مريم سريول
بين أروقة المستشفيات وعلى طول الحدود، تتجاوز معاناة مريضات السرطان السوريات الحدود الجغرافية. يحملن في قلوبهن ليس فقط أعباء العلاج والمراقبة، بل أيضًا أحلامًا وآمالًا تتراقص على حبال الألم والمعاناة.
توتر وخوف، لكن هناك أيضًا قوة لا تعرف الاستسلام، تلك النساء القويات يحملن قصصًا مؤثرة، لم تكتف مريضات السرطان في شمال سوريا بتحمل قساوة ذلك الداء فحسب، إنما أضيفت أعباء وتحديات تبدأ بغياب العلاج داخل بلدهن، ولا تنتهي بمشقة طريق العبور وإجراءات الدخول المعقدة إلى تركيا ثم تأمين موافقة للعلاج، فضلاً عن صعوبات تأمين سكن مؤقت، وشبه غياب للرعاية النفسية.
“لم أكن أتوقع أن فترة العلاج ستمتد إلى هذا الوقت، فعند تشخيصي قبل عامين وإجراء العمل الجراحي واستئصال الثدي بدأت معاناة مختلفة لاستكمال الجرعات والعلاج الإشعاعي في تركيا”!!
بهذه الكلمات وصفت زاهدة رحلة مرضها من السرطان مؤكدة أن فترة العلاج تمتد طويلاً نظراً للبعد بين عدد الجلسات، وفي هذا الوقت يتوجب عليها البقاء في تركيا وهذا ما يشكل عبئاً مضاعفاً عن عبء المرض وتكاليف العلاج الدوائي.
وتؤكد قائلة “كيف يستطيع من هو قادم من المخيمات وفي حالة صعبة أن يعيش في تركيا ويتحمل تكاليف السكن والمواصلات والعلاج وفي بعض الحالات تكاليف المترجمين وغير ذلك”.
أرقام وإحصائيات:
هذه حالة من آلاف الحالات لمرضى السرطان فبحسب ما ذكر مركز تنسيق الشؤون الانسانية OCHA عن احصائيات مديرية الصحة في إدلب فإن أعداد مرضى السرطان في الشمال السوري 3400 مريض أكثر من 60% منهم من النساء والأطفال.
وأشار المركز إلى أن 90% من سكان شمال سوريا يعتمدون على المساعدات، لكن خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة لعام 2023، التي طلبت 5.4 مليار دولار، تم تمويلها بنسبة 11% فقط.
وبحسب ما أعلنت مديرية الصحة في إدلب عبر منصاتها فإن بعض الحالات تتلقى علاجاً كيماوياً في الشمال السوري بينما الكثير من الحالات تحتاج إلى الدخول إلى تركيا لتلقي العلاج الإشعاعي لمدة تتراوح بين 6 أشهر وحتى السنتين.
وأوضح رئيس قسم الأورام “لموقع سوريا على طول” أن مشفى إدلب المركزي، الممول من الجمعية الطبية السورية الأمريكية، يقدم العلاج الكيميائي لستة أنواع من السرطان. وأوضح أن العلاج متوفر “لسرطان الثدي والمبيض والقولون، وسرطان الغدد الليمفاوية غير الهودجكينية الذي يصيب الجهاز الليمفاوي، وسرطان الدم الليمفاوي الحاد عند الأطفال، وسرطان الخصية”. وأضاف أنه يتم أيضاً توفير جرعات حقن وريدية مجانية لأنواع أخرى من السرطان، بنحو 1200 جرعة شهرياً.
وأضاف” أن المستشفى يقدم بعض الأدوية مجاناً، في حين يتم شراء بعض أنواع الأدوية من قبل المرضى”. “لكن أجهزة العلاج الإشعاعي والمناعي غير متوفرة، لأنها باهظة الثمن، ما يضطرنا إلى تحويل المرضى لتلقي العلاج في تركيا”، على حد قول الطبيب.
لكن ما مصير هذا المريض الذي تمت إحالته إلى تركيا؟!
هنا يجدر بنا الحديث عن مراكز رعاية السرطان في تركيا للسوريين المحالين من سوريا.
دار ملهم للسرطان في أضنة: عند حديثه لموقع صدى الشام أجاب مدير دار ملهم للسرطان في أضنة الدكتور محمد ليلى عند سؤاله عن الدار: “الطاقة الاستيعابية الكبرى للدار هي 50 مريضاً وعادة ما يكون 40 مريضاَ و9 مرافقين بحكم أن الأطفال المرضى تحت 10 سنوات يكون لديهم مرافق”.
وأشار إلى أن الدار تتألف من مبنى كامل مقسم إلى طوابق ففي الطابق الأول المكاتب الإدارية والمطبخ المركزي وبعده طابق للرجال، ثم طابق للأطفال، ثم طابق للنساء ومساحة كبيرة يتم فيها تنفيذ بعض النشاطات.
بينما يتألف الكادر من مشرف موجود في كل طابق ولديه خلفية طبية ليكون قادراً على متابعة المرضى وتنفيذ بعض الإجراءات الطبية الأولية والإسعافية بحال وجودها، بالإضافة إلى وجود لوجستي لتلبية احتياجات المرضى والمركز، وطباخين لتأمين وجبات طعام صحية مع فريق من المترجمين موجودون ضمن المشافي أيضاً. علاوة على وجود إداريين لتنسيق ومتابعة حالة المرضى حيث يوجد سيستم يتم من خلاله متابعة حالة المريض من الألف إلى الياء.
وعند سؤاله عن احتياجات الدار والمرضى أكد ليلى لموقع صدى الشام: “المركز يتم دعمه بشكل ذاتي ولا توجد جهات معينة تدعم هذه الدار حيث توجد على صفحة فريق ملهم روابط التبرع للمركز، لذلك لا يسعنا تلبية كافة الاحتياجات، ولكن نحاول قدر الإمكان”
ونوّه على أن “هناك مصاريف كثيرة تذهب على المواصلات بسبب عدم القدرة على تأمين باصات خاصة بالدار بالإضافة لارتفاع أسعار الوصفات الطبية، فأغلب المرضى لا يوجد لديهم دخل والمركز متكفل فقط بمنامتهم وأكلهم وشربهم وتنقلاتهم”
فيما أكد الدكتور محمد على أهمية هذه الدور نظراً لارتفاع أعداد المرضى المحالين من سوريا وعدم وجود مكان إقامة لهم في تركيا مما يضطرهم في أغلب الأحيان للإقامة في الشارع رغم مرضهم ووضعهم الصحي الصعب”
جمعية الأمل لمكافحة السرطان في تركيا:
ومن خلال تقصينا لأوضاع مرضى السرطان المحالين إلى تركيا كان لموقع صدى الشام وقفة مع جمعية الأمل لمكافحة السرطان وهي جمعية تأسست في سوريا وكان هدفها مساعدة مرضى السرطان في أنحاء سوريا ثم انتقلت للعمل في تركيا حيث تم افتتاح مراكز استقبال المرضى في كل من عينتاب، وأنطاكية، وأضنة أنقرة، واسطنبول.
وفي حديث مع مدير مركز رعاية السرطان في جمعية أمل محمد زينو وسؤاله عن الخدمات المقدمة من قبل المركز قال: “الخدمات المقدمة هي استضافة المرضى بالإضافة إلى تقديم وجبات الطعام الصحية وتأمين تنقل المريض من وإلى المشفى ومساعدته في الترجمة أما عدا ذلك فيتم تأمين الجرعات الدوائية والاستقصاءات الطبية المأجورة للمريض عن طريق إطلاق حملات جمع تبرعات على الفيسبوك.”
فيما أشار إلى أن أغلب العاملين في المركز هم من المتطوعين وخاصة المترجمين ومرافقي المرضى، بحكم أن هذه الشواغر تحتاج إلى أعداد كبيرة نظراً لدخول المرضى من سوريا بدون مرافق وبسبب اختلاف لغة البلد المضيف.
وأكد زينو لموقع صدى الشام أن أعداد المرضى في مركز غازي عينتاب يتراوح بين 50 إلى 60 مريض ويصل العدد إلى 200 مريض في جميع مراكز جمعية أمل حيث يتم تقديم المساعدات لـ 60 إلى 65% من المرضى أما باقي المرضى فتكون تكاليف علاجهم مرتفعة جدا ولا يمكن تغطيتها.
فيما قال عند سؤالنا له عن احتياجات المركز: “يتم دعم المركز بشكل فردي حيث لا يوجد مؤسسة أو منظمة تدعم هذه المراكز بالوقت الذي يشكل فيه حملاً كبيراً على الجمعية، ففي بعض الأحيان لا تكون الخدمات مثل النقل والترجمة متاحة لعدم القدرة على تقديم تعويضات للمتطوعين أضف إلى ذلك مصاريف الإيجار المرتفعة جدا”
وأشار أن: “المرضى بحاجة إلى الدعم المالي والدوائي، فأي مريض قادم إلى تركيا هو بحاجة إلى المساعدة في أي إجراء طبي مأجور، حيث إن بعض الإجراءات الطبية الموجودة في المشفى هي مجانية، ولكن أي وصفة طبية أو أي إجراء جراحي أو تخصصي غير متوفر بمشفى الدولة من الممكن أن يكلف المريض مبالغ كبيرة، فكثيراً ما سمعت هذه العبارات من المرضى [أريد أن أرجع إلى بيتي أريحلي وأحسنلي – بموت ببيتي أحسن ما أبقى هون بتركيا عم انتظر حدا يدفعلي مصاري]”
وأكد زينو على أنه من خلال حملات المناصرة أصبح هناك وعي أكبر بمعاناة المريض المحال من سوريا وأشار أخيراً “أدعوكم إلى عدم نسيان أهلنا المحالين إلى تركيا بهدف العلاج حيث يدخلون وحيدين غريبين مرضى فقراء يأتي أغلبهم من المخيمات فوضعهم المادي سيء جداً جداً”
دور المنظمات في دعم مرضى السرطان:
وبعد لقائنا مع مركزين لمرضى السرطان وسماع احتياجاتهم كان لا بد لنا من التوجه إلى أحد المنظمات الطبية في تركيا.
وفي حديث لموقع صدى الشام مع مدير مكتب ميدغلوبال في تركيا الدكتور أنس بربور وسؤاله عن حال مرضى السرطان في تركيا يقول:
“بشكل عام مرضى السرطان حتى في البلدان الأخرى والتي لا تعاني من نزاعات أو مشاكل يكون لديهم معاناة في تأمين جرعات العلاج ومراكز العلاج والمواصلات وغيرها من التكاليف، بالإضافة إلى أنه وبسبب الجرعات الكيماوية أو حتى الإشعاعية أو الجراحة يصبح المريض متعباً وغير قادر على العمل، فكيف الحال في بلد يعاني من حروب ونزاع وعدم وجود للحوكمة أو وزارة صحة معتمدة تتحدث باسم هذا المريض”
لذلك يتم إحالة المرضى من خلال المشافي الحدودية التركية بسبب عدم توفر الجرعات بشكل كامل بالإضافة لعدم توفر أنواع العلاج المختلفة ويأتي المريض إلى المشفى المحال له ليبدأ البروتوكول العلاجي الذي تقدمه المشافي التركية وفق اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي.
وعلى حد تعبيره فإن “المرضى الأتراك أيضاً يعانون من انقطاع الجرعات وبعض الأدوية من المشافي، متسببة بطابور انتظار طويل ليدخل المريض في دوامة الانتظار وعدم وجود لغة تواصل وتكاليف العلاج. وهنا لا يوجد حل لدى المريض سوى الجمعيات الخيرية أو الخاصة بمرضى السرطان لتأمين الجرعات غالية الثمن.”
وعند سؤاله عن قلة الدعم الموجه لمرضى السرطان في تركيا قال:” المانحون بشكل عام عند دعم أي مشروع وللأسف يرغب بعضهم بالوصول إلى عدد أكبر من المستفيدين (المرضى) من خلال دعم مستوصفات أو فرق تغذية أو دعم مشافي فبنفس المبلغ الذي من الممكن أن يؤمن فيه الجرعات لعدد معين من مرضى السرطان، من الممكن أن يصل إلى عدد أكبر بكثير من غيرهم من المرضى. وأشار إلى عدم وجود جهات خاصة أو أبليكيشن خاص للتقديم كمنظمات من أجل دعم مرضى السرطان لذلك نشطت بعض الفرق التطوعية مثل ملهم وجمعية الأمل لسد هذه الثغرة.
وتابع في حديثه لموقع صدى الشام “نحن حالياً كمنظمة ميدغلوبال تقدمنا بمشروع لدعم مراكز مرضى السرطان وننتظر الرد إلى الآن مع احتمالية أن يتأخر قليلاً. لكي نكون قادرين على دعم المرضى أكثر سواء بتأمين الكلف التشغيلية للمراكز أو تأمين بعض الجرعات العلاجية، على الرغم من أن دُولاً تنوء بهذا الأمر وبحاجة إلى دعم مستدام”
كما أوصى في نهاية حديثه إلى الضرورة الملحة لتحسين المراكز العلاجية في الشمال السوري نظراً للمعاناة التي يواجهها المريض المحال إلى تركيا ويقتضي محاولة استثمار أو تمويل مراكز علاجية متقدمة مثل مراكز علاج الأشعة وطبعاً هذا الأمر مكلف جداً ويحتاج إلى مناصرة كبيرة ”
“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”