الرئيسية / مجتمع واقتصاد / مجتمع / مواد مجتمعية مختارة / نصب واستغلال وتحرش.. لا قوانين تحمي حقوق اللاجئات السوريات العاملات في تركيا
سوريات يعملن في الزراعة - صدى الشام

نصب واستغلال وتحرش.. لا قوانين تحمي حقوق اللاجئات السوريات العاملات في تركيا

هاديا المنصور

تضطر الكثير من اللاجئات السوريات في تركيا للبحث عن عمل يمكن من خلاله تأمين احتياجاتهن الأساسية، خصوصاً في ظل انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي والغلاء الملحوظ الذي تبعه لشتى أنواع السلع والأغذية، ليكون طريق البحث ومباشرة العمل محفوفاً بأنواع الاستغلال وعمليات النصب والتحرش الجنسي.

إذ أرغمت الكثيرات على مصارعة الأزمات وتأدية أدوار متعددة، وتولي مهمة تأمين متطلبات المعيشة لعائلاتهن في ظل الهروب من الحرب واللجوء، حيث دفعت الحرب السورية وفقدان معيل العائلة أو إعاقته، مئات النساء للتوجه للعمل بمهن مختلفة، وغالباً ما يعملن لساعات طويلة بأجور قليلة لا تتناسب مع غلاء كافة المواد الغذائية والاستهلاكية في الأسواق.

وتركزت أعمال اللاجئات السوريات في تركيا على أعمال المياومة كالتنظيف في المنازل والعمل في الأراضي الزراعية وقطف المحاصيل، أو في المقاهي أو مراكز الحلاقة والمطاعم، مقابل أجر لا يتعدى 300 ليرة تركية أي ما يعادل 10 دولار أمريكي.

وتفتقد اللاجئات العاملات إلى الأوراق القانونية التي تمنحهن شرعية للإقامة والعمل في البلاد، ما يتركهن فريسة لأرباب العمل والمتحرشين.

لم يمض وقت طويل على عمل اللاجئة مريم العبدو (33 عاماً) في إحدى معامل الغزل والنسيج كمستخدمة، لتغادره خالية الوفاض بعدما تعرضت للتحرش والطرد من قبل أرباب العمل، دون أي أجر أو تعويض.

تقول مريم أنها قررت الانطلاق والبحث عن فرصة عمل ومصدر للرزق في مدينة اسطنبول التركية، مدفوعة بالحاجة لمساعدة زوجها المريض بالسكري والضغط بالمصروف الكبير الذي لم يعد عمله في إحدى ورش النجارة يكفي لتغطية كافة النفقات، فما كان منها إلا مباشرة البحث عن عمل تعيل فيه أبنائها وتساعد به زوجها.

وتضيف لصدى الشام أن” إيجار المنزل مرتفع، ولدينا ستة أبناء صغار بحاجة لغذاء ونفقات تعليم، ولم يعد عمل شخص واحد في العائلة كافيا لتغطية نفقاتها بعد الغلاء الكبير”.

وتابعت” بدأت العمل بحماس رغم مشقته وساعاته الطويلة، حتى أنه كان يتم إجباري في بعض الأحيان للمناوبة ليلاً وإلا أهدد بالطرد من العمل، ورغم تدني الأجور التي لم نكن نحن السوريات لنعترض عليها لعدم وجود البدائل بسهولة، كنت احتمل الأمر، لكن الأمر وصل إلى حد تعرضي للتحرش من أرباب العمل وحين مانعت الأمر تم طردي بلا تردد”.

لم تستطع مريم أن تخفي تأثرها لما تعرضت له من مظلمة، لكنها آثرت السكوت وعدم الإبلاغ لخوفها من الترحيل، وتقول إن الفقر والحاجة هو السبب وراء استغلال حاجة اللاجئات المادية من قبل أصحاب العمل، ودعت الجهات الأممية لزيادة الموارد المالية المخصصة للمساعدات الإنسانية للاجئات في تركيا اللواتي يفتقدن الأمان والعدالة.

أما سارة الحاج موسى (29 عاماً) فهي اختارت العمل في الأراضي الزراعية لخبرتها السابقة في العمل الزراعي، ولعدم امتلاكها أي شهادات أو خبرات أخرى.

وتفتقد سارة المعيل بعد طلاقها من زوجها، الذي تزوج بأخرى وغادر المنطقة دون أن يتحمل مسؤولياته اتجاه أبنائه الثلاثة، الذين كانوا وأمهم في حال مادي” تحت الصفر “وهو ما دفع سارة للعمل من أجل الإعالة بنفسها وأطفالها.

وشكلت ساعات العمل الطويلة ضغطاً مضاعفاً لسارة التي اضطرت لترك أطفالها بمفردهم في المنزل رغم أن أكبرهم لم يبلغ التاسعة من عمره، مقابل أجرة لا تتعدى ال 200 ليرة تركية في اليوم، أي أقل من 10 دولارات أمريكية.

حاولت سارة المطالبة بزيادة أجرتها التي لم تعد تكفي لشراء أبسط احتياجات أطفالها، لكن مطالباتها كلها قوبلت بالرفض من جانب صاحب الأرض الذي طالبها بترك العمل في حال لم تكن راضية بالأجر.

وترى سارة أن العمل مقابل أجر قليل يبقى أفضل من “البقاء بلا عمل” في ظل عدم وجود جهة تدافع عن حقوقهن وتمنع التضييق المفروض على عمل اللاجئة السورية في تركيا.

تبدو سارة راضية بما تحصل عليه من قوت في نهاية اليوم، رغم كل الصعوبات مقابل التخلص من الأيادي التي تحاول استغلال جسدها، على حد تعبيرها.

وكذلك الحال بالنسبة لحسناء البجري (35 سنة) وهي أم لطفلين قتل زوجها في سوريا بقصف قوات نظام الأسد على قريتها بلين، وخرجت إلى تركيا بصحبة ولديها بطرق التهريب منذ قرابة السبع سنوات باحثة عن حياة آمنة لها ولأبنائها.

تقيم حسناء في أنطاكيا التركية وتعمل في الأراضي الزراعية منذ ذلك الحين مقابل أجر لا يتعدى ال 11 دولار في اليوم، وهي لا تكاد تكفيها لدفع ثمن إيجار الغرفة التي تقيم فيها، وكثيراً ما تضطر لترك عملها تحت ضغط صاحب الأرض التركي الذي يرفض وجود طفليها معها أثناء العمل بينما لا تملك رفاهية تركهما مع شخص ما للاعتناء بهما.

لم تنته رحلة البؤس والاستغلال في العمل مع حسناء التي تشكو العمل في ظروف مهينة تفتقر إلى الحماية، وكثيراً ما تتعرض للشتائم وعمليات النصب في عملها ذاك، إضافة إلى أنها تواجه صعوبة تحصيل أجرها اليومي، ذلك أن المشرف على العاملات في الورشة يتأخر في دفع أجورهن في أغلب الأحيان، كما يجبرهن على تعبئة الخضار وتحميلها دون مقابل ويطرد أي عاملة لمجرد التأخر أو الغياب عن العمل.

وأشارت إلى أنها تنطلق مع ساعات الفجر الأولى من كل يوم، وتستقل الحافلة المخصصة لنقل العاملات إلى مكان العمل وتستغرق نحو ساعة للوصول إلى الأراضي الزراعية، ويتركز عملها في زراعة أصناف الخضار إلى جانب أعمال التعشيب والقطاف وتقليب التربة، للتعرض بعد كل ذلك لعمليات النصب لمجرد مطالبتها بالأجرة.

لا تفكر حسناء بتقديم أي شكوى خوفاً من التعرض للترحيل كونها تعمل بشكل غير رسمي وبلا إذن عمل، فعدم إبرام عقود عمل رسمية بين العاملات وأرباب العمل يضعهن في” موقف حرج ويجبرهن على القبول بأي فرصة عمل تكفيهن العوز رغم الظلم والإجحاف”.

مخاوف من الشكاوى

المحامي علي الرشيد الحسن

من جهته قال المحامي علي الرشيد الحسن رئيس هيئة القانونيين السوريين للعدالة وحقوق الإنسان أن معظم اللاجئات السوريات يعملن خارج القانون (مخالفات) لأن القانون يتطلب من رب العمل عند تشغيل أي عامل تأمين صحي “سيكورتا” للعمال وهو ما يتهرب منه رب العمل الذي يلجأ لتشغيل اللاجئات بسعر أقل ودون أي مراقبة قانونية وهذه الحالات تتم بشكل عام.

وأشار إلى وجود بعض الحالات الاستثنائية التي تعمل ضمن الحماية القانونية من تسجيل وسيكورتا وضمن الحد الأدنى للأجور ولها حماية قانونية ويمكنها أن تطالب بحقوقها كاملة، لكنها استثناء قليل جداً ومعظم السوريين ذكور وإناث كبار وصغار يعملون بشكل مخالف نظراً للحاجة المتزايدة وغلاء المعيشة في تركيا وخاصة بعد جائحة فيروس كورونا كوفيد- 19.

ولم يعلم المحامي الحسن طيلة مدة إقامته في تركيا أو يسمع عن أي دعوى رفعت من عاملة تطالب بحقوقها، لأن من يعملن ضمن القانون عددهن” قليل ومحدود جدا”.

وقال الباحث الاقتصادي يونس الكريم لصدى الشام أن اللاجئين واللاجئات في تركيا يعانون من صعوبات كثيرة، ذلك أن تركيا لا توصف السوري على إنه لاجئ، إنما تصفه بأنه بحكم حماية مؤقتة التي تعني أن لتركيا الحق في إعادته إلى بلده ما إن تحسنت الظروف بغض النظر عن رأي السوري بخطورة الأحداث وملائمتها له، والحماية المؤقتة لا تتعدى كونها بطاقة تعريفية للإقامة.

وأكد أن النساء عموماً في تركيا يفتقدن الحصول على حقهن بشكل أكبر من غيرهن، لضعفهن وتعرضهن للتهديدات الصارخة، كالتحرش والكثير من القضايا التي تجعل هؤلاء النساء أكثر عرضة للانتهاك، خاصة أنه لا قانون يحمي وجودهن في تركيا أسوة بغيرهن من النساء المواطنات، وبالتالي تشعر هؤلاء بأن أي وصول للقانون قد يأخذ مداه إلى الترحيل.

الباحث الإقتصادي يونس الكريم

وتابع أن الأتراك غالباً ما يفضلون اللاجئين السوريين للعمل بمشاريعهم لأنهم أقل تكلفة من العمالة التركية ولا يوجد قانون يحميهم عند المطالبة بحقوقهم، كما أن معظم السوريين بما فيهم النساء تحت الحماية المؤقتة يعملن في ظروف قاسية دون تأمين، هذا الأمر ينعكس أكثر على النساء وخاصة وأن معظم الأعمال التي يطلبها الأتراك من العمال السوريين هي أعمال تحتاج إلى بنية عضلية قوية، وبالتالي تضعف فرص هؤلاء اللاجئات بالحصول على فرص عمل وإن وجدت أعمال يتم استغلالهن بالأجور.

ومن هنا أوضح الكريم أن حجم العمالة من السوريات تحت الحماية المؤقتة لا تذكر مقارنة بالسوريين تحت الحماية المؤقتة من الذكور، وهي لا تتجاوز ال15 ٪، إضافة إلى أن طبيعة الأعمال تتراوح ما بين أعمال التنظيف أو أعمال مكتبية كالسكرتاريا إضافة إلى أعمال “خدمات سياحية” وهي ” إجبار  السوريات تحت الحماية المؤقتة  على ممارسة تجارة بيع الجسد نتيجة الفقر والحاجة إلى عمل، وهذا مؤشر واضح أنه لا قانون يحمي السوريات هناك ويكشف عمليات استغلال واضحة وفاضحة، إذ أن مؤسسات الدولة التركية تعيق وصول العمالة السورية والمستثمرين بمن فيهم من هم تحت الحماية المؤقتة من الحماية القانونية وخاصة إذا كان الخصم مواطن تركي.

ويرى الكريم أن عدم وجود قانون ينظم هذه العمالة لاسيما النساء الهاربات من الحرب، يعود للرغبة السياسية التركية بتأمين العمالة لطبقة رجال الأعمال بأجور أقل وجهد أكثر، وهذا الأمر يجعل هؤلاء التجار والصناعيين موالين للطبقة السياسية التي تؤمن هذه القوانين وتغض النظر عنها وتستمر بمنحها، ومن هنا بات الأمر سياسي أكثر منه أمر اقتصادي أو قانوني.

ويشرح الكريم أن عمل السوريين في تركيا يصنف ضمن العمالة السوداء التي تقضي بدورها على العمالة البيضاء، لأن أرباب العمل يفضلون العمالة السوداء، لدرجة أن تواجدها بالقطاعات الاقتصادية بتركيا تتراوح  بين 20 إلى 80 % على العمالة البيضاء بحسب القطاع ومكان إقامة المنشآت، ما يفقد الدولة إضافة للأموال الكثيرة، المهنية بتقديم الخدمات، خاصة في مجالات تعتمدها الدولة بشكل أساسي كالسياحة والصناعة، لأن العمالة السوداء هي عمالة مؤقتة لا يمكن توظيفها، ما ينتج عنه عدم الاستقرار الصناعي أو السياحي بتركيا نتيجة عدم وجود قوانين واضحة.

ويختتم الكريم حديثه أن العمل بأجور منخفضة ينعكس أولاً على انتشار الأمراض نتيجة الجهود المبذولة مقابل عدم القدرة على الحصول على الرعاية الطبية والصحية، وعدم التأمين يمعن في شعور هؤلاء دائماً بأنهن مستغلات فيكون الولاء للعمل أقل ثانياً، كما أن العمل بهذه النمطية هو عمل بالغ السوء، إذ تعتبر الدولة التركية ومؤسساتها هي الخاسر الأكبر أكثر من اللاجئين ثالثاً، وبالنسبة للاجئين تفقد القضية السورية زخمها مع انشغال السوريين بأنماط الحياة والهروب من الأمن التركي والترحيل وعمليات الاستغلال ما يجعل السوريين غير مرتبطين بقضيتهم في محاولة للبقاء على قيد الحياة، وهذا ما اعتبره كريم أسوأ عملية اغتيال سياسي للقضية السورية.

وعلقت المرشدة الاجتماعية علا الحسين على الصعوبات التي تواجهها اللاجئات السوريات العاملات في تركيا بالقول، إن اللاجئات السوريات يواجهن تحديات كبيرة في سبيل سعيهن للحصول على فرصة عمل مناسبة في تركيا، أهمها القيود المفروضة على الحركة والانتقال، القيود القانونية، ظروف العمل السيئة وانخفاض الأجور وعمليات النصب، وقد تتعرض اللاجئات للعنف والمضايقات بسبب عدم وجود أنظمة رسمية لإحالة هذه الحالات للتحقيق، والخوف من أن يؤثر ذلك سلباً في مسألة إقامتهن، ولذا تعزف الكثيرات عن البحث عن عمل وتعتمد على المساعدات الإنسانية المحدودة لتلبية احتياجاتهن الأساسية.

ودعت الحسين الدولة التركية لتحقيق المرونة في إصدار تصاريح العمل لمساعدة اللاجئات في الحصول على وظائف ملائمة في قطاعات عدة، وتوفير الحماية لهن، كما طالبت بتشكيل فرق لتوعيتهن بغية منع تعرضهن للاستغلال وتدريبهن على مهارات الدفاع عن النفس وتوفير تمويل لمشاريعهن وتدريبهن على بعض الأنشطة والمهن، بخاصة أن معظمهن يعانين من مشكلات نفسية ومادية واجتماعية بسبب ما مررن به من صعوبات وأزمات.

 

“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان”

شاهد أيضاً

فيديو: واقع الخدمات الصحية للنساء السوريات في تركيا

إعداد: هبة النائب “تم إنتاج هذا الفيديو بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان”

المرأة الريفية اللاجئة ومخاطر التغير المناخي

ميسون محمد يُعدّ التغير المناخي واحداً من أبرز التحديات الخطيرة التي تواجه البشرية اليوم، فقد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *