أحمد العربي
يتساءل د. أديب ميالة وبعض
المحللين الموالين للنظام السوري عن سبب الارتفاع الحالي الذي يشهده الدولار مقابل
الليرة السورية، ثم يجيبون أنفسهم، متذرعين كعادتهم بالمضاربين وتجار السوق
الموازية “المتآمرين، متناسين الظرف السياسي والأمني الذي تمرُّ به البلاد.
للوهلة الأولى يبدو هذا السؤال وحسب مستواهم
العقلي منطقياً، فلماذا يرتفع الدولار في وقت لم يحدث فيه أي طارئ جديد على الوضع
السوري سياسياً أو عسكرياً؟ على العكس، فطيران التحالف يصب في مصلحة النظام،
والمعارضة المعتدلة تتلقى الخسارة تلو الأخرى أمام المتشددين، وديمستورا يقدم
مبادرات حل سياسي للنظام،وكل تلك مؤشرات لطالما عودنا النظام على استغلالها
للإيحاء بسيطرته على الاقتصاد من خلال تدخُّل المركزي في سوق الصرف ودعم الليرة.
ولفهم سبب الارتفاع علينا
ملاحظة كيف تم، فهذا التصاعد الذي بدأ بوتيرة منتظمة على مدى عشرة أيام تقريباً بمقدار
ليرة أو اثنتين يومياً من سعر 186 ليصل إلى أكثر من 200 ليرة، يدل على براءة
المضاربين إن وجدوا في سوريا أصلاً من التهم التي نسبها لهم المركزي.
فعادة المضاربين في كل دول العالم هي استغلال أية
هزة سياسية أو أمنية، تحدث في دولة ما لتحقيق أرباح سريعة بالدخول والخروج من
السوق، وهذا اختبرناه في سوريا، ففي 2013 استغل المضاربون إشاعة الضربة الأمريكية
المحتملة لرفع سعر الدولار بمعدلات كبيرة جداً وصلت لحد 25 ليرة زيادة لكل دولار
يومياً. أما هذا الإرتفاع اليوم فيحمل بصمات الحكومة السورية نفسها، فتلك القفزات
الطفيفة عودنا عليها ميالة منذ أشهر، بحيث يفتح هامشاً بسيطاً للارتفاع، ثم يقوم
بالتدخُّل لتثبيت السعر عن الحدود المرغوبة بالنسبة له وليس لتخفيض السعر، واليوم
يتابع نهجه لتثبيت السعر عند حدود 200 ليرة للدولار الواحدوهو أسلوب ذكي على المدى
القصير جداً.
فتلك الارتفاعات الطفيفة لا تسبب زيادات كبيرة
في أسعار المواد الإستهلاكية، وتحدث حالة من الشلل في سوق الصرف الموازي (السوداء)
ناتجة عن الترقّب وعدم اليقين، هل سيتدخل المركزي أما لا؟،إضافة إلى أن هذا
الأسلوب يعطي غطاء للنظام أمام مؤيديه يخفي من خلاله عجزه عن ضبط سعر الصرف بحجة
المؤامرة والمضاربين “المتآمرين”.
أما على المستوى العالمي
فيساهم في هذا الارتفاع ما يدور اليوم من حرب باردة جديدة، تستخدم فيها أمريكا
والخليج النفط سلاحاً ضد روسيا وإيران الداعمين الأساسيين للنظام، وشريانه الاقتصادي.
فاليوم ومع انخفاض سعر برميل النفط إلى ما دون
80 دولاراً، مُنِي الروبل بخسائر كبيرة وصلت في البداية إلى 4% فتدخل المركزي
الروسي لإنقاذه ومع استمرار الانخفاض، قرّر تعويم الروبل للحفاظ على الاحتياطيات
من العملات والذهب من التآكل، فانخفاض سعر برميل النفط دولاراً واحداً يكلف روسيا
سنوياً 3.65 مليار دولار،كما أن إيران التي تمتلك ربع احتياطي النفط العالمي،
والتي أعدت ميزانية العام القادم على أساس سعر 100دولار للبرميل، مما يعني أنها ستشهد
عجزاً بالميزانية يصل إلى 20% قابل للزيادة مع انخفاض أسعار
النفط، حيث أعلنت عن خطة تقشفية للعام القادم.
لابدّ لحرب أسعار النفط أن
تطال الحليف السوري بعد أن تأثر الروسي والإيراني، فلم يعد هناك إمكانية لإمداد
النظام بالكميات الكافية من القطع الأجنبي لتثبيت سعر الصرف، خاصة وأن الروبل
الروسي انخفض بمعدل 12% أمام الليرة السورية فإن كان الروس غير قادرين على دعم
روبلهم، فهل سيدعمون ليرتنا؟