مع الألم الشديد أسفل الظهر والنزيف الذي لم ينقطع لساعات مشت عفراء ساعتين ونصف الساعة في صباح يوم شتوي بارد على الطريق الواصل بين مخيم “الإخلاص” والمركز الصحي في كفردريان بريف إدلب الشمالي لتعلم بنبأ وفاة جنينها الذي حملته قبل نحو ثلاثة أشهر. “قالت لي الطبيبة إن نجاته كانت ممكنة لو وصلت عند بدء الألم ولكني تأخرت بسبب بُعد المركز وعدم توفّر واسطة نقل تأخذني”، قالت الشابة لـ موقع تلفزيون سوريا متحدثة عن حالة إجهاضها الأولى والتي تبعتها بعد أشهر قليلة خسارة جديدة لطفل آخر لم تكتب له النجاة. أنجبت عفراء طفلين بعد علاجها من حالة صحية تسمى “جرثومة الحمل” وكانت المسؤولة على حد قولها عن خسارتها للأجنة، لكن اعتمادها على الحد الأدنى من التداوي، نتيجة عدم قدرتها على تأمين أي دواء موصوف غير مجاني، جعلها في حالة من “الضعف” المستمر، انتقل إلى طفليها الرضيعين. آلاف السوريات خضن تجربة الحمل والولادة في مخيمات النزوح، وقد تواصل موقع تلفزيون سوريا مع عدد منهن تحدثن عن انعدام الراحة ونقص الغذاء والدواء ومخاطر مستمرة للأمهات والأطفال على حد سواء. خدمات “غير كافية” بعد سنة وخمسة أشهر على وضعها لطفلها ما زالت أمينة تعتمد في توازنها وقوتها على الفيتامينات التي توزعها المنظمات الإغاثية في المخيم الذي تقيم فيه. كانت تجربة الولادة الأخيرة هي “الأصعب” بين ولاداتها الأربع، حسبما قالت الأم البالغة من العمر 36 عاماً. كانت الولادات الثلاث الأولى في “عهد ما قبل النزوح”، وامتازت بقدرة الوالدة على زيارة الطبيبة التي تفضل، أما الآن فتفرض صعوبة التنقل وضعف القدرة المادية الاعتماد على المراكز الصحية المجانية الأقرب والتي لا تتوافر بها الأدوية المطلوبة على الدوام، بحسب أمينة التي أضافت بأنها اعتمدت على وسائل منع الحمل كي لا تكرر تجربتها ضمن المخيمات. تجربة أسيل، البالغة من العمر 23 عاماً، لم تكن أفضل. إذ خسرت طفلها بعد شهر من ولادته، لسوء العناية الطبية التي حصلت عليها في المراكز المجانية ونقص التشخيص المبكر لحال الجنين، لكنها تصف أسوأ لحظاتها بحادثة أخرى خشيت خلالها على وفاة طفل جديد نتيجة الولادة المبكرة، فتقول: “سألت الطبيبة عن فرص نجاة الطفل لكنها لم تطمئنني ولا حتى بكلمة طيبة أو تمنٍ بالنجاة”. وأشارت إلