الرئيسية / سلايدر / الانقسام الفصائلي في سوريا: صراع على النفوذ يهدد مستقبل الحراك الطلابي

الانقسام الفصائلي في سوريا: صراع على النفوذ يهدد مستقبل الحراك الطلابي

تمارة الكردي – صدى الشام

تفرض المرحلة الراهنة وما يعايشه المجتمع السوري من ظروف استثنائية على السوريين وتحتم تشكيل ودعم مؤسسات المجتمع المدني كأفضل وسيلة للتعبير عن المجتمع فتصبح بديلًا لمؤسسات الأسد ونظامه التي تمثل أذرعًا أمنية متغلغلة داخل المجتمع، فتكون هذه المؤسسات البديلة حاملًا للمشروع الوطني ويعول عليها في بناء سوريا المستقبل، ويعتمد بشكل أساسي نجاح هذه المؤسسات فيما ركن إليها من مسؤوليات على استقلاليتها وعدم تبعيتها لأي كيان سياسي أو عسكري وكذلك عدم خضوعها للمغريات التي تقدمها هذه الكيانات.

وقد أدرك السوريون هذه المعادلة وبات ملحوظاً وجود مؤسسات فاعلة على الأرض وفي مجالات شتى ولكن سرعان ما بدأت توغلات الكيانات والأشخاص ذوو الولاءات لمؤسسات عسكرية داخل هذه الأجسام بل ونشأت في بعض الحالات مؤسسات تم تشكيلها ودعمها بشكل مباشر من قبل الكيانات السياسية والعسكرية، وتجلت هذه التدخلات بشكل واضح بحسب ما تم رصده في العمل الشبابي والطلابي، إذ أنه وبالنظر للتاريخ يسهل إدراك أهمية العمل الطلابي فالطلاب هم الشريحة الأكثر حيوية واندفاعًا والأقدر على شحن طاقات بشرية ولها تأثير ملحوظ على الرأي العام وتعتبر المؤسسات الطلابية مُصدرًا للنخب المستقبلية فهي أول عمل وتجربة قد يخوضها الإنسان في حياته مما يجعلها الركيزة الأساسية في تثبيت قواعد الحكم ومبادئه، وكما أدرك السوريون أهمية العمل الطلابي أدركته مؤخرًا الأجسام السياسية والعسكرية المنبثقة عن مآلات الثورة السورية لتندفع لكسب ولاءات الأجسام الطلابية والسيطرة عليها

هيئة تحرير الشام والهيئات الطلابية

عملت هيئة تحرير الشام على بسط هيمنتها ونفوذها ضمن مناطق سيطرتها وامتدت للمجتمع المدني ومحاولات التحكم في الحراك المجتمعي على عدة أصعدة ومن ضمنها كانت الهيئات والمؤسسات الطلابية، حيث وبحسب تقرير لتلفزيون سوريا جاء على ذكر محاولات الأدلجة الفكرية التي تمارسها الهيئة عن طريق المناهج الدراسية والاتحادات الطلابية المتواجدة داخل هذه الجامعات وبحسب التقرير فإن النتيجة النهائية المرجوة من هذه المحاولات تتعدى فرض السيطرة وإسكات الأصوات المعارضة إلى إنشاء جيل يتبنى رؤية الهيئة وكوادر يخدم مشروعها “الكيان السني” في المنطقة، وفي ذات الإطار تم تشكيل “اتحاد طلاب سوريا” في مناطق سيطرتها وذلك في مطلع العام 2024، وجاء هذا الكيان كخطوة في محاولة توحيد الكيانات المتعددة المتواجدة في المنطقة تحت مظلة واحدة وتوحيد الجهود وهذا بحسب ما صرح به أ. عبدالله الللي وكانت النواة الأساسية التي يستند عليها اتحاد طلبة جامعة إدلب، الأمر الذي يعكس قدرته على تمثيل كافة الطلاب السوريين وهو ما يؤيده طلاب المنطقة إذ وفقًا لعدد منهم فإن الكيان يستمد شرعيته من الهيئة أكثر من استمدادها من القواعد الطلابية في الجامعات ويظهر هذا جليًا من عدد الطلاب الحضور في المؤتمر التأسيسي، ومن الطريف أن يذكر لعثمة أ. عبدالله الللي ممثل “اتحاد طلاب سوريا” باسم الكيان أثناء كلمته التي أعلن فيها عن تشكيله ليقول اتحاد طلبة سوريا بدلًا من “اتحاد طلاب سوريا”، وفي هذا دلالات واضحة على عدم رسوخ فكرة الاتحاد الناشئ وضعف في الانتماء إليه

توغلات عديدة في جسم واحد

أدرك الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية أهمية دور الطلاب على الصعيد المجتمعي وكذلك ضرورة وجود جسم موحد يجمع الطلاب السوريين في مناطق الشمال السوري ويدافع عن حقوقهم وهذه كانت إحدى أهم أسباب ولادة “اتحاد طلبة سوريا الأحرار”، ولم ينفك ارتباطه عن الائتلاف منذ تأسيسه وكذلك لم تتوسع رقعة انتشاره أو الجامعات التي يمثلها وهذا بحسب ما يعلن عنه على المعرفات الرسمية للاتحاد، وقد تجاوزت ارتباطاته بالائتلاف والحكومة المؤقتة إلى ارتباطات بفصائل عسكرية فاعلة على الأرض السورية فقد تم تعيين رئيس الاتحاد عبدالله مرندي بالأمر الإداري رقم 23/ص الصادر بتاريخ 23/03/2024 كرئيس قسم التنظيم والإدارة في اللواء الثاني عشر التابع للفيلق الثالث في الجبهة الشامية.

ويذكر محمد سعيد (اسم مستعار) وهو طالب في جامعة حلب الحرة بأن رئيس الاتحاد عبدالله مرندي وبحسب المتداول بين الطلاب له ارتباطات وثيقة بفصائل عسكرية عديدة وجهات سياسية أخرى كنتيجة طبيعية لعمله كمراسل صحفي في الثورة السورية وبحسب المصدر ذاته أيضًا إن شبكة علاقات مرندي  قد ساعدته كثيرًا في إدارته للاتحاد والحفاظ عليه رغم الانقسامات التي حصلت والبقاء رئيسًا أطول مدة ممكنة وتأجيل العملية الانتخابية قدر المستطاع، وقد نشر مرندي مؤخرًا عن دعوته لمؤتمر بروكسل للدول المانحة كممثل عن الاتحاد ومنظمات المجتمع المدني بالشمال السوري متجاهلين ارتباطاته العسكرية، وقد كان عازمًا على الحضور ولم يستطع الحضور لأسباب متعلقة بالفيزا ويذكر أن هذا المؤتمر قد تضمن ندوة حوارية حول مجتمع الميم دعت إليها مُسبقًا “حركة حراس المساواة”

مغريات المال العسكري مستهدفة احتياجات الطلاب

نتيجة رفع الأقساط الجامعية في تركيا على الطلاب السوريين ومعاملتهم كالطلاب الأجانب بغض النظر عن وضعهم والحالة السورية على عكس ما كان يتبع في السنوات السابقة حيث كان يتم إعفاء الطلاب السوريين المسجلين في الجامعات الحكومية ضمن البرنامج الاساسي (Örgün Öğretim- birinci öğretim) من الإقساط الجامعية بشكل كلي أو يتم معاملتهم معاملة الطلاب الأتراك من ناحية الأقساط الجامعية، لذا عمل مجموعة من الشباب السوري على إطلاق حملة طلابية شبابية تحت اسم “حلم يبنى” في نهاية العام 2023 وبحسب القائمين عليها الحملة مستقلة تمامًا عن إي جسم سياسي أو عسكري وتعتمد على التبرعات الفردية غير المشروطة وتسعى إلى دعم الطلاب المتعسرين ماديًا في دفع أقساطهم الجامعية، وفي نسختها الثانية وبحسب لواء الحموي (اسم مستعار) وهو مصدر مقرب من أحد الفصائل العسكرية فقد قام قائد الفصيل بالتبرع بمبلغ كبير نسبيًا للحملة وذلك في محاولة منه للتقرب من الطلبة الجامعيين وتصدير نفسه كداعم لهم، وقد تم التبرع عن طريق مسؤولي الحملة في مدينة سكاريا والغريب في الأمر أن القائمين على الحملة قبلوا التبرع على الرغم من معرفة مصدره وتحفظوا على ذكر المصدر على العام حيث أنهم وبشكل عام وبعد متابعة لمعرفات الحملة والاتحادات المشاركة لم نجد أي ملف شفافية عن التبرعات ومصدرها وأماكن صرفها ولم يتم نشر أي شيء من هذا القبيل مسبقًا على العام.

حلول للخروج من مأزق التدخلات الفصائلية

لا يخفى على أي مطلع على المشهد السوري الانقسامات الفصائلية التي تحكمه الأمر الذي يسبب حالة شلل تام وتقويض لأي مشروع وطني إذ أن هذه التدخلات تخلق حالة جذب وانقسام داخل المجتمع المدني نفسه مما ينذر بكوارث وشرخ لا  يمكن ردمه في المجتمع، وعليه ومن أجل حالة أكثر صحية ومشروع وطني لا يمكن تقويضه أو حرفه عن مساره أو التأثير عليه بشكل أو بآخر نتيجة هذه التدخلات السياسية والعسكرية يجب وبشكل قاطع رفض هذه التدخلات أو الانجرار وراء مغرياتها وأن تتبنى مؤسسات المجتمع المدني وخاصة الكيانات الطلابية سياسة قبول التبرعات والهبات غير المشروطة وأن تكون مصادرها معروفة واضحة غير مرتبطة بأي جهة عسكرية أو سياسية كانت وأن تسعى هذه الكيانات إلى توحيد صفوفها والالتفاف حول جسم واحد يعبر عن رأيها وأن يكون هذا الكيان يستمد شرعيته من الطلاب أنفسهم فلا يتصدر المشهد الطلابي طامع أو ذو ولاءات لكيانات أخرى وهذا طبعًا لا يتحقق إلا بأن تكون هذه المؤسسات ديمقراطية منتخبة في هيكليتها مما يسهم في تعزيز استقلاليتها وعدم تبعيتها لأي مؤسسة، ومن الضروري أيضًا تعزيز الوعي بين الأوساط الطلابية بمخاطر هذه التدخلات والعبثية التي تفرضها وأن مآلاتها دائمًا ما تكون تقويض التجربة كاملة وقتل أي مشروع وطني مستقل.

 

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *