قتيبة سميسم – أنقرة
لا يخفى على أحد سعي الجهات الحكومية في تركيا إلى زيادة الرغبة لدى اللاجئين بشكل عام والسوريين على وجه الخصوص بما تسميه “العودة الطوعية” والتي تصفها بـ “الكريمة والآمنة” على الرغم من جميع التقارير الحقوقية والدولية التي تنفي وجود حياة آمنة في سوريا، سعياً منها لتنفيذ وعودها بتقليل عدد اللاجئين لإرضاء الشارع التركي مع اقتراب الانتخابات المحلية.
ويتضح بشكل جلي أيضاً تناقض الخطابات التركية الرسمية مع التنفيذ على أرض الواقع، حيث نشر ناشطون على فيسبوك فيديوهات تظهر قوى الشرطة والأمن تجبر اللاجئين بالضرب للصعود إلى سيارات الترحيل، إضافة إلى أن الحديث بين السوريين مؤخراً يدور حول التعقيدات والتضييق في جميع المعاملات الرسمية بالنسبة للسوريين لإكراههم بالبقاء.
محاولة ترحيل فاشلة
محمد عبد الله (باسم مستعار)، وهو سوري مقيد في الكملك في ولاية قيصري ويعيش في اسطنبول بغرض العمل، يقول في حديثه لـ صدى الشام: طلبت شعبة أمنيات قيصري مني مراجعتهم خلال يوم، وفور وصولي إلى هناك أخبرت الموظفة بأنهم طلبوا مني الحضور فطلبت بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة بي ودون أن تنطق بحرف واحد بدأت تجهز عدة أوراق متعلقة بإبطال الكملك وطلب العودة بشكل طوعي، بادرت بالسؤال عن فحوى الأوراق لتجيبني بانها اجراءات روتينية وعليّ أن أوقع على الأوراق.
ويتابع عبد الله: تبعاً للأحداث التي أسمعها يومياً، رفضت التوقيع على الأوراق وطلبت وجود مترجم ومحامي، وريثما يأتي المحامي أدخلوني إلى غرفة التحقيق، وخلال التحقيق ذكروا لي أنه يوجد كود برقم 87 على الكملك الخاص بي، وتابعوا بأن هذا الكود متعلق بالأشخاص المدرجين على لوائح الإرهاب، ووجهوا لي الكثير من الأسئلة، جميعها متعلق بالمنظمات الإرهابية، وقد أخبرتهم بأنه ليس لي أي علاقة بما يتحدثون عنه.
ويضيف عبد الله: بعد تحويلي إلى شعبة الأجانب، وضعوني في السجن لمدة 4 أسابيع ثم خرجت بجهود المحامي بعد أن أثبت أن التهمة موجهة لي دون أي دليل، ولكن ما قبل دخول السجن ليس كما بعده، فقد خرجت ولم يسلموني الكملك الخاص بي حتى اللحظة ولدي محكمة مفتوحة ويتوجب عليّ الذهاب للتوقيع فيها بمعدل مرتين بالشهر، وبعد أن كنت أعمل وأرفد أسرتي بمبلغ مالي يسد متطلباتها دفعت كل ما أملك واستدنت مبالغاً كبيرة لدفعها كأجور لأتعاب المحامي وأعيش مختبئ اليوم في منزلي لا أخرج منه إلا في حالات الضرورة القصوى دون عمل.
كما يصف أحد المرحلين إلى الشمال السوري ما مر عليه خلال عشرة أيام بما يشبه الكابوس، والذي رفض الإفصاح عن اسمه آملاً بالعودة إلى تركيا ليكون مجددًا مع عائلته التي فقدت معيلها، إذ يقول في حديثه لـ “صدى الشام”: خرجت من مكان عملي خلال استراحة الغداء في منطقة يني بوسنة، فأوقفتني دورية شرطة عابرة، وسألوا عن الكملك الخاص بي، لقد كانت مشاعري مختلطة بين الانفراج لامتلاكي لكملك إسطنبول، وخفقان شديد في القلب بسبب الخوف من رجال الشرطة الذين أصبحوا أشبه بفوبيا لمعظم السوريين، كنت ألتقط انفاسي بصعوبة كبيرة، أخرجت الكملك وطلبوا مني مرافقتهم مع عبارات تطمين من أحدهم أنه اجراء روتيني، بدأ جميعهم باستجوابي بشكل شفهي حول عملي ومتى دخلت تركيا، وما شابه من الأسئلة، اقتادوني إلى أحد مراكزهم وهناك سرعان ما انقلب الحديث الودي إلى تهديد ونعر ووعيد لم استطع مقاومته لفترة طويلة قبل أن أوافق على توقيع الأوراق.
ويتابع: أخذونا رفقة مجموعة من الشبان إلى ما يشبه المخيم داخل سجن، لم يتم عرضي على أية محكمة أو دائرة قضائية، وهناك يتم تنسيق المرحلين بالقرب من الحدود السورية حيث ينادون مجموعة من الأسماء للصعود إلى الحافلات المتوجهة إلى المعبر، عملت جهدي كي لا أتعرض للضرب والمهانة حيث كانوا يعتدون على كل من يسأل عن مصيره، والاسوأ بالأمر هو أنهم لم يعطونا الفرصة حتى باختيار المعبر.
ويضيف: وصلت رفقة الكثيرين إلى الأراضي السورية من معبر تل أبيض، لم يكن أحدنا يعرف المنطقة والغالبية ليس لهم أقارب او أصدقاء هناك، يفترشون الطرقات بشكل “آمن وطوعي وكريم”.
القانون ودور الحقوقيون
تقول الناشطة في مجال حقوق الانسان ومتابعة قضايا اللاجئين، المحامية خلود مبارك في حديثها لـ “صدى الشام”: الترحيل التعسفي القائم في تركيا والذي تصفه الجهات الرسمية على أنه “طوعي”، وهو في غالبه يكون قسري مستندين فيه على جهل الأفراد باللغة التركية ما يسهل اجبارهم على توقيع أوراق لا يعلمون فحواها.
سابقاً كان يوجد قرار ينص على تواجد أحد مندوبي الهلال الأحمر في مراكز الترحيل، ويتم انتدابه لصالح الأشخاص المقرر ترحيلهم، ولكن هذا القرار لم يتم تنفيذه على أرض الواقع، ونطالب هنا من جديد الجهات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني أن تحاول تحقيق موضوع وجود مندوب أو موظف بجانب الأشخاص المرحلين لمراقبة الإجراءات بطريقة قانونية لمنع التصرفات الفردية والاعتباطية من قبل الموظفين في مراكز الترحيل غير المعروف مدى مسؤوليتهم ومرجعيتهم، كما يجب انتداب اشخاص من الأمم المتحدة و اليونيسيف لتحقيق رقابة على عمليات الترحيل لمنع ظلم اللاجئين.
وتتابع مبارك: فيما يخص موضوع الترحيل بمجرد القاء القبض على الشخص خارج ولايته، فهو مجحف وغير قانوني، حيث ينص قانون الحماية المؤقتة على الترحيل في حال تكرار هذا الأمر لثلاثة مرات، والعقوبة في المرة الأولى إرجاع اللاجئ إلى ولايته، وفي المرة الثانية إلزامه بالتوقيع في ولايته خلال فترات دورية تحددها إدارة الهجرة، وعلى السلطات حل هذا الأمر.
وفيما يتعلق بتناقض القرارات والخطابات الرسمية مع التنفيذ، تضيف مبارك: تتضمن جميع القرارات والتصريحات الصادرة عن الحكومة التركية أنه لا بد من تسوية أوضاع الرعايا الأجانب ومن ضمنهم السوريين، إذاً لماذا لا تساعد السلطات التركية الأشخاص في تسهيل إجراءات نقل الكملك وتثبيت النفوس و غيرها، حيث يلجأ اللاجئين السوريين إلى تقديم طلبات استرحام لتسوية أوضاعهم مرارًا عن طريق مكاتب المحاماة ولكن النتيجة غالباً ما تكون سلبية، أي أن اللاجئين يسعون لتسوية أمورهم القانونية ولكنهم لا يجدون تعاون من الموظفين الذين عينتهم السلطات عليهم، وهذا ما يستوجب وجود رقابة على هؤلاء الموظفين من قبل الدولة ومن قبل طرف ثاني كمنظمات الأمم المتحدة والهلال الأحمر، إذ لا يوجد حل لهذا الأمر إلا بهذا الشكل لضمان تطبيق القرارات.

أما عن الوضع القانوني للسوريين في تركيا، يقول المحامي عمار عز الدين مدير مكتب رابطة المحامين السوريين الأحرار في هاتاي في حديثه لـ “صدى الشام”: هناك فرق جوهري بين الحماية الدولية والحماية المؤقتة، حيث أن الحماية الدولية تمنح أصحابها مجموعة كبيرة من الحقوق غير القابلة للمساس، تستند إلى القوانين والمعاهدات الدولية لتحمي صاحبها من الإعادة القسرية، بينما تقتصر الحماية المؤقتة على بعض البرامج المؤقتة ضمن مدة تطبيق البرنامج، أي أنها لا تمنح أية حقوق مكتسبة أو ثابتة ولا تمنحه التسهيلات للحصول على أوراق الإقامة او التجنيس أو حتى حق التقدم إلى الحماية الدولية.
ولفت عز الدين إلى تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المقر بعدم وجود منطقة آمنة في سوريا، حيث وثقت اللجنة انتهاكات كان للنظام السوري الرصيد الأكبر منها، ولكنها لم تقتصر عليه إنما شملت هذه الانتهاكات مناطق شمال غرب سوريا أيضاً ومناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية.
وفي بيان مشترك أطلقته منظمات حقوقية منها رابطة المحامين السوريين الأحرار والشبكة السورية لحقوق الإنسان في أواخر تموز الماضي، ذكر فيه المشاركون ضرورة إيقاف الترحيل القسري، وحثوا الحكومة التركية على الالتزام بالمعاهدات والقوانين الدولية المتعلقة باللاجئين.
على المنظمات الدولية والحقوقية توفير الوسائل للاجئين السوريين لتسوية أوضاعهم القانونية دون الحاجة لدفع مبالغ ليس لهم بها طاقة.
كما يجب عليها التحرك بشكل أكبر وعملي وفعال لحماية حقوق ما يزيد على ثلاثة ملايين لاجئ سوري معرضين للترحيل إلى مناطق النزاع المسلح، الخالية من أدنى معايير الحياة.
“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان”