حسام جبلاوي
تعاني عائلات سورية نازحة من مناطق الزلزال جنوب تركيا إلى ولايات أخرى من معضلة تسجيل أبنائها في المدارس التركية الحكومية، رغم بداية العام الدراسي قبل أيام والتحاق الطلاب بمدارسهم.
وبرزت صعوبات وعوائق لدى الكثير من العائلات النازحة التي تمتلك بطاقة الحماية المؤقتة الصادرة عن إدارة الهجرة للتسجيل في المدارس، ولا يزال الكثير من الطلاب في منازلهم ينتظرون الالتحاق بمدارس في ظل ظروف استثنائية، وقوانين لم تراع الأوضاع الجديدة.
وتشترط المدارس التركية لتسجيل الطلاب السوريين إحضار ورقة قيد نفوس، وأن تكون هويته من نفس الولاية التي يسجل بها، ولا تقبل بورقة إذن السفر التي منحتها إدارة الهجرة للفارين من مناطق الزلزال في الولايات الجنوبية.
ويمنع السوريون منذ عام 2016 في تركيا من مغادرة الولايات المسجلين فيها، أو الإقامة في ولايات أخرى من دون “إذن سفر” صادر عن إدارة الهجرة التركية.
معاناة عائلات سورية نازحة
يروي أحمد مكن وهو لاجئ سوري كان يقيم بولاية هاتاي جنوب تركيا إحدى أكثر الولايات تضررا بزلزال 6 شباط ويقيم حاليا في ولاية أضنة معاناته في تسجيل ابنتيه إحداهما في الصف الثاني الابتدائي والأخرى بعمر الروضة التحضيري.
ويقول مكن بصوت متنهد طالبا الاستشارة من ذوي الاختصاص “استأجرت سيارة أجرة وتنقلت بين معظم المدارس المحيطة لتسجيل ابنتي وطلبوا مني ورقة إقامة من مختار المنطقة التي أسكن بها، وهناك طلب مني المختار أن أستخرج ورقة من إدارة الهجرة لكنهم رفضوا وقالوا بأنه لا إمكانية لتغيير قيد الهوية ونقلها إلى ولاية أخرى، وأن عليّ أن أعود إلى ولايتي التي استخرجت منها الكملك وهناك يمكن تسجيل أولادي بالمدرسة”.
ويختم الرجل الثلاثيني حديثه عن معاناته: “كيف يمكن لي أن أعود إلى هاتاي والدمار في كل مكان ولا مكان للسوريين سوى الخيم.. كما أن عملي بات هنا واستأجرت منزلا ودفعت لعام كامل”.
في ولاية مرسين القريبة من أضنة والتي نزح إليها عدد كبير من اللاجئين السوريين المتضررون من الزلزال ثمة شكاوى مماثلة أيضا مثل حالة عبير زيدان وهم أم لطفلة في الصف الأول بدأ دوام أقرانها قبل نحو أسبوع ولم تستطع حتى اليوم إيجاد مدرسة تقبل تسجيل ابنتها.
تقول عبير لموقع “صدى الشام” إن ما يحصل تعجيز حقيقي و”عدم مسؤولية” و”لا مبالاة” من قبل السلطات التركية تجاه مستقبل الطلاب السوريين. مضيفة راجعت عدة مدارس في منطقتي وحتى مديرية التربية والجواب هو ذاته:” لا نستطيع تسجيل أطفال من خارج الولاية المستخرج منها الكملك”.
تضيف عبير:” منزلي في هاتاي دمر بالكامل، لم أستطع إخراج حتى ملابسي ولا طاقة لي على معيشة الخيام” وتساءلت:” هل كتب على السوري أن يكون أسير هويته؟ ألم ينزح الأتراك مثلنا من مناطق الزلزال؟ لماذا يريدون إجبارنا على العودة لمكان لا حياة فيه؟
من جانبه ناشد الطبيب السوري خالد الحمصي النازح من ولاية أنطاكيا إلى مرسين في منشور على صفحته الشخصية السلطات التركية بإيجاد حل لمسألة الطلاب السوريين القادمين من ولايات الزلزال.
وكتب الحمصي: “بعد أن دمر منزلنا في زلزال هاتاي، انتقلنا إلى أكثر من مدينة، آخرها كانت مرسين، لكننا صدمنا بعدم تسجيل الأطفال في المدرسة. كنا نحاول تسجيلهم في المدارس، لكن الأمر فشل بسبب صعوبة القرارات وعدم تعاون دوائر الهجرة. وبينما يستعد جميع الأطفال للذهاب إلى المدرسة، يريد أطفالي العودة إلى المدرسة. أرجو من يستطيع مساعدتنا أن يساعدنا.
وبحسب منظمة الصحة العالمية تضرر نحو 26 مليون شخص (15 مليونا في تركيا و11 مليونا في سوريا) جراء زلزال 6 شباط، وأحدث الزلزال دمارًا في 11 ولاية تركية هي أضنة وأدي يامان وديار بكر وغازي عنتاب وهطاي وقهرمان مرعش وكيليس وملاطية وعثمانية وشانلي أورفة وإيلازيغ.
بانتظار تعليمات جديدة
من جانبه قال المدرس السوري مصعب الخطيب وهو موظف سابق في المدارس التركية يعمل كمنسق ومترجم للأهالي السوريين إن بعض العائلات السورية النازحة من مناطق الزلزال تمكنت في ولاية بمرسين من تسجيل أولادها بإحدى مدارس منطقة “تشارشي” وسط مرسين، مستدركا بالقول:” لكن معظم المدارس الأخرى في الوقت ذاته رفضت التسجيل والأمر على ما يبدو متعلق بإدارة المدرسة إن كانت متعاونة أو لا”.
وبحسب الخطيب فإن المشكلة الأساسية هي عدم إصدار أي قرارات جديدة من قبل وزارة التربية التركية بعد الزلزال يلغي القوانين السابقة المتعلقة بمنع تسجيل اللاجئين من خارج الولاية، ويراعي الظروف والواقع الجديد، مؤكدا أن المشكلة باتت تتفاقم مع بداية العام الدراسي بالفعل والطلاب السوريون القادمون من الزلزال حتى اليوم خارج المقاعد الدراسية.
وتوقع الخطيب في حديث لصدى الشام أن يتم حل هذه المشكلة بعد انطلاق العملية التعليمية في مديريات التربية بفرز الطلاب الذين لم يتم تسجيلهم إلى مدارس بها سعة، ولها إمكانية استقبال طلاب جدد، فيما لم يستبعد في الوقت ذاته أن يستمر الوضع على حاله لإجبار اللاجئين السوريين النازحين على العودة إلى الولايات التي خرجوا منها”.
ماهي الحلول؟
من جانبه قال الأستاذ عمران الحمصي عضو الهيئة التربوية السورية في تركيا لموقع “صدى الشام” إن عناوين النفوس لدى عدد كبير من السوريين والأتراك المقيمين في مناطق الزلزال اختلفت، والمشكلة أن نظام المدارس لا زال يعمل على العناوين القديمة، وهذا أمر خاطئ لأن الناس بمناطق الزلزال تغيرت أماكنها الفعلية وما هو موجود على “سيستم” المدارس نظري.
وأضاف أن عناوين سكن طلاب مناطق الزلازل المسجلة في عناوين المدارس معظمها أبنية مزالة، والبعض حاليا في الخيام والكرفانات وآخرون نزحوا لولايات أخرى وبالتالي تتلخص المشكلة في تحديث سجل العناوين، وتفهم مدراء المدارس والتربية التركية للواقع العملي، وتجاوز بيروقراطية “السيستم” النظري.
وأشار إلى أن الحل الوحيد حاليا لتدارك تأخر الطلاب السوريين عن أقرانهم هو أن تأخد المدارس استيعابها بغض النظر عن العناوين خاصة طلاب الصف الأول والخامس والتاسع، لأن اصلاح العناوين والهويات يحتاج لسنين.
وحذر الحمصي من أن استمرار الوضع على حاله وعدم تدخل وزارة التربية بقرار واضح موجه للمدارس في عموم الولايات يعني أن 90 بالمئة من الطلاب السوريين النازحين هم خارج العملية التعليمية هذا العام.
من جانبها ذكرت وزارة التربية التركية في 5 أيلول الجاري أن الحكومة انتهت من إصلاح نحو 48 ألف صف دراسي في المناطق المتضررة من الزلزال، ويمكن استخدامها من جديد.
تبرير تركي:
وفي محاولة لمعرفة أسباب عدم تسجيل الطلاب السوريين القادمين من الزلزال قال مدير مدرسة فري دوم للحلقة الابتدائية في مرسين خلال زيارتنا المدرسة مع ولي طالب إن القوانين تمنع تسجيل أي طالب مالم يكن اسمه موجودا في النظام، ويجب نقل مكان الإقامة إلى المنطقة وتسجيلها بالنفوس العامة ليدخل الطالب في النظام تلقائيا.
وكشف تقرير سابق صادر عن وزارة التربية التركية، أنه من أصل مليون و124 ألف طفل سوري، يذهب 730 ألف طفل سوري إلى المدرسة، بينما 35 في المئة منهم محرومون من التعليم، أي ما يعادل 393 ألفاً و547 طفلاً.
ووفقًا لبيانات مديرية إدارة الهجرة لعام 2021-2022، هناك مليون و124 ألفاً و353 طفلاً تتراوح أعمارهم بين (5-17 عاماً) في سن التعليم تحت الحماية المؤقتة، التحق 730 ألفاً و806 أطفال منهم بالدراسة لغاية كانون الثاني 2022″.
وبحسب التقرير، فإن نسبة الأطفال الذين لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة هي 35 في المئة أي 393 ألفاً و547 طفلاً، على الرغم من أنهم في سن الدراسة.
“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان”