هاديا المنصور
لم يخطر في بال كريمة الخال (37 عاماً) أن قصدها السوق من أجل شراء طعام الغداء لأبنائها الستة سيكون نقطة النهاية لتواجدها على الأراضي التركية، حين استوقفتها دورية من الجندرمة وطلبت منها بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك) وتسارع لترحيلها مع أطفالها إلى الأراضي السورية بمجرد معرفتهم بعدم امتلاكها البطاقة.
يتعرض الكثير من اللاجئين السوريين للترحيل القسري من تركيا، بحجة عدم امتلاكهم أوراق رسمية ودخولهم الأراضي التركية بطرق غير شرعية، ليكون وقع الأمر مضاعفاً على اللاجئات اللواتي لم تستثن من تلك الإجراءات التعسفية للسلطات التركية ما يبعدهن عن أهاليهن وعوائلهن، ويرمي بهن وحيدات في مخيمات الشمال السوري، تحت مسمى “العودة الطوعية”.
يحدث ذلك في الوقت الذي يعيش فيه أكثر من 90% من السوريين في الفقر والعوز، إضافة إلى النقص الحاد في تمويل المانحين للوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة العاملة داخل سورية والذي أدى إلى تعليق المساعدات الغذائية، مما وضع الملايين في مواجهة الجوع.
تقول كريمة لموقع “صدى الشام” إنها فقدت زوجها ومعيلها الوحيد منذ قرابة الأربع سنوات، حين خرج قاصداً عمله وفقد دون أن تعلم عنه أي أخبار حتى اللحظة، إن كان حياً أو ميتاً أو معتقلا.
ولأنها وجدت نفسها أمام مسؤولية رعاية ستة أطفال أكبرهم في عمر الحادية عشرة بينما لا تمتلك أي شهادات أو خبرات أو أي فرصة عمل، انتقلت بمشورة من أهلها المتواجدين في تركيا إلى الأراضي التركية بصحبة أبنائها باحثة عن الأمان وفرصة عمل تعيل بها أبنائها الأيتام.
استطاعت الخال عبر بيع منزلها الكائن في مدينة إدلب، بما فيه من أثاث وأدوات ثم استدانة ما نقصها من أموال السفر عبور الأراضي التركية عن طريق المهربين الذين حصلوا لقاء وصولها بأمان لمدينة الريحانية التركية على كل ما لديها من مال.
وبعد فترة من وصولها استطاعت كريمة إيجاد عمل في الأراضي الزراعية واستأجرت منزل مستقل بمساعدة أقربائها لتشعر ببعض الأمان والاستقرار بعد رحلة شاقة ذاقت فيها الأمرين، غير أن فرحتها لم تكتمل حين تم القبض عليها وترحيلها مع أطفالها، بحجة عدم امتلاكها الكمليك الذي جهدت للحصول عليه سابقاً، دون نتيجة بعد توقف إجراءات استخراجه من قبل الجهات الرسمية.
وتناشد كريمة السلطة القائمة ومنظمات المجتمع المدني للنظر في حالها السيء وخاصة وأنها غدت بلا مأوى أو عمل أو أي شيء يمكن الاعتماد عليه، عدا عن صعوبة تسديد الديون المتراكمة التي دفعتها للمهربين من أجل العبور إلى تركيا والتي لم تستغرق إقامتها فيها إلا بضع أشهر قبل أن يتم ترحيلها مجدداً.
أما هيام العسكر (29 عاماً) وهي لاجئة سورية في تركيا اضطرت لقصد المشافي التركية من أجل حاجتها لعملية قيصرية من أجل استقبال مولودها الأول، غير أن تواجدها في المشفى بلا بطاقة “كمليك” جعلها عرضة للترحيل القسري بعد تخريجها المباشر من المشفى.
تقول العسكر إنها تقيم في تركيا منذ قرابة السنة، حيث تمكن زوجها من الحصول على عمل في إحدى المعامل بمدينة اسطنبول التركية، غير أنهما لم يتمكنا من استخراج أوراق رسمية لتوقف التسجيل على الكمليك حتى إشعار آخر.
وأضافت: “عشنا طوال فترة إقامتنا متخفين عن الأنظار كالمجرمين، قلما كنا نخرج للتنزه رغم شعورنا بالضجر والاكتئاب، وزوجي كان يخرج إلى العمل ويعود للمنزل مع حرصه الشديد لعدم المرور أمام دوريات الشرطة خشية ترحيله، إلى أن جاء مالم نكن نتوقعه وهي موعد الولادة”.
حاولت العسكر الولادة في إحدى العيادات الخاصة، وتجنب الحصول على الرعاية الصحية الحكومية غير أن حاجتها لعملية قيصرية مستعجلة، جراء حالتها المتعسرة وعدم قدرتهم المادية على تسديد أجورها المرتفعة دفع زوجها للمشفى الحكومية بلا تفكير وكل همه إنقاذ حياتها وحياة طفله، حيث لم تكتمل فرحتهم برؤية طفلهما بعد أن وجدوا أنفسهم بعد خروجهم المشفى على الحدود السورية التركية.
وتتهم العسكر الهجرة التركية بأنها تماطل في موضوع استخراج الأوراق الرسمية للاجئين السوريين ليكون عدم امتلاكهم البطاقة هو ذريعة لترحيل جميع اللاجئين السوريين الواقعين بين أيدي شرطتها المنتشرة في جميع شوارع المدن والبلدات لتلك الغاية.
وشددت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا على أنّ سوريا لا تزال غير آمنة لعودة اللاجئين ولا يزال المدنيون يتأثرون بغياب القانون وانعدام الأمن، وذلك في إطار ردها على إجراءات ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم بشكل قسري.
رأي قانوني
وللوقوف على شرعنة ما يجري من ترحيل قسري للاجئات السوريات من تركيا قال الدكتور الحقوقي عبد الرزاق الجاويش لـ “صدى الشام”، إن الترحيل من تركيا يجري بشكل قسري وغير إنساني ويتناقض مع جميع الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق اللاجئين وضمان حمايتهم وعدم ترحيلهم قسرا.
وأشار الجاويش إلى أن تركيا بررت لنفسها أن عدم التزام طالب اللجوء بالقانون التركي وقانون الحماية المؤقت، سبب مقنع لترحيل اللاجئين وهو ما صرحت به رسميا.
وأوضح أن مصطلح “العودة الطوعية” كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة بكل من تركيا ولبنان بديلاً عن العودة القسرية التي تحدث بالفعل تحت ذريعة عودة الأمان للمناطق السورية، غير أن واقع الأمر يثبت وعبر الكثير من الاحصائيات تعرض كل من عاد إلى سوريا للاعتقال والضغوطات، حيث استغلت كل من تركيا ولبنان الصمت الدولي وانشغاله بقضايا أخرى ونفذت ترحيل الكثير من العوائل السورية.
وأكد الحقوقي أن قانون الحماية التركي المؤقت ينص على أنه “يتم توفير الحماية المؤقتة للأجانب الذين أجبروا على مغادرة بلادهم ولا يمكنهم العودة إلى البلاد التي غادروها وقد وصلوا إلى تركيا أو عبروا حدودها باندفاع جماعي باحثين عن الحماية العاجلة والمؤقتة.
وأوعزت السلطات التركية لكي يكون لديها سبب قانوني أمام المجتمع الدولي بترحيل السوريين، إلى أن طالب اللجوء سكنه مؤقت، وبما أن السبب زال فإن أمر ترحيله لسورية أصبح طبيعياً، حيث انخفض عدد اللاجئين السوريين المسجلين في تركيا والحاصلين على بطاقة “الحماية المؤقتة” إلى أدنى مستوى له منذ عام 2017.
انخفاض أعداد السوريين
وجاء في أحدث إحصائية لإدارة الهجرة في وزارة الداخلية التركية أن “عدد السوريين انخفض بمقدار 4 آلاف و894 شخصاً لغاية 9 أيار الجاري، ليصل إلى إجمالي 3 ملايين 115 ألفاً و536 شخصاً”.
وبحسب جدول الفئات العمرية الذي نشرته الإدارة، يشكل الذكور 52.2 بالمئة من إجمالي عدد السوريين، بينما تبلغ نسبة النساء السوريات 47.8 بالمئة، ويزيد عدد الذكور السوريين على الإناث بمقدار 133 ألفاً و660 شخصاً، وبلغت نسبة النساء والأطفال 73.4 بالمئة من السوريين (2 مليون و285 ألفاً و154 نسمة).
وبلغ متوسط عمر السوريين 22.3 عاماً، وتبلغ نسبة السوريين المسجلين تحت الحماية المؤقتة إلى عدد السكان الأتراك 3.52 بالمئة في جميع أرجاء البلاد، حيث بلغ عدد سكان تركيا 85 مليوناً و372 ألفاً و377 نسمة اعتباراً من 31 كانون الأول 2023.
واعتباراً من 9 أيار الحالي، بلغ عدد السوريين المقيمين في مراكز الإيواء المؤقتة 57 ألفاً و774 لاجئاً، والشهر الماضي، بلغ عدد المقيمين في المخيمات 59 ألفاً و796 لاجئاً، بينما كان عددهم في مطلع العام الحالي 63 ألفاً و805 لاجئين، وبلغت نسبة عدد السوريين المقيمين في المخيمات إلى إجمالي عدد السوريين 1.85 بالمئة.
ووفق الإحصائية الأخيرة، فقد بلغ عدد السوريين المقيمين في المدن التركية 3 ملايين و57 ألفاً و762 نسمة (بنسبة 98.15 بالمئة من إجمالي السوريين). وانخفض عدد المقيمين في المدن بمقدار ألفين و872 لاجئاً مقارنة بالشهر الماضي.
وحافظت إسطنبول على المرتبة الأولى من حيث أكبر عدد من السوريين، حيث بلغ عدد السوريين فيها 530 ألفاً و748 شخصاً، تليها غازي عنتاب بـ429 ألفاً و183 شخصاً، ثم شانلي أورفا بـ273 ألفاً و790 شخصاً، أما المدينة التي تضم أعلى نسبة اكتظاظ بالسوريين فهي كيلس (31.2 بالمئة)، ويوجد فيها 155 ألفاً و179 مواطناً تركياً، و70 ألفاً و217 سورياً مسجلاً. وتأتي غازي عنتاب بعد كيلس من حيث عدد السكان السوريين بنسبة 16.6 بالمئة.
“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”