حسام جبلاوي
خسرت رولا بوشي وهي أم لأربعة أطفال أيتام متجر الألبسة الذي كان يعيلها وأولادها في الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا العام الفائت، ولم تستطع بعد أكثر من عام على الكارثة أن تنهض مجددا من خسارتها وتجد عملا آخر.
جمعت “بوشي” بحسب ما تروي لموقع صدى الشام بعضا من الثياب قبل أن يهدم المتجر وأبقتهم في منزلها على أمل أن تعود مجددا وتجد متجرا آخر لكنها اصطدمت بعوائق الإيجارات المرتفعة وقلة عدد المتاجر المتوفرة في مدينة أنطاكيا بعد الزلزال.
بعد أكثر من عام على كارثة القرن تجد رولا وهي بعمر الأربعين عاما نفسها عاجزة تجاه غلاء المعيشة وفقدان العمل رغم بحثها مرارا عن أي مشروع بديل يعينها وأولادها الذين لازالوا في مرحلة الدراسة.
تأمل المرأة الأربعينية أن تتغير ظروفها قريبا وتعود لعملها الذي اشتاقت له، وقد بدأت في البحث عن متجر صغير في المنطقة على حسب إمكانيتها.
حال رولا مشابه للكثير من النساء في جنوب تركيا ممن فقدن أعمالهن ومشاريعهن بسبب الزلزال وظروف النزوح الجديدة التي فاقمت المعاناة وتركت الكثير منهن بلا أي سند.
وخلال السنوات الأخيرة دفعت الظروف المعيشية والاجتماعية كثيراً من السيدات السوريات في تركيا نحو المشاريع المنزلية، لتساهم المرأة من خلال هذه المشاريع في عملية الإنتاج وتحقيق الاستقلال الاقتصادي.
عادت نورا شعبان (24عاما) وهي لاجئة سورية وطالبة جامعية تقيم حاليا في مدينة الريحانية جنوبي تركيا للعمل من منزلها بعد نزوحها من أنطاكيا.
نورا حولت شغفها في التصوير إلى مهنة قبل ثلاثة أعوام، اشترت كما تروي لموقع صدى الشام آلة طباعة صغيرة وبعض لوازم التصوير وعادت لتعمل حاليا في تصوير المناسبات والحفلات التي تدعى لها، وتروج لأعمالها في صفحات وسائل الاجتماعي وعبر صفحتها الشخصية في تطبيق “انستغرام”.
تحلم نورا بالتوسع في عملها وأن تمتلك استديو خاصا بها، ومعدات تمكنها من النجاح بشكل أفضل لكن تبعات الزلزال والنزوح يمنعانها حاليا من ذلك.
وترى أن العمل من المنزل يبقى أفضل من التوقف لكن تبقى الحاجة بأن ترفد مشروعها بالمعدات اللازمة ضرورة للاستمرار والنجاح.
لا تقتصر مشكلات المشاريع الصغيرة على محدودية الإنتاج فغياب مكان لعرض المنتجات يضع السيدات أمام تحدٍ جديد وهو تصريف الإنتاج.
تقول نورا إنها تعتمد بشكل أساسي على منصة انستغرام لتسويق أعمالها، كما شاركت بعدة معارض بدعوة من جمعيات محلية تدعم هذا النوع من المشاريع.
استمرار رغم الصعوبات
بدأت المهندسة فاطمة حاج موسى قبل أربعة أعوام مشروع بيت المونة مع مجموعة من النساء في مدينة الريحانية. اشترت فاطمة ثلاجة مستعملة (فريزر) وبضعة رفوف خشبية مستعملة وضعتها في غرفة صغيرة، وبدأت مع بضعة نساء في هذا العمل ثم انضم إلى فاطمة في هذا العمل الكثير من النساء حتى باتت عدد الأسر التي تعتمد هذا المشروع اليوم 50 عائلة بحسب قولها.
تقول فاطمة في حديث لموقع صدى الشام إن مشروعها لم يلق أي دعم من منظمات أو جمعيات وواجهت الكثير من المصاعب بعد الزلزال أبرزها خسارة المعدات ومكان العمل. وتضيف فاطمة: “انتقلنا بعد الزلزال إلى منزل في الريحانية، ومن ثم أخرجنا صاحبه منها لتأجيره بمبلغ 10 آلاف ليرة، والآن نقلنا معداتنا إلى المخيم التايلندي مؤقتا على أمل أن نجد حلا أو نحصل على دعم نستطيع من خلاله إكمال المشروع.
تسعى فاطمة إلى زيادة التسويق من خلال إنشاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف الوصول إلى عدد أكبر من الزبائن.
مبادرات تساعد النساء
يعتبر تجمع اللجنة النسائية السورية في الريحانية (منظمة نساء التمكين) واحدا من أكبر التنظيمات للنساء السوريات في جنوب تركيا، وتأسس هذا التجمع في مدينة الريحانية منذ عام 2015 من متطوعات وناشطات ومعلمات وتنتسب لهذا التجمع نحو 2000 سيدة كما تؤكد المديرة الإدارية للتجمع بثينة رحال.
تقول بثينة لموقع صدى الشام إن بداية لجنتنا النسائية تأسست بهدف مساعدة المرأة اللاجئة على الاندماج بالمجتمع وتقبل المجتمع الجديد بدون مشاكل أو أخطاء قد تؤثر على وجود العائلة السورية، وبعد أن طالت سنوات اللجوء في دول الجوار أصبح لزاماً علينا إيجاد حلول بديلة تساعد المرأة على بناء مشاريع صغيرة، تستطيع أن تصمد في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة العالمية، والمحلية في تركيا.
تعتمد المنظمة بشكل كامل كما تؤكد بثينة في حديث لموقع صدى الشام على الموارد الذاتية ولا تتلق أي دعم حكومي أو خارجي، وأقامت ودعمت المنظمة عدة مشاريع للنساء مثل الحلاقة النسائية وحياكة الصوف وصناعة الاكسسوارات ومشاريع الطبخ والحلويات السورية. وتستفيد المنظمة من عدد منتسبيها الكبير في التسويق لأعمال صاحبة المشروع وتعليمها ودعمها.
ولا تقتصر مشاريع المنظمة كما تقول بثينة على المشاريع الاقتصادية بل تهتم أيضا بالأنشطة التعليمية والتنموية والتدريب ومحو الأمية للسيدات وتعليم الأطفال، وهدفها مساعدة المجتمع السوري وخاصة المرأة على تجاوز الصعوبات التي تواجهها.
توقفت مشاريع المنظمة مدة ستة أشهر بعد الزلزال بشكل كامل، وتعاني حاليا في إيجاد مقر جديد لإقامة أنشطتها وجمع النساء تحت سقف واحد. وتفتقر المنظمة كما تؤكد بثينة للتسويق الخارجي موضحة أن هناك الكثير من النساء بحاجة للعمل أو الدعم المادي لشراء معدات أو مواد أولية للبدء بمشروعهن.
“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”