الرئيسية / سياسي / سياسة / تحليلات / لا يمحو آثارها غير المصالحة وجبر حقوق المتضررين قوانين ومراسيم تعسفية منافية لروح الدستور والعهود والمواثيق الدولية بحق أكراد سوريا

لا يمحو آثارها غير المصالحة وجبر حقوق المتضررين قوانين ومراسيم تعسفية منافية لروح الدستور والعهود والمواثيق الدولية بحق أكراد سوريا

ولات احمه
عانى الكرد في سوريا من مختلف صنوف الاضطهاد والقمع، وفق سبلٍ وطرق ممنهجة من السلطات السورية، عبر جملةٍ من القوانين والمراسيم المنافية لروح الدستور والعهود والمواثيق الدولية، لتتناول تلك الإجراءات الصادرة الشعب الكردي على وجه الخصوص دون غيرهم من الطيف السوري، متزامناً مع آلة الاعتقال والقتل العمد، لتكون صوراً جليةً لدفع الكردي نحو دول الشتات باحثاً عن الأمن والانتماء.
إحصاء استثنائي يشمل 150 ألف كردي
تُعرف الجنسية في القانون الدولي الخاص، بأنها تلك الرابطة القانونية والسياسية القائمة بين الفرد والدولة، بحيث يصبح بموجبها أحد سكانها، لم يشفع هذا التعريف لمجموعةٍ من المواطنين الكرد في سوريا، الذين نُزعت عنهم الجنسية السورية التي كانوا يتمتعون بها منذ أمدٍ بعيد، على خلفية الإحصاء الاستثنائي الذي أجري في محافظة الحسكة في 5 تشرين الأول/أكتوبر 1962، بموجب المرسوم التشريعي رقم /93/ تاريخ 23 آب- أغسطس /1962.
 الإحصاء الذي شمل آنذاك 150 ألف كردي، صنّفهم تحت مسمى “الأجنبي”، وقيدوا بهذه الصفة في السّجلات المدنية في المحافظة، والبعض الآخر لم يرد لهم أسماء في سجلات الإحصاء، وتمت تسميتهم “مكتومي القيد”، نُفِّذ الإحصاء بشكلٍ عشوائي دون أي وجه حق، تحت ذريعة “لا بد من تنقية سجلات الأحوال المدنية من جميع الأشخاص غير السوريين الدخلاء” وفقاً لأسباب المرسوم التشريعي، الذي يتنافى مع الفقرة الأولى من المادة الخامسة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، التي لا تجيز حرمان شخصٍ من جنسيته تعسفاً أو إنكار حقه في تغييرها.
 ونتيجةً لهذا الإحصاء الذي جرّد عشرات الآلاف من جنسيتهم، انقسم المواطنون الكرد إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى: مواطنون كرد متمتعون بالجنسية السورية.
الفئة الثانية: مواطنون كرد جُرِّدوا من الجنسية، وسجلوا في السجلات الرسمية على أنهم “أجانب”، ويتم منحهم بطاقة تعريف حمراء، ولا تجيز لهم هذه البطاقة إمكانية الحصول على جواز سفر، أو المغادرة خارج البلاد، أو النوم في الفنادق.
الفئة الثالثة: مواطنون كرد جُرّدوا من الجنسية، ولم يتم قيدهم في السجلات الرسمية نهائياً، وأطلق عليهم “مكتوم”، لا يملكون أية وثائق رسمية باستثناء شهادة التعريف من المختار، أو سند الإقامة، وبذلك لا يتمتعون بأي حقٍ من حقوق المواطن. ويأتي مسمى “المكتوم” وفق ولدٍ لأبٍ “أجنبي” وأمٍ مواطنة، ولد لأبٍ “أجنبي” وأمٍ “مكتومة”.، ولد لأبوين “مكتومين”.
