هاديا المنصور
فقدت مها الرقاوي (31 عاماً) جنينها في الشهر الخامس من الحمل بعد عجزها عن مراقبة حملها، خوفاً من الترحيل لعدم امتلاكها الكمليك، ما أعاق وصولها للمشافي التركية المجانية، أو حتى المشافي الخاصة لغلائها وارتفاع أسعارها.
وقالت مها، أنها راجعت المستوصفات الخاصة التي يعمل بها أطباء سوريون بأجور رمزية مرة واحدة فقط على مدار إقامتها في مدينة أورفة التركية، نظراً لاكتظاظها بأعداد كبيرة من المرضى قد يمتد انتظارهم فيها لساعات طويلة بينما لا تساعدها حالتها الصحية على الانتظار خاصة في فترات الحمل المرهقة.
وعن سبب عدم امتلاكها الكملك (بطاقة الحماية المؤقتة) أضافت، أنها وصلت لمكان إقامة زوجها في أورفة بعد رحلة عناء كبيرة بعبور الحدود السورية التركية بطرق غير شرعية استمرت عدة مرات قبل أن تنجح محاولتها الأخيرة، ولكنها وإن نجحت بالوصول إلا أنها لم تنجح في الحصول على بطاقة كيمليك لتوقف منح هذه الميزة في كثير من الأحيان للسوريين وتعقيدات الحصول عليها.
وتابعت” أن تقصد المشفى التركي العام بلا كيملك يعني القبض عليك وترحيلك إلى الأراضي السورية كما حدث مع الكثيرين، حيث لا حقوق لأي شخص لاجئ متواجد على الأراضي التركية بلا بطاقة الحماية المؤقتة”.
لا تعلم مها أسباب تعرضها للإجهاض لكنها ترجح أن يكون عدم متابعتها الحمل وإهمال صحتها السبب الأول، والتعب والارهاق وارتفاع ضغط الدم المفاجئ السبب الثاني، وخاصة وأنها تعاني في فترات حملها السابقة من نقص المناعة وضعف الجسم وارتفاع الضغط الحملي.
وعن تفاصيل ما مرت به مها أوضحت، أنها شعرت بألم مغص شديد في ساعة متأخرة من الليل، ولم تتمكن من مراجعة مشفى “دولات” على الرغم من قربه منها، وبقائها بلا فحص أو عناية حتى الصباح أدى لخسارتها مولودها، ولولا قصدها العيادات الخاصة في اليوم التالي لوقعت في مشاكل النزيف ومضاعفات الإجهاض الخطيرة.
” لم يكن زوجي يملك المال الكافي لقصد المشافي الخاصة ما دفعه للاستدانة من أصدقائه ولم يتوقع أن يحدث الإجهاض بهذه السرعة، فقط ريثما تمكن من تأمين المال اللازم”.
وتعاني اللاجئات السوريات الحوامل في تركيا من محدودية شديدة في الوصول إلى الخدمات الصحية في المشافي والمراكز الطبية الحكومية جراء الإهمال، أو التنمر، أو ممن لا يمتلكن الكمليك، أو اللواتي اضطررن لتغيير أماكن سكنهن، ما يجعلهن عرضة للمضاعفات بما فيها الإجهاض والولادات المبكرة.
ليس الأوراق الثبوتية والعنصرية وحسب، وإنما تم تحديد خمس تحديات تواجه اللاجئون السوريون في تركيا في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، وهي لوائح إجراءات التسجيل، والتنقل في نظام صحي جديد، واللغة، والخوف من العلاج الضار بسبب حاجز اللغة، والتكلفة، وفق دراسة بحثية أجرتها كلية طب جامعة ييل YALE في الولايات المتحدة.
وتعددت روايات اللاجئات السوريات في تركيا حول واقع الخدمات الصحية التي تقدم لهن، لا سيما في خضم تنامي خطاب الكراهية الذي انعكس سلباً على تعامل الكوادر الطبية وجودة هذه الخدمات في المشافي الحكومية، ما دفع البعض إلى العزوف عن مراجعة المشافي العامة إلا للضرورة القصوى.
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية ” تحتاج جميع النساء إلى الحصول على الرعاية أثناء الحمل، ورعاية من قبل متخصصين أثناء الولادة، والرعاية والدعم في الأسابيع التالية للولادة “، وهو ما تفتقر له اللاجئات السوريات في تركيا، علماً أن المادة 12 في اتفاقية ” القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة – سيداو” التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979 نصت على أن “تكفل الدول الأطراف للمرأة خدمات مناسبة فيما يتعلق بالحمل والولادة وفترة ما بعد الولادة، موفرة لها خدمات مجانية عند الاقتضاء، وكذلك تغذية كافية أثناء الحمل والرضاعة”.
تعرضت كوثر العبد الرحمن (29 عاماً) للولادة المبكرة في شهرها الثامن كونها لا تجيد التكلم باللغة التركية ولجهلها في كيفية الحصول على الخدمات الطبية من المشافي التركية.
تقول كوثر وهي لاجئة سورية تقيم في اسطنبول، إنها قصدت المشفى الحكومي في المدينة ويدعى بيرم باشا، وكانت تعاني آلام المغص الشديد أسفل البطن، والتي تمثلت في انقباضات كل 10 دقائق والشعور بضغط في منطقة الحوض وتشنجات وآلام أسفل الظهر.
” لم أتمكن من التواصل مع الطبيبة وشرح الحالة لعدم وجود المترجمين، كنت أعيد الوصف وأكرر بضع كلمات تعلمتها بلغة تركية، وأحاول إيصال الفكرة بلغة الإشارة، وحين تسأل كنت أجيبها بأني لا أفهم عليها، حتى بدأت تشعر بالغضب نتيجة عدم فهمي عليها وأعتقد أننا انتهينا بتشخيص خاطئ ”
وصفت الطبيبة لكوثر أنواع من المسكنات لم تجد نفعا مع حالتها التي أفضت بالنهاية لولادة مبكرة وإنجاب طفلة غير مكتملة الرئتين، تم وضعها في حاضنة المشفى منذ قرابة الأسبوع دون أن يطرأ أي جديد على حالتها الصحية.
ولمشاكل تتعلق بمكان إصدار بطاقة الحماية المؤقتة حكاية أخرى، حيث تعرضت مروة البركات (33 عاماً) للولادة المبكرة أيضاً من الشهر السابع من الحمل، بعد أن شعرت بأعراض الولادة المبكرة دون أن تتمكن من ارتياد المشافي العامة في تركيا واتخاذ التدابير الطبية التي من شأنها تأخير الولادة إلى حين موعدها في الشهر التاسع.
تقول مروة ” انتقلت بحكم عمل زوجي من ولاية أزمير إلى ولاية أضنة التركية، ولم يتسن لي تعديل مكان إصدار بطاقة الحماية المؤقتة ما حرمني من مراجعة المشافي الحكومية خوفاً من الترحيل، ولأن زوجي يعاني الفقر وضيق الحال لم أتمكن من مراجعة المشافي الخاصة الباهظة الأجور وهو ما أفضى في نهاية المطاف إلى الولادة المبكرة وخسارتي الجنين الذي توفي على الفور”.
وأشارت مروة إلى التعقيدات الكبيرة التي تحول دون وصول اللاجئين السوريين في تركيا إلى الخدمات الطبية المجانية، حتى لو كان الأمر بسيط ويتعلق بالأوراق الثبوتية أو الانتقال من ولاية إلى أخرى، فإن الأمر من وجهة نظرها إنساني وتقديم سبل العلاج لمن يطلبها “يجب أن يكون أولوية” على حد تعبيرها.
وبحسب المفوضية السامية اللاجئين UNHCR فإن السوريون الذين لديهم أرقام حماية مؤقتة تبدأ بـ 99 وانطلاقاً من المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن “لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية” مؤهلون للحصول على كل المساعدات التي تقدمها السلطات التركية تقريباً، بما في ذلك المساعدة الطبية والأدوية داخل الولاية التي يقيمون فيها، وتشمل الرعاية الصحية الأولية الفحوصات واللقاحات والمراقبة خلال فترة الحمل ورعاية ما بعد الولادة وخدمات تنظيم الأسرة، وهو ما يتماشى مع قانون تنفيذ/ميزانية الرعاية الصحية.
ورغم وجود كل تلك القوانين وتعميمها على المشافي والمستوصفات الحكومية التركية، إلا أن معاناة السوريين مستمرة بسبب تجاهل هذه القوانين وتعرضهم للتنمر والتمييز والعنصرية والمعاملة السيئة من بعض الكوادر التركية العاملة في القطاع الصحي، وهو ما ظهر جلياً أثناء تناقل لاجئات حوامل في مجموعات عديدة نسائية على “الفيس بوك” تفاصيل ولادتهن وتأكيدهن التعرض للضرب والمعاملة السيئة كونهم يحملون الجنسية السورية، ما يشكل للكثيرات عامل ضغط نفسي حيث لا حلول متاحة كثيرة لمحدودي الدخل.
تعرضت سها الحسين (32 عاماً) اللاجئة السورية في اسطنبول التركية والحامل في شهرها الرابع لحالة نزف وأعياء مفاجئ وحالة اغماء أسعفت على إثرها إلى مشفى بيلك دوزو الحكومي وهناك تعرضت لمعاملة سيئة دون تقدير لحالتها الصحية من قبل كادر المشفى الذي عاملها بمنتهى التنمر لكونها لاجئة سورية، ما عرضها لضغط نفسي كبير أضيف إلى حالتها الصحية المتدهورة.
تقول سها أن حالتها ازدادت سوءاً جراء المعاملة التي تلقتها في المشفى وزاد نزيفها، ولم يشفع لها خسارة جنينها ووضعها الصحي المتدهور من تعرضها للعنف والإساءة اللفظية أثناء عملية الإجهاض.
الطبيبة النسائية روان الكشتو قالت لصدى الشام أنه بعد تأكيد الحمل، يجب أن تخضع المرأة لفحص سريري بشكل دوري، ويفضل إجراؤه بعد الأسبوع الثاني من الحمل لمعرفة الاضطرابات التي تعاني منها المرأة سابقًا وحاليا، والأدوية التي استعملتها، وتفاصيل عن حالات الحمل السابقة، بما في ذلك المشاكل التي حدثت مثل داء السكري وحالات الإسقاط والعيوب الخِلقية، عبر توجيه أسئلة بشكل روتيني للنساء.
وأشارت أن الفحص السريري يشتمل أيضاً على قياس الوزن والطول، وضغط الدم، وفحص الكاحلين للتحري عن وجود تورم، فحص الحوض، وإجراء تحاليل على عدد خلايا الدم الكامل واختبارات للأمراض المعدية مثل الزهري والتهاب الكبد وفيروس العوز المناعي البشري واختبارات لإثبات الحصانة ضد الحصبة الألمانية وجدري الماء، ويجري تحديد نوع الدم، بما في ذلك حالة العامل الريصي إيجابية أو سلبية، اختبارات البول حيث تؤخذ عينة من البول لزراعتها وتحليلها وغيرها من إجراءات السلامة والوقاية للأم والجنين.
ومن هنا أكدت على ضرورة أن تصل الحوامل للعناية الطبية السريعة سواء للاطمئنان على حملهن وصحة جنينهن أو في الحالات الطارئة.
من جانبها قالت المرشدة النفسية والاجتماعية رؤى السفراني لصدى الشام، أن اللاجئات السوريات تواجه مشاكل كبيرة في استخدام خدمات الرعاية الصحية أو الوصول إلى معلومات حول خدمات الرعاية الصحية، بسبب الاختلافات في ثقافة المريضات مقارنة ببلدهن سوريا، والعمليات الإدارية المعقدة والحواجز اللغوية.
وطالبت المعنيين بتقدم الدعم اللازم للاجئين السوريين من أجل الوصول إلى الخدمات الأساسية وتحقيق الاستجابة الشاملة لاحتياجات اللاجئين، ولاسيما النساء الحوامل لأنهن الفئة الأكثر ضررا في مثل هذه الأزمات، لتشمل التنسيق والتواصل على المدى الطويل، وتكاتف الجهود لإزالة العوائق وتحديات الثقافة واللغة، وإيجاد حلول مستدامة، ” فتوفير الخدمات وعدم محدوديتها يخفف الضغوطات النفسية والأمراض المستقبلية، ويمنع الإجهاض والولادة المبكرة ومضاعفات الحمل والولادة الأخرى “.
“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان”