عبد العزيز المصطفى
أبدأُ مقالتي الممزوجة برائحة الدّم والبارود والعدوان الهجمي على شعب فلسطين الأعزل، وخذلان العالم الحر لقيم الإنسانية والمساواة التي يتشدق بها، بقصةٍ ذكرها الشّاعرُ الأصمعي يقول فيها: إنّ عجوزًا كانت ترعى غنمًا لها؟ فوجدت ذئبًا صغيرًا وُلد للتو، أشفقت عليه وأخذته إلى قطيعها ليرضع من غنمة مات مولودها، وحين كُبر الذئبُ انقضّ على تلك الغنمة وأكلها!! فحزنت العجوزُ وأنشدت قائلةً:
بقرت شويهتي وفجعت قلبي
وأنت لشاتنا ابنٌ ربيبٌ
غذيت بدرها ونشأت معها
فمن أنباك أنّ أباك ذيبُ
إذا كان الطباع طباع سوء ٍ
فلا أدبٌ يفيد ولا أديبُ
من هنا أقول: إنّ الصهاينة نشأوا على أشلاء الشّعب الفلسطيني، وأقاموا كيانهم المزعوم على مآسي الإنسانيّة، ونكبة وطنٍ لا حول له ولا قوة، فلن تتغير ولن تتوقف همجيةُ المحتلِ ومن يسانده ويدعمه حتى يشاهد موقفًا حازمًا من الدولِ التي تنادي بالإنسانية كلّ الدول، ومقاطعةٍ من الشعوب كلّ الشعوب الحرة، التي تُؤمن بمبادىء الإنسانية والقوانين الدوليّة وحقوق الشّعوب في تقرير مصيرها والحفاظ على جغرافية بلدانهم.
ومالم يتحرك المجتمعُ الدولي الآن الآن قبل الغد فإنّ مستقبل البشرية وقيمه على المحكِ.
إنّ ما يحدث اليوم في فلسطين المحتلة من مجازرٍ وغيابٍ لأبسط حقوق الإنسان لهو الامتحان الأصعب لضمائر الزعماء وقيمهم التي ينادون بها، فلا عذر لأحدٍ أيّ أحدٍ، ولا بدّ من وقف شلال الدّم الأعمى، الذي لا يُفرّق بين صغيرٍ وكبير، والجلوس إلى مقاربةٍ عقليةٍ تحقن ما تبقى من ضمير، وتؤسسُ لمفاوضات تُفضي إلى إقامة دولة فلسطينية قادرة على الحياة، وتُعيد المهجّرين إلى قراهم ومدنهم.
ختامًا يُروى أنّ رجلًا سيء الفعل، يعيشُ في بلدٍ أُقيم في وسط ساحته تمثالٌ جميلُ لقائدٍ أدى لبلده خدمات كُبرى.
فكان الرجلُ الذميمُ كلما فكر بقبحه وسوءِ أفعاله يشعرُ بحقدٍ وألمٍ في كيانه ووجدانه، حتى كاد يموتُ غيظًا.
فاهتدى الرجل -حسب ظنه-إلى حيلةٍ؛ فجعل يأتي في ظلمة الليل ويأخذ وحلًا من النهر ويطلي به التمثالَ، ثم يعود إلى بيته مسرورًا وهو يعتقد أنّه شوّهه.
لكنه تفاجأ في الصباح وقد عاد التمثالُ أبهى وأجمل، وقد غُسل بماءِ السّماء وعاد متوهجًا تحت أشعة الشّمس!!
وحين أدرك الرجلُ أنّ القبح لا يمكن أن ينتصرَ على الجمال انتحر تحت قاعدة التّمثال.
أعلم أنّ الكيانَ المحتل أجبن من أن يعترفَ بهزيمته الأخلاقية، لكني على يقينٍ أيضًا أنّ نضال الشّعبِ الفلسطيني سيزداد ألقًا وقوة في كلّ المحافلِ ولا سيما قلوب الشعوبِ التي ترفض اغتصاب الحقوق، ولن يضيع حقٌ وراءه مطالبٌ، ولن تفلحَ إجراءات المحتل مهما بلغت قسوتها ورعونتها من تركيع الفلسطينيين، فالكبارُ سيموتون نعم، لكنّ الصغار كلّ الصغار لن ينسوا أبدًا، وسيولد جيلٌ أكثر قوة وتمسكًا بحقوقه المشروعة التي أقرتها المواثيق الدولية، وضمنتها الشرائع السماوية وتؤيدها شعوب حرة.
من هنا ندائي للعقلاءِ في العالمِ: أوقفوا حمام الدم، أوقفوا المجازر، أوقفوا قتل الطفولة، فالتّاريخُ يسجلُ كلَّ شيء.