 المثير للدهشة في الإحصاء الاستثنائي التعسفي، الذي جرى لمدة يومٍ واحد، بأنه شمل البعض دون آخرين من العائلة الواحدة، فأصبح الأب أجنبياً، وبقي الابن مواطناً، وكذلك شمل الإحصاء أشخاصاً من ذوي المناصب الرفيعة في الدولة، مثل رئيس أركان الجيش السوري في الخمسينيات اللواء “توفيق نظام الدين”، و”عبدالباقي نظام الدين” عضو البرلمان السوري، و”خليل معمو إبراهيم باشا” عضو البرلمان السوري.
 كان للإحصاء الاستثنائي 1962، الأثر البالغ على شريحةٍ واسعة من المجتمع، من انتزاع الجنسية التي أصبحت بمثابة الحاجز والعبء أمام أي تحركٍ ضمن سوريا، ومنعه من العمل في الدوائر الحكومية، إلى جانب عدم تمتّع تلك الشريحة بحق الانتخاب، والالتحاق بالخدمة الإلزامية، بالإضافة إلى حرمانهم من حق تملّك الأراضي والعقارات، وعدم الاستفادة من الضمان الصحي والبطاقة التموينية، والاستشفاء في المشافي والنقاط الطبية، وصولاً إلى سلك التعليم، حيث لا يحق لمكتومي القيد الحصول على وثائق الشهادة الإعدادية والثانوية، وكانت هذه الأسباب كفيلةً بفتح باب الهجرة أمام الآلاف من المواطنين الكرد نحو دول الشتات، بحثاً عن أبسط القيم الإنسانية، والتمتع بالجنسية التي سُلبت منهم في وطنهم بين ليلةٍ وضحاها.
الحزام العربي
أصدر رئيس الشعبة السياسية بمحافظة الحسكة الملازم أول محمد طلب هلال “وزير الزراعة 1970، وزير الصناعة 1971، سفير سوريا في بولونيا 1972- 1979” دراسةً عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 1963، وتأتي الدراسة من 156 صفحة من الحجم الصغير، قدّم من خلالها عدة توصياتٍ تهدف إلى تذويب وصهر الكرد في بوتقة القومية العربية، ودفعهم نحو الهجرة الداخلية والخارجية، وذلك وفق العديد من السياسات الممنهجة ترمي “إلى إسكان عناصر عربية وقومية في المناطق الكردية على الحدود، فهم حصن المستقبل، ورقابة بالوقت نفسه على الأكراد، ريثما يتم تهجيرهم، ونقترح أن تكونَ هذه من “شَمّر” لأنهم أولاً من أفقر القبائل في الأرض، وثانياً هم مضمونون قومياً مئة بالمئة. جعل الشريط الشمالي للجزيرة منطقةً عسكريةً كمنطقة الجبهة، بحيث توضع فيها قطعات عسكرية مهمتها إسكان العرب، وإجلاء الأكراد، وفق ما ترسم الدولة من خطة. إنشاء مزارع جماعية للعرب الذين تسكنهم الدولة في الشريط الشمالي، على أن تكون هذه المزارع مدربةً ومسلحةً عسكرياً كـ”المستعمرات اليهودية على الحدود تماماً”.
 ولعل أكثر مقترحات هلال عنصريةً هو الحزام العربي، وهو مشروعٌ أقرّته الحكومةُ السوريةُ في عام 1965، يهدف إلى تفريغ منطقة الجزيرة “محافظة الحسكة”، من سكانها الكرد وتوطين أسرٍ عربيةٍ عوضاً عنهم، يمتد الحزام العربي من الحدود العراقية شرقاً وصولاً إلى مدينة سرى كانيه/ رأس العين غرباً، بطول 350 كيلو متراً، وعرض 10-15كيلومتراً، وفقاً للقرار (521) الصادر عن المؤتمر القطري الخامس الاستثنائي لحزب البعث العربي الاشتراكي السوري، الذي تم بموجبه توزيع آلاف الهكتارات من أراضي الجزيرة الخصبة المستولى عليها من الكورد، وفق قانون الإصلاح الزراعي لعام 1958 على عوائل عربية، جُلبت من محافظة الرقة وحلب، عبر ذريعة غمر أراضيهم بمياه نهر الفرات.
جاء المؤتمر القطري الثالث لحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا المنعقد في أيلول/ سبتمبر عام 1966م، ليؤكد في الفقرة الخامسة من توصياته بخصوص محافظة الحسكة على “إعادة النظر بملكية الأراضي الواقعة على الحدود السورية–التركية وعلى امتداد 350 كم وبعمق 10–15 كم، واعتبارها ملكاً للدولة، وتطبق فيها أنظمة الاستثمار الملائمة بما يحقق أمن الدولة”.
انتهزت السلطات السورية فرصة بناء سد الفرات في محافظة الرقة، لتوطين أكثر من أربعة آلاف عائلةٍ عربية “25000ألف نسمة” غمرت أراضيهم مياه سد الفرات، ليتم تنفيذ الحزام العربي لعزل الكرد السوريين عن إخوتهم في تركيا والعراق، عبر بناء حزامٍ بشري، في محاولةٍ لإنهاء التواصل، إلى جانب حرمان الكرد من مصادر رزقهم، لتشكيل آلةٍ من الضغط تدفعهم نحو الهجرة القسرية بعيداً عن أماكنهم، والعمل على إجراء تغييرٍ ديموغرافي في المناطق الكردية.
بدأ تنفيذ المشروع في 24 حزيران/ يونيو 1974، حيث وصل عدد “المستوطنات” التي تم إعدادها إلى 39 “مستوطنةٍ” نموذجية، مدججةٍ بالسِّلاح، ومزوّدةٍ بالماء والمدارس والكهرباء وكل المستلزمات الخدمية، منها 12 في منطقة ديريك/المالكية – 12 في منطقة قامشلو/القامشلي – 15 في منطقة سرى كانيه/رأس العين، وبلغت المساحات المسلمة لهم حوالي 800000 ألف دونم، استفادت منها حوالي 4500 عائلة عربية، بينما بلغ عدد القرى الكردية التي شملها الحزام 335 قرية من أقصى شمال شرق محافظة الحسكة إلى قرب محافظة الرقة غرباً، لتحصل كل عائلةٍ على مساحةٍ تقدر من 150 إلى 300 دونم من أخصب الأراضي الزراعية العائدة للفلاحين الكرد. لقيت فكرة نزع الأراضي من الكرد مقاومةً كبيرةً من قبل أصحاب الأراضي، لكن لجوء السلطات آنذاك إلى استخدام مختلف أشكال القمع والترهيب والاضطهاد حال دون استمرار تلك المقاومة.
المرسوم 49 لعام 2008
 المرسوم 49 لعام 2008 الخاص ببيع الأراضي والعقارات، يعتبر من أسوأ المراسيم على الإطلاق تجاه الكرد في عموم محافظة الحسكة، حيث يشرعن إخضاع تملّك الأراضي والعقارات إلى جملةٍ من الموافقات الأمنية والوزارية. المرسوم التشريعي رقم 49 لعام 2008، الصادر بتاريخ 10 أيلول/سبتمبر 2008 المشدد لبعض المواد من القانون رقم /41/الصادر بتاريخ 26 تشرين الأول/أكتوبر 2004، ينص “لا يجوز إنشاء أو نقل أو تعديل أو اكتساب أي حق عيني عقاري على عقار كائن في منطقة حدودية، أو إشغاله عن طريق الاستئجار أو الاستثمار، أو بأية طريقةٍ كانت لمدة تزيد على ثلاث سنوات لاسم أو لمنفعة شخص طبيعي أو اعتباري، إلا بترخيص مسبق، سواء كان العقار مبنياً أم غير مبني واقعاً ضمن المخططات التنظيمية أم خارجها”.
وبسبب الخصوصية السكانية في محافظة الحسكة ذات الغالبية الكردية المتاخمة للحدود التركية، تم اعتبار محافظة الحسكة بالكامل منطقةً حدودية بخلاف المحافظات الأخرى، بالرغم أن مساحتها تبلغ قرابة 23500 كم2، وأطرافها تبعد عن الحدود الدولية لدول الجوار مسافة ما بين 200/250 كم تقريباً، وفقاً للمرسوم التشريعي رقم 136 الصادر بتاريخ 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 1964، حيث لا يمكن ”إنشاء أو نقل أو تعديل أي حق من الحقوق العينية على الأراضي الكائنة في مناطق الحدود وكذا استئجارها، وتأسيس شركاتٍ أو عقد مقاولاتٍ لاستثمارها زراعياً لمدةٍ تزيد على ثلاث سنوات، وكذلك جميع عقود الشركات أو عقود الاستثمار الزراعي التي تتطلب استحضار مزارعين أو عمال أو خبراء من الأقضية، أو من البلاد الأجنبية، إلا برخصةٍ مسبقة تصدر بقرارٍ عن وزير الداخلية، بناءً على اقتراح وزير الزراعة والإصلاح الزراعي بعد موافقة وزير الدفاع “.
وبذلك يكون مجمل أهالي محافظة الحسكة قد تضرروا من تبعيات المرسوم الذي تم بموجبه حظر بيع أو شراء، أو رهن أو تملك العقارات في المناطق الحدودية من البلاد، مما تسبب في إحداث شللٍ اقتصادي كبير في تلك المناطق، وخاصةً في محافظة الحسكة التي تعتبر بموجب هذا المرسوم منطقة حدودية بكامل حدودها الإدارية، وهكذا يهدف المشروع إلى إخلاء المنطقة من قاطنيها، ودفعهم نحو الهجرة الداخلية والخارجية، بعد تضرر شريحةٍ كبيرة من مواطني المحافظة، من عمال البناء والمهندسين والمحامين وأصحاب العقارات.
خلاصة
لم تتوقف معاناة الكردي أمام هذه المراسيم والإجراءات فحسب، فقد موُرست بحقه من السلطات السورية العديد من السياسات الإقصائية الممنهجة، إلى جانب استخدام القوة المفرطة في أكثر من موضع، جراء نضالٍ تراكمي من الشعب الكردي في سوريا في سبيل حريته وحرية كل السوريين، فقدم آلاف الضحايا والمعتقلين منذ حريق سينما عامودا 13 تشرين الثاني1960، وأول تظاهرةٍ أمام القصر الجمهوري 21 آذار 1986، وصولاً إلى حريق سجن الحسكة المركزي 24 آذار 1993، وانتفاضة 12 آذار 2004، ومقتل الشيخ محمد الخزنوي 2005، ومجزرة ليلة نوروز في قامشلو 2008، ومجزرة نوروز الرقة 2010.
في مرحلة التحول الديمقراطي التي تمرُّ بها سوريا على خلفية أحداث الثورة السورية آذار/ مارس 2011، بات من الضروري على كلِّ الأطر الاجتماعية والمدنية والسياسية في المعارضة السورية على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم، التحكم إلى لغة المنطق والحوار والإنصاف، والوقوف بكل جديةٍ أمام ما تعرّض له الشعب الكردي في سوريا، والعمل على إزالة كل التراكمات التي خلفتها السياسات المتبعة من السلطات السورية القائمة آنذاك، إلى جانب جبر الضرر للمواطنين الذين تعرضوا بشكلٍ مباشر لآثار تلك المراسيم والقوانين، عبر مصالحةٍ وطنيةٍ جامعة، تعزز العيش المشترك بين كلّ المُكوِّن السوري، السَّاعي لبناء سوريا لكلِّ السوريين، سوريا دولة القانون يتساوى فيها المواطنون بالواجبات والحقوق.

شاهد أيضاً

“قسد” تواصل الانتهاكات في مناطق سيطرتها شمال شرقي سورية

اعتقلت “قوات سورية الديمقراطية” “قسد” أمس ثلاثة أشخاص بينهم أحد شيوخ قبيلة العقيدات في الرقة …

سجال أميركي روسي في مجلس الأمن بشأن دورهما بسوريا والأمم المتحدة تطالب بإجلاء الأطفال المحاصرين في سجن الحسكة

تبادلت روسيا والولايات المتحدة الاتهامات -خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي- بشأن أحداث مدينة الحسكة شمال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *