عبد العزيز المصطفى
أمهد لكلماتي بقصةٍ من عبقِ تاريخنا المشرقِ، لها ما لها من دلالاتٍ؛ فحينما توالتِ النكباتُ بآخرِ قلاعِ الأمويين في الأندلس، وبلغ بهم أن يستعينوا بأعدائهم ضدّ أبناء جلدتهم،
أحسّ “المعتمدُ بن عبّاد” ملكُ إشبيلية بالخطرِ، فاستشار العلماءَ أن يستعينَ بـ”يوسف بن تاشفين” أمير المرابطين في المغرب، فحذره بعضهم؛ وقالوا له: إنّ ابن تاشفين إذا نجح في صدّ أعدائنا فإنّه سيسيطرُ على البلاد، ولن يترك ملكًا لكَ” فقال لهم ابن عبّاد:” لأنْ أرعى الإبلَ عند ابن تاشفين خيرٌ من أن أرعى الخنازيرَ عند ألفونسو السادس”.
يتلعثمُ قلمُ المرءِ وينكسرُ جناحُ قلبه ويحتارُ من أين يبدأ والحالُ أبلغُ من كلِّ عبارةٍ، ويفوق الوصف، ولا يذكرنا إلا بما قام بها الصهاينة أنفسهم إبانَ حربِ الإبادةِ عام:/1948م/، وكذلك ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية بعد غزوها العراق عام:/2003م/.
علّمنا التّاريخُ أنّ قضايانا العربية والإسلامية مهما حاولنا أن نُقزّمَ من شأنها وضررها علينا، فإنّنا سندفعُ ثمنها مجتمعين؛ شئنا أم أبينا، إنها آفةُ المصير المشترك والجغرافيا الموحدة.
فلا يظنننَّ أحدٌ أنّه بمعزلٍ عن آلةِ الإجرامِ الصهيونيةِ، فالمسألةُ مسألةُ وقتٍ، ولن ينفعَ وقتها البكاءُ على حقوقٍ لم نصنها حقَ صيانتها.
وعلمنّا التّاريخُ أيضًا أنّ وحدة الجناحَين الجنوبي والشّمالي لفلسطين هي العامل الأساسُ لتحقيقِ الغايةِ المنشودةِ؛ والحفاظ على هوية القدس؛ فلم يتمكن” صلاحُ الدينِ الأيوبي” عام:/ 1187م/ من استعادة الأقصى والقدس في معركة “حطين” إلاّ بعد أن وحدّ مصرَ وبلادَ الشّام.
فإن تكن “سايكس بيكو” فرّقتنا مُرغمينَ قبل مئة عام ونيفٍ فلتجمعنا فلسطينُ أخلاقيًا وسياسيًا، ومعنا شعوبٌ جمة.
خلال الأيام الماضية كانت أفئدتُنا تتفطرُ ألمًا لما وصلت إليه حالُ المشردين المستضعفين في فلسطين، وكنتُ ككلِّ الذين يحملون همًا إنسانيًا وقوميًا، أتابعُ تصريحاتِ الغربِ الوقحة المصحوبةِ بعقدة الذنبِ عندهم تجاه إسرائيل، وبلغ ببعضهم حد التباكي على شاشة التلفزة لما أصاب الصهاينة، وكأن جيش الاحتلال كان يوزع ورودًا على الفلسطينيين خلال العقود الماضية!! .
وكنتُ أتسائلُ بيني وبين نفسي: لماذا كلُ هذا التكالب علينا وعلى قضيتنا العادلة؟!، لماذا هذه الازدواجية في المعايير؟!
كنتُ أتممُ ما قاله أجدادنا قديمًا: ” الحقُ رداؤه القوة، فإن أراد ألاّ يُزدرى فعليه ألّا يتعرى”.
أتابعُ المآسي والمذبحة وكأنّ التاريخَ يعيدُ نفسَه بنفسِه؛ فعشيةَ حربِ تشرين عام:/1973م/ وفي خضم الزيارات المكوكية التي قام بها وزير خارجية الولايات المتحدة للمنطقة آنذاك “هنري كسينجر” قال أمام رئيسة وزراء الكيان الصهيوني “غولدا مائير”: إنّني موطنٌ أمريكيٌ أولًا، ووزيرُ خارجيةِ أمريكا ثانيًا، ويهوديٌ ثالثًا”
ردت عليه “مائير”: عزيزي كسينجر إنّنا نقرأُ العبريةَ من اليمينِ إلى اليسارِ” تعني أنّه يهوديٌ أولًا!!
هذا الشعورُ المقيت ذاته حمله وزيرُ خارجية أمريكا” أنتوني بلينكن” ثانيةً عندما قال قبل أيامٍ خلال زيارته الأراضي المحتلة: “إنّه لم يحضر كوزير خارجية أمريكا فحسب، بل كيهوديٍ هربَ جدُه من القتل”!!
كم مؤلمٌ ألاّ نتعلمَ من عبرِ التّاريخِ ودروسه وكم…وكم!!.قديمًا قال الشّعراءُ:
اقرأ التّاريخَ إذ فيه العبرُ ضلَّ قومٌ ليس يدرونَ الخبرَ
ختامًا وختامي إقرارٌ بعدمِ قدرتي على ولوجِ الأهم أقولُ: ومالم يعمل أولو الشأنِ على وضعِ حدٍ للهيمنة الأنجلو صهيونية ومن يدعمها، ومالم نتمكن من الاستفادة من التغييراتِ التي تجري على السّاحة الدولية – وهي لصالحنا اليومَ – فإنّنا جميعًا سنقول: أُكلنا يومَ أُكل الثورُ الأبيضُ.