي” وكبير.. ولكن لا يجدي دون “تبنيه” ثوريا، أي من خلال تجاوز
مفعول “تفرقنا” بين يدي الثورات والتضحيات والمعاناة الشعبية.

عند
الخروج من “المثال” إلى نظرة شاملة للمجالات الميدانية العسكرية
والسياسية والاقتصادية، وحتى الثقافية والفكرية والعقدية، نجد محاور كبرى أساسية.
ونشير هنا إلى اثنين كمثال عليها:

المحور الأول:

غالب
ما نتوقعه مستقبلا “يلوح” مبهما وراء ضبابية
“حالة فوضوية” مهيمنة على الخارطة الإقليمية.

بعض
“الغموض” من صنع نظرتنا “التجزيئية” إلى كل “قضية”
بمعزل عن سواها، كقضايا “داعش والقاعدة”، و”إيران والهيمنة”، و”الانقلابات
وتهافتها الدموي”، وزراعة “منظومة صراع طائفي مرير ومديد”.

أما
بمنظور صانع القرار الغربي، وعلى التخصيص الأمريكي، فما يجري وما يراد استمراره متطابق
مع “مصطلح” الفوضى الخلاقة -أي الهدامة- وقد نشأ في “عهد المحافظين
الجدد”، وما يزال ساري المفعول. فالسياسات الأمريكية “مؤسساتية”
لها صفة الاستمرارية، وإن تبدلت طواقم الممارسة التنفيذية. وبتعبير آخر:

الفوضى في
استشرافنا لمستقبلنا إقليميا هي هدف استراتيجي بمنظور أمريكي. ولا ينفي ذلك وجود
من يثيرها محليا أيضا.. فيجد الدعم الأمريكي
.

المحور الثاني:

الاستراتيجيات
تتجدد بين “حقبة تاريخية وأخرى”.. ونشهد منذ نهاية الحرب الباردة تحركا استراتيجيا
أمريكيا طرحته “نظرية هيننجتون”: صراع الحضارات. وبلوره شعار ورد على
لسان “تشيني”: “الإسلام عدو بديل”. وتترجمه أعمال على أرض
الواقع، مدارها الرئيسي في هذه الحقبة التاريخية:

“الرد
الاستراتيجي” الأمريكي (منه: الفوضى الهدامة) على تحرك “الإرادة
الشعبية” في اتجاه تغييري، أي في اتجاه ينهي التبعية للهيمنة الأمريكية القائمة
منذ انتقال إرث “سايكس بيكو” إلى واشنطون، وشمل تحرك الإرادة الشعبية في
منطقتنا: “الانتفاضات الفلسطينية” و”المتغيرات الداخلية
التركية” و”ثورات الربيع العربي”.

كل
حدث مثل “الاتفاق النووي” أو “داعش” أو “مشروع
كردي” أو “انقلاب عسكري”.. هو جزء من تحرك استراتيجي مضاد واسع
النطاق.. ولكن:

هذه
“استراتيجية دفاعية” عن الهيمنة، تستخدم وسائل “هجومية” في
مرحلة نفاذ مفعولها. وهي وسائل موروثة من القرن الميلادي العشرين، وحققت أغراضها لحقبة
من الزمن.

بتعبير
آخر:
نحن نواجه “عدوا يتقهقر”
وليس “عدوا لا يقهر”.. ولا ينفي ذلك حاجتنا إلى رؤية استراتيجية حديثة ذاتية،
قادرة على دفع عجلة التغيير قدما
.

ما
المطلوب عمليا للتخلص من نقاط ضعفنا الجوهرية؟.. محاولة الإجابة تتطلب حديثا آخر، من
عناصره:


مقدمة العمل: تغييب مفعول “تفرقنا”.. المتواصل رغم يقيننا بمصير مشترك..


قالب العمل: هيكلية “التلاقي الثوري السياسي” الحاضن لعمل تخصصي..

شاهد أيضاً

“قسد” تواصل الانتهاكات في مناطق سيطرتها شمال شرقي سورية

اعتقلت “قوات سورية الديمقراطية” “قسد” أمس ثلاثة أشخاص بينهم أحد شيوخ قبيلة العقيدات في الرقة …

سجال أميركي روسي في مجلس الأمن بشأن دورهما بسوريا والأمم المتحدة تطالب بإجلاء الأطفال المحاصرين في سجن الحسكة

تبادلت روسيا والولايات المتحدة الاتهامات -خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي- بشأن أحداث مدينة الحسكة شمال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *