ميسون محمد – غازي عينتاب
يشهد العالم العربي منذ سنوات عديدة حالات من الصراع والحرب والنزوح، التي تطرح تحديات إنسانية واجتماعية هائلة، تستوجب التوعية والتضامن والحلول الفاعلة، وفي هذا السياق، يلعب الإعلام دوراً حاسماً في نقل الحقائق وتشكيل الرأي العام والتأثير على صانعي القرار.
ولعل أبرز مثال على ذلك هو قضية اللاجئين السوريين في تركيا، التي تمثل أزمة إنسانية مستمرة منذ أكثر من عشر سنوات، وتشكل تحدياً كبيراً للدولة التركية والمجتمع المضيف والمنظمات الدولية، فهؤلاء اللاجئين يواجهون ظروفاً صعبة في مجالات الإقامة والتعليم والصحة والعمل والاندماج.
ولقد أولى الإعلام العربي اهتماماً كبيراً لهذه القضية، من خلال نشر الأخبار وإجراء التحقيقات وإطلاق البرامج التي تسلط الضوء على مختلف جوانب معاناة هذه الفئة المهمشة.
غير أن هذا الاهتمام لم يخلُ من بعض المشاكل والانتقادات، التي تتعلق بطريقة تناول قضايا اللاجئين من قِبل الإعلام.
فمن جهة، يُلاحظ أن هناك نزعة نحو التشويه والتضخيم في تغطية قضايا اللاجئين، إذ يُركز على الجوانب المأساوية من حياتهم، دون إبراز جهودهم في التغلب على التحديات وتحقيق نجاحات فردية أو جماعية، كما يُظهرهم كضحايا دائمين للظروف، دون إشراكهم في سرد قصصهم بأصواتهم، وهذا يؤدي إلى تشويه صورتهم لدى المجتمعات المستضيفة، وإثارة ردود فعل سلبية تتراوح بين التجاهل والرفض والكراهية.
ومن جهة أخرى، يُواجه الإعلاميون عرقلات كثيرة في أداء مهامهم بشكل مهني وموضوعي، فهناك ضغوط سياسية واقتصادية تحد من حرية التعبير والتغطية، إلى جانب صعوبات مهنية تتمثل في نقص المصادر الموثوقة والمعلومات الدقيقة والوصول لللاجئين أنفسهم، لذا غالباً ما يضطرون للاستناد إلى مصادر ثانوية أو غير رسمية، تفتقر للمصداقية والشفافية.
وفي ظل هذه التحديات، تبرز الحاجة الماسة لإعادة النظر في أداء الإعلام العربي في معالجة قضايا اللاجئين، وتطوير معايير وممارسات تضمن التوازن بين المهنية والمسؤولية الاجتماعية، فمن الضروري وضع مواثيق شرف إعلامية ملزمة، تتبنى احترام حقوق الإنسان والتنوع وترفض التعميم أو ترسيخ أي صور نمطية، كما أن برامج تدريبية للإعلاميين تركّز على مبادئ الموضوعية والتوازن واحترام خصوصية اللاجئين، بالإضافة إلى تشجيع التحقيقات الميدانية المتعمّقة التي تعكس الواقع بأمانة، كلها عوامل أساسية لرفع مستوى أداء الإعلام العربي.
كذلك، يجب إفساح المجال أمام أصوات اللاجئين، والاستماع إلى شهاداتهم وآرائهم وطموحاتهم، وإبراز جهودهم في البقاء والاندماج والإبداع، فضلاً عن تقديم نصائح وإرشادات تساعدهم في التغلب على المشكلات التي يواجهونها، كما ينبغي اعتماد منظور إنساني شامل، يتجاوز الأبعاد السياسية والأمنية، ويركز على حقوق اللاجئين وكرامتهم.
إن الالتزام بالحقيقة والإنسانية، هو السبيل لتطوير أداء الإعلام العربي في معالجة قضايا اللاجئين بشكل مهني وموضوعي، مع الحفاظ على كرامتهم وحقوقهم. فالإعلام له دور رائد في خلق تفاهم وتضامن بين المجتمعات المختلفة، وفي دفع عجلة التغيير نحو حلول عادلة ودائمة.
المصدر: رسالة بوست.