عدنان علي/
دخل تصعيد النظام وروسيا تجاه إدلب والشمال السوري، مرحلة من التراجع والتهدئة بعد ممانعة تركيا الشديدة لمثل هذه الخطوة بعد أسابيع من الحشد العسكري والتهديدات التي انطلقت على لسان الثلاثي روسيا وإيران ونظام الأسد، على أمل احتواء الموقف التركي، أو ربما دفع تركيا بطريقة ما لمساعدة هذا الحلف في السيطرة على إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية بأقل التكاليف، من خلال “تكليف” أنقرة بالتعامل مع قضية “التنظيمات المتشددة” في إدلب بالقوة العسكرية بينما يكمل المهمة الحلف الثلاثي بإخضاع بقية الفصائل.
إلا أن الموقف التركي كان قويا بسبب وجود اصطفاف دولي واسع، بما في ذلك الولايات المتحدة التي تمر علاقاتها مع تركيا بأزمة علنية، ضد أي عملية عسكرية في إدلب التي يقطنها أكثر من ثلاثة ملايين شخص، سيكونون مهددين بالموت والنزوح، وهو ما دق ناقوس الخطر في العواصم الأوروبية التي استعادت ذكريات اللجوء السوري الكبير قبل ثلاثة أعوام حين تدفق عليها ملايين النازحين أغلبهم عبر البوابة التركية.
وبعد اخفاق قمة طهران التي جمعت رؤساء تركيا وروسيا وإيران في التوصل إلى حل، حاولت روسيا والنظام التصعيد على أمل كسر الموقف التركي، لكن ذلك قوبل بتصعيد تركي من شقين ميداني عبر تعزيز تركيا قواتها في سوريا، وسياسي من خلال تأكيدات علنية بأن أنقرة لن تقف مكتوفة الأيدي في حال وقوع هجوم عسكري، وأنها ستدافع عن قواتها هناك، وعن المدنيين في جوار تلك القوات، فضلا عن تأكيدها على لسان كبيار المسؤولين فيها، بأن أي عملية عسكرية واسعة في إدلب، ستعني لا محالة انهيار عملية أستانة، وانسحاب تركيا من التنسيق السياسي مع روسيا فيما يخص مستقبل الحل في سوريا. وهو تحول كان لا بد أن ينعكس أيضا على إيران التي تعاني من وطأة عقوبات أميركية متصاعدة، وتنظر إلى تركيا كشريك رئيسي يمكن أن يساعدها على تخفيف وطأة هذه العقوبات، خصوصا مع التوتر المتزايد في العلاقات التركية – الأميركية وإعلان أنقرة أنها لن تلتزم بالعقوبات الأميركية على طهران.
وجاء لقاء الرئيسان بوتين وأردوغان الاثنين وسط مؤشرات على أن روسيا وافقت على تأجيل العملية العسكرية في إدلب ومنح تركيا مزيد من الوقت للتعامل مع مشكلة “العناصر المتشددة” في المحافظة.
ومع استمرارها في بذل الجهود السياسية لتجنيب إدلب الحرب، عمدت أنقرة إلى بعث رسائل لروسيا والنظام بشأن جاهزيتها لكل الاحتمالات بما في ذلك الحرب. وفي هذا السياق نقلت وكالة “رويترز” عن قادة عسكريين ممن تدعم فصائلهم تركيا قولهم أن تركيا زودت فصائلهم بالمزيد من السلاح والذخيرة في الفترة الأخيرة، كما “تعهد الأتراك بدعم عسكري كامل لمعركة طويلة الأمد” مشيرين إلى أن الأسلحة تضمنت منصات إطلاق صواريخ “غراد” روسية الصنع.
وفي هذا السياق، اعتبر مستشار الرئيس التركي للعلاقات الخارجية، ياسين أقطاي، أن أي هجوم عسكري على محافظة إدلب، هو هجوم على تركيا نفسها التي قال إنها لن تقف كالمتفرج لتكرار مجزرة حلب في إدلب.
واتهم أقطاي في لقاء تلفزيوني روسيا بمحاولة تصفية المعارضة السورية في إدلب تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”.
ويرى مراقبون أن مستقبل إدلب يمثل تحديا حقيقيا للعلاقة بين شركاء أستانا الثلاثة، وخاصة العلاقة بين روسيا وتركيا، التي توصف بـ”الاضطرارية” ولم تبلغ بعد مستوى التعاون الاستراتيجي، في حين تراقب واشنطن الموقف متحيّنة الفرصة لإعادة اجتذاب تركيا إلى حضنها وإبعادها عن التعاون مع روسيا.
ويقول محللون أتراك إن قضية إدلب حساسة لتركيا كونها تقع على حدودها مباشرة وتضم ملايين السكان، فضلا عن وجود عناصر متطرفة فيها قد يتسربون إلى داخل تركيا ويبدو أن روسيا أدركت ولو متأخرة جدية الموقف التركي، ما دفعها إلى التراجع نسبيا عن موقفها المتشدد، ومنحها فرصة إضافية لتركيا من أجل التعامل مع المجموعات المتطرفة في المحافظة.
ويرى المحللون أن هدف أنقرة من دفع المزيد من قواتها إلى داخل الأراضي السورية، ليس هدفه خوض القتال مع أحد، بقدر ما تسعى من خلاله إلى إقناع النظام وروسيا بأنها مستعدة لهذا الاحتمال، بهدف ردعهم عن مهاجمة إدلب. كما أن تعزيز النقاط التركية يستهدف حمايتها من أي هجوم من النظام أو المجموعات المتطرفة، وهو تأكيد من تركيا بأنها لن تنسحب من هذه النقاط، وستحميها، وتحمي ما جاورها، من أي هجوم.
من جهته، قال العقيد فاتح حسون، عضو وفد المعارضة لمفاوضات أستانة، إن شروط الحرب على إدلب التي هددت بها روسيا لم تصل لمستوى استعدادات وحجم قوات الثورة السورية والمواجهة التي يمكن أن تحدث معها، خاصة أن تهديداتها وقصفها قوبل بتعزيز عسكري تركي غير مسبوق كما ونوعا لنقاط المراقبة التي تنتشر في محيط المنطقة، وبنجاح تركي سياسي ودبلوماسي بالحشد ضد المعركة.
ورأى حسون في تصريح لـ”صدى الشام” أن الهجوم على إدلب يحتاج إلى تغطية كافة الجبهات التماسية، وهذا يستلزم تأمين أعداد هائلة للطرف المهاجم تصل لأضعاف أعداد المدافع، وهو غير متاح لدى روسيا والنظام وإيران مجتمعين، ويحتاج لشرعية دولية أو تغاض في الحد الأدنى، وإلى تأييد من الحاضنة الشعبية الموالية للنظام، وتأمين المقاتلين المدربين اللازمين لذلك، وهذا لم تستطع روسيا تأمينه حتى الآن، إضافة إلى الاصطدام بالموقف التركي الثابت والمتصاعد، والتفاف الحاضنة الشعبية للثورة حول الفصائل العسكرية بعد تنظيف صفوفها من العملاء.
السيناريوهات المتوقعة
وأشار حسون إلى أن روسيا غيرت من لهجتها في مجلس الأمن تجاه معركة إدلب والوضع في الشمال السوري عموما، ليس عودة للصواب أو تحملا للمسؤولية الأخلاقية، بل “مكر سيّء تحاول أن تجني ثماره لاحقا، وإن استطعنا كقوى الثورة والمعارضة السورية أن ندير أوراقنا بشكل احترافي فلن تكون تلك الثمار إلا بمرارة الحنظل ” حسب تعبيره.
ورأى مراقبون أنه في حال عدم نجاح تركيا في تحقيق المطلب الروسي بفصل “المتشددين” عن “المعتدلين” في إدلب خلال فترة قريبة، فإن السيناريوهات التي تنتظر المحافظة في المرحلة المقبلة قد يكون أرجحها في النهاية أن تشن روسيا وحلفاؤها هجوما محدودا بغية دفع تركيا والفصائل التي تدعمها إلى الدخول في مواجهة مع الجماعات المتشددة، بهدف القضاء عليها وتأمين قاعدة حميميم الجوية، بينما يسعى النظام إلى السيطرة على القسم المتبقي من الطريق الدولي بين حلب وإدلب.
أما احتمال شن هجوم شامل على إدلب بهدف ضمها بالكامل إلى النظام على غرار المناطق الأخرى مثل الغوطة والجنوب السوري، فهذا خيار مستبعد، بحسب المراقبين، حيث لا تتوفر للنظام القدرات العسكرية الكافية لشن مثل هذا الهجوم على منطقة تبلغ مساحتها نحو عشرة آلاف كلم2 وفيها عشرات آلاف المقاتلين المتمرسين والمجهزين بأسلحة ثقيلة، وليس أمامهم خيار إلا القتال، ما يعني الدخول في معركة طويلة وصعبة عسكريا، فضلا عن كلفتها الإنسانية والسياسية بالنسبة لروسيا.
من جهتها، هددت واشنطن وعواصم غربية عديدة، بأن استخدام السلاح الكيماوي في أي هجوم على إدلب سيقابل برد عسكري فوري وكبير، إضافة إلى احتمال اتخاذ إجراءات أخرى، مثل فرض عقوبات على شركات روسية مصنعة للسلاح وفي مقدمتها الشركات المصنعة للطائرات الحربية التي قد تستخدم في مثل هذا الهجوم.
وكان اللافت في تطورات إدلب تلك المظاهرات التي خرجت يوم الجمعة الفائت للأسبوع الثالث على التوالي، وشارك فيها مئات الآلاف من أبناء محافظة إدلب والوافدين إليها، إضافة إلى مظاهرات في بقية المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة والتي حملت جميعا رسالة واضحة بشأن هوية المدينة التي تدعي روسيا ومعها دعاية النظام بأنها ملاذ للإرهاب، وهو ما أعاد للثورة السورية ألقها الأول، حيث الجماهير الغفيرة هي حاملة رسالة الثورة على النظام الغاشم، وليس الفصائل أو التنظيمات المسلحة، أيا تكن هويتها.
معارك الشرق والجنوب
وبالتوازي مع هذه التطورات، تدور في شرقي البلاد وجنوبها معارك بين تنظيم داعش من جهة ، و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) والنظام من جهة أخرى، حيث تشن “قسد” هجوما على آخر جيوب التنظيم في شرق الفرات بمساندة من طائرات التحالف الدولي التي تشن غارات مكثفة على مواقع “داعش” في محيط منطقة الباغوز ومنطقة هجين.
من جهته، يعتمد التنظيم على الكمائن والهجمات المضادة، حيث وقعت مجموعة تابعة لـ”قسد” في كمين نصبه عناصر “داعش” على أطراف بلدة الباغوز بريف ديرالزور الشرقي ما أدى إلى مقتل وجرح عدد من عناصرها. كما قتل اثنان من عناصر “قسد” إثر إطلاق مسلحي “داعش” النار عليهما في قرية الصبحة بريف دير الزور الجنوبي الشرقي. ويأتي ذلك بعد مقتل عشرين مقاتلا من “قسد” خلال هجوم على منطقة هجين الخاضعة لسيطرة “داعش”.
وتشير تقديرات إلى أن هناك نحو 3 آلاف مسلح من “داعش” معظمهم أجانب يتحصنون في منطقة هجين. وقال قياديون في “قسد” ومتحدث باسم التحالف الدولي بأن العملية ستكون شاقة وخصوصا بسبب لجوء مسلحي “داعش” إلى وضع ألغام تعيق تقدم المقاتلين.
كما قتل وأسر عدد من قوات النظام خلال اشتباكات مع تنظيم “داعش” في ريف حمص الشرقي. ونشرت وسائل إعلام تابعة للتنظيم صورا لقتلى وأسرى وآليات قوات النظام، بينما ذكر ناشطون أن بين القتلى عناصر من ميليشيا “الحرس الثوري الإيراني”.
وكان قد قتل وأصيب أكثر من عشرين من قوات النظام بينهم ضابطان في وقت سابق خلال اشتباكات بين الجانبين في المنطقة نفسها، بينما تتواصل المعارك بين قوات النظام وعناصر تنظيم “داعش” المحاصر ضمن تلول الصفا في بادية ريف دمشق، قرب الحدود الإدارية مع محافظة السويداء، فيما يعتبر الجيب الأخير للتنظيم في الجنوب السوري. وتمكنت قوات النظام خلال الأيام الأخيرة من إحراز تقدم طفيف إثر قصف مدفعي عنيف بعد أكثر من شهر من المعارك في المنطقة ذات التضاريس الوعرة.
المجموعة المصغرة
وعلى المستوى السياسي، عقد اجتماع في جنيف بين “المجموعة المصغرة” والمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، تسلم خلاله الأخير رؤية المجموعة للحل المستقبلي في سوريا.
وتضم المجموعة المصغرة كل من الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، السعودية والأردن إضافة إلى مصر.
ونشرت وسائل إعلام روسية وأمريكية المبادئ التي حددتها تلك الدول بشأن رؤيتها للحل في سوريا، وهي تشمل الحكومة المستقبلية والعملية السياسية والانتخابات الدستورية وآلية سير الانتخابات.
وركزت المبادئ التي حددتها الدول بشكل أساسي على إبعاد إيران من سوريا، وتعديل صلاحيات الرئيس ومنح صلاحيات أوسع لرئيس الحكومة لتحقيق توازن أكبر في السلطة وضمان استقلالية المؤسسات الحكومية المركزية والمناطقية.
وحسب البنود المطروحة يجب أن يترأس الحكومة رئيس وزراء يتمتع بصلاحيات أكبر مع فصل واضح للسلطات وألا يخضع تعيين رئيس الحكومة ووزرائها لموافقة الرئيس.
وأكدت أن لجنة دستورية تحت رعاية وضبط الأمم المتحدة، هي الآلية الملائمة لمناقشة الإصلاح الدستوري والانتخابات، والوصول إلى حل سياسي، وينبغي على الأمم المتحدة أن تشكل اللجنة الدستورية بأسرع وقت ممكن.
كما تنص المبادئ على تنفيذ إشراف مدني على القطاع الأمني بعد إصلاحه، مع صلاحيات محددة بوضوح، وضرورة تحويل السلطات وجعلها غير مركزية، بما في ذلك على أساس مناطقي.