ميسون محمد – محامية وكاتبة صحفية
تُعد العدالة الاجتماعية من المفاهيم الأساسية التي تسعى المجتمعات المعاصرة لتحقيقها، إذ تقوم على مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص بين جميع أفراد المجتمع بغض النظر عن خلفياتهم أو انتماءاتهم، عرفت الأمم المتحدة العدالة الاجتماعية بأنها: توزيع منصف ورحيم لنتائج التنمية الاقتصادية بين فئات المجتمع بما يضمن حصول الجميع على فرص متكافئة للوصول إلى الموارد والخدمات الأساسية وتمتعهم بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية
نشأ مفهوم العدالة الاجتماعية في القرن التاسع عشر كرد فعل للتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي صاحبت الثورة الصناعية، إذ بدأت الحركات الاجتماعية والسياسية بالمطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال توفير فرص العمل ومحاربة الفقر واللامساواة، وتحسين ظروف العمل والحياة للفئات المحرومة والمهمشة، ومنذ ذلك الحين توسع مفهوم العدالة ليشمل مختلف مناحي الحياة بما في ذلك الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
وتنقسم قضايا العدالة الاجتماعية إلى فئتين رئيسيتين متشابكتين، لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى أو تحقيق إحداهما بمعزل عن الأخرى، الأولى تتعلق بالتعامل الاجتماعي بين الأفراد والجماعات، وتشمل الحيزات الشخصية والأحكام المسبقة، والتي تؤدي إلى معاملة مجموعة ما بشكل غير عادل على أساس عرقها أو جنسها أو دينها أو جنسيتها أو مستواها التعليمي أو قدراتها العقلية والجسدية.
أما الفئة الثانية فتتعلق باللوائح والقوانين الحكومية غير العادلة التي تحرم فئة معينة من حق الوصول إلى نفس الفرص المتاحة للفئات الأخرى، مثل قوانين الانتخابات والتصويت والعدالة والبيئة والعمل والتعليم
وعليه فإن تحقيق العدالة يتطلب معالجة كلا الجانبين من أجل ضمان تكافؤ الفرص.
تقوم العدالة الاجتماعية على مجموعة من المبادئ الأساسية، ومن أبرز هذه المبادئ: مبدأ الإنصاف، الذي يتطلب مراعاة الخصوصية لكل فرد ومجموعة في المجتمع، بدلًا من التعامل مع الجميع بشكل متساوٍ دون النظر إلى الفروقات والاحتياجات المختلفة، فعلى سبيل المثال، ينبغي توفير سبل الدعم والتسهيلات اللازمة لذوي الاحتياجات الخاصة، بما يتيح لهم المشاركة الكاملة في المجتمع وتحقيق إمكاناتهم على قدم المساواة مع باقي أفراد المجتمع
كما تتضمن العدالة الاجتماعية احترام حقوق الإنسان الأساسية والنظر إليها على أنها حقوق متساوية لا يجوز المساس بها، ويأتي ذلك بتوفير المجال للفئات المهمشة للمشاركة في صنع القرار والتعبير عن احتياجاتها، واحترام التنوع وتعزيز التسامح في المجتمع لخلق بيئة يسودها التفاهم وتكافؤ الفرص.
ولتحقيق العدالة الاجتماعية، هناك عدة مقومات أساسية منها: نشر الوعي بأهمية قضايا العدالة ومفاهيمها، من خلال التربية والتعليم ووسائل الإعلام المختلفة، فالوعي هو الخطوة الأولى نحو تحقيق أي تغيير اجتماعي، ومناهضة جميع أشكال التمييز والعنصرية، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات والتشريعات، وتوفير فرص متكافئة أمام الجميع في مجالات التعليم والعمل والرعاية الصحية، إلى جانب حماية حقوق الإنسان ومكافحة الفساد وتشجيع المشاركة السياسية.
وقد اتخذت العديد من الدول خطوات عملية لتحقيق مبادئ العدالة الاجتماعية من خلال سياسات وبرامج محددة، فعلى سبيل المثال تُعد النرويج من الدول الرائدة في هذا المجال، إذ توفر التعليم والرعاية الصحية المجانية وفرص العمل وتطبق سياسات تشجع المساواة وتحقيق التوازن بين الحياة العملية والشخصية، كما تُسهم السويد من خلال نظامها الضريبي وبرامجها الاجتماعية في الحد من عدم المساواة وتقليص الفجوة بين الطبقات.
وبناء عليه فإن العدالة الاجتماعية هي حالة تُحقق فيها مبادئ المساواة والعدالة والحرية والكرامة الإنسانية في المجتمعات، ولتحقيقها، يجب اتخاذ حلول شاملة ومتكاملة تشمل جوانب مختلفة من الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، كما يجب التعاون والتضامن بين جميع الأطراف المعنية، من الحكومات والمنظمات الدولية إلى المجتمع المدني والقطاع الخاص إلى كل فرد في المجتمع، فكل فرد له دور في تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال المشاركة الفعالة في الحياة المجتمعية، والعمل على تحسين ظروفه وظروف من حوله، والمساهمة في التغيير الإيجابي في المجتمع.