الرئيسية / سياسي / سياسة / تحليلات / الميليشيات المحلية ومستقبل سوريا

الميليشيات المحلية ومستقبل سوريا

عمّار الأحمد
بدأ السوريون بثورة شعبية عارمة كحال مصر وتونس واليمن، وانتهوا إلى ديكتاتوريات وحروب جهادية وأهلية، وتحكُّم الإسلام السياسي ببعض الدول؛ كل هذا عُمل له، كي يكون كذلك، فهو نتاج التدخل والدعم الإقليمي والعالمي؛ الثورات لم تفرز من يمثلها، ومن عبّر عنها في البداية لم يتنبه إلى معنى الثورة وخطورته؛ أي كتغيير كامل للمجتمع. هذا ما عرفته الدول الإقليمية والعالمية والأنظمة التي أوصلت الشعب إلى الثورة.
في اليمن وليبيا، هناك فشل للدولة وللقوى السياسية، وتتحكم المليشيات العسكرية بها تحكماً فوضوياً ولكنه تابع بدوره لمصالح الداعمين الماليين في الخارج، وهناك عدمية جهادية لا تعرف الوطن ولا المواطن ولا الثورة ولا الحياة. يتحكم بها أفراد ذوو كاريزما ممن يأتمرون لأوامر الجهات الداعمة، وبواسطة الدين تتم عملية السيطرة الشاملة على الأفراد المنضوين فيها؛ هذه الميليشيات تُترك عالمياً وإقليمياً لفرض السيطرة على دولنا الفاشلة والوصول إلى حصة في السلطة أو أخذها كاملة. 
في سوريا، أقام النظام مليشياته (شبيحته، لجانه الشعبية، جيش الدفاع المدني، ومؤخراً يُحكى عن جيش موازٍ تنشئه إيران)، وفي المناطق الخارجة عن سيطرته، وبعد أن صفيت كثير من الفصائل العسكرية المحلية، وشكلت فصائل جهادية وتابعة لدول إقليمية ودولية وللإخوان المسلمين، فإن هذه المليشيات لا ضابط لها إلا الداعمين، ولا يمكن للداعمين أن يوقفوا الحروب والتسليح ما لم ينالوا حصتهم من السلطة القادمة. هنا تكمن الكارثة، فلا مشروع وطني، ولا أهداف محددة ثورية يتم العمل لها، وبالتالي السؤال: لماذا تحارب كثير من المليشيات وإلام يهدفون؟ 
بكل بساطة ووضوح، هم يعملون الآن في إطار صراع إقليمي وعالمي على سوريا، وعلى مستقبلها، وهذا سيبقى قائماً إلى أن تتوفر شروط الانتقال إلى السلطة الجديدة، وحينها تفرض كل دولة شروطها (لبنان، العراق أمثلة دقيقة) إذا صار فلا بد للسوريين من التنبه لخطورة ما يحدث في بلادهم؛ فإن مارست المعارضة غباءً نادراً، ولم تقرأ تجربة العراق ولا ليبيا، في تتبيع الثورة وفصائلها للخارج، ولاحقاً تهمشت ولا أقول انتهت الفصائل المحلية (الوطنية) وتشكلت فصائل لديها علاقات مباشرة مع الخارج، فإن الصراع الجاري والعدمي في أغلب أحداثه يفترض إعادة التفكير، وبناء رؤية وطنية وبرنامج وطني لمصلحة كلّ السوريين. 
الدمار والدماء والمعتقلون والمحاصرون، وسوى ذلك، سيتزايد باستمرار؛ فاللعبة بوجهها المهيمن أصبحت إقليمية ودولية، وبالتالي لا بد من إعادة الاعتبار لكل ما هو وطني ليتم الدفع باتجاه جديد للثورة؛ فإن كان التدخل للقضاء على الثورة وخشية الانتقال إلى دول أخرى، وسهلت المعارضة ذلك، واندفعت كثير من القوى الثورية والناشطين نحو ذلك من قبل، فالأوضاع الحالية تقتضي إنهاء كل ذلك والعودة إلى ما ذكرناه أي العودة للمشروع السوري للثورة.
المشاورات التي تحدث هناك وهنالك، من زيارة معاذ الخطيب إلى روسيا وما قد يظهر لاحقاً عنها، ومهمة “ديمستورا” البائسة والفاشلة رغم أنها تتطابق مع ما يقوم النظام، ومع رغبة  الناس للخلاص من الحرب والكوارث، وحتى قوات التحالف التي تبدو وكأنها تغطي على داعش ولا تحاربها، وسوى ذلك؛ نقول إن كل هذه الأحداث، أدّت واقعياً على تقوية الجهادية -داعش والنصرة بشكل خاص-، والآن جيش إيران في سوريا، وهناك كلام عن جيوش صغيرة كما حال جيش سهيل حسن “النمر”، وهذا يعني أن سوريا تدفع نحو المناطقية والمليشيات المحلية وربما الطائفية والتي لا علاقة لها بمناطق أخرى، ولكونها مدعومة إقليمياً ودولياً، فإن الواقع يشي بعصر المليشيات المحلية والإمارات المتنوعة والمتكاثرة، وبذلك تصبح سوريا دولة فاشلة، ويجب الانتداب الدائم عليها!. دولة مقسمة مناطقياً وعبر المدن، وقومياً كذلك، وإن بقيت ضمن الدولة الواحدة؛ هذا الاحتمال يشكل خطراً كبيراً، السوريون لم يعيشوه من قبل، ورفضوا المناطقية، وحاولوا بناء هوية وطنية عابرة للمدن والدين والقومية؛ وهذا ما يفترض العمل عليه.
ولكن كيف يمكننا إيقاف الميل التفتيتي لسوريا والذي تدعم فرصه من جهة النظام والمعارضة؟!
القوى الوطنية، والفصائل المحلية والرافضة للمحلية والقوى السياسية والمثقفين وكافة الفئات الواعية لهذا الخطر، يقع عليها رفضه كلية؛ رفض الطائفية بالكامل والبحث عن مشتركات بين المدن والمناطق وإبعاد كل موقف طائفي لمشكلات سوريا. أصل الوضع ثورة ضد نظام؛ وتستهدف الحياة الأفضل في كل مناحي الحياة. ووجود ممارسات طائفية، كان يجب ألا يتم التساهل معها ورفضها كلية؛ وإذ دفع النظام بها إلى الحدود القصوى عبر المجازر الطائفية والممارسات العنيفة في السجون وسواها، فإن التساهل في رد الفعل الطائفي أوصل سوريا إلى تمكين الجهادية؛ فها هي جبهة النصرة والتي دافع عنها المجلس الوطني والكثير من شخصيات المعارضة، تشكل إمارتها في إدلب، وتقوى أكثر فأكثر على حساب بقية فصائل الجيش الحر في القلمون والقنيطرة ودرعا وريف حماه، وهي لا تعترف بالثورة وتسابق داعش على قتل الثوار، وبالتالي هذا الغباء السياسي مع الجهادية يجب أن ينتهي.
الثورة بالكاد نلاحظ ظواهرها، وفصائل الجيش الحر بالكاد تحافظ على نفسها، وحركة ثوار سوريا وحركة حزم اللتين اندحرتا من إدلب هي قوى تابعة للأمريكان مباشرة. إذاً: رؤية الواقع كاملاً تقتضي الخلاص من الأوهام والغباء، وتحديده موضوعياً وكما هو، وبناء مواقف سياسية جديدة.
الثورة تعقدت مشكلاتها، وأصبحت محكومة للخارج، ووجود فئات وطنية ومستقلة فيها، هو ما يعول عليه مجدداً؛ هذه الفئات يفترض أن تتبنى رؤية تقول إن الثورة لصالح كل السوريين، ورفض كل ميل طائفي كما ذكرنا، وتحليل النظام كبنية اقتصادية للنهب وسياسية للقمع وإيديولوجيا للكذب باسم الممانعة والمقاومة والعلمانية، والممارسات التي يقودها، ويتقصد أن تكون طائفية، هي كذلك، ولكنها من أجل جر كل الثورة إلى حرب طائفية أوسع، تسمح لأركانه العودة من جديد في المستقبل وعلى قاعدة التمثيل الطائفي! 
ويفترض بالثوار الكلام عن ضمان الحق بالعمل وتطوير البنية الإنتاجية الوطنية؛ هذه الطريقة بالتفكير وزاوية النظر الجديدة، وبظل كل هذه المشاورات والصراع العدمي للجهادية واعتماد النظام على إيران بشكل كبير، هي ما يساهم في إيقاف التفتت المجتمعي، والسياسي، وكل أشكال التدخل الخارجي. 
الآن الخارج لن يترك سوريا، وسيبقى يقاتل من أجل حصص في السلطة القادمة، من إيران إلى السعودية وتركيا وقطر وأمريكا وفرنسا وغيرها، وأدواته الجهادية وسواها وميليشيات النظام والطائفية المستقدمة من الخارج، مقابل ذلك يجب الاعتماد مجدداً على الفئات الوطنية. 
هذا هو الخيار المتاح من أجل سوريا للسوريين، وبما ينسجم مع أهداف الثورة في المساواة والحرية والحياة الأفضل.

شاهد أيضاً

“قسد” تواصل الانتهاكات في مناطق سيطرتها شمال شرقي سورية

اعتقلت “قوات سورية الديمقراطية” “قسد” أمس ثلاثة أشخاص بينهم أحد شيوخ قبيلة العقيدات في الرقة …

سجال أميركي روسي في مجلس الأمن بشأن دورهما بسوريا والأمم المتحدة تطالب بإجلاء الأطفال المحاصرين في سجن الحسكة

تبادلت روسيا والولايات المتحدة الاتهامات -خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي- بشأن أحداث مدينة الحسكة شمال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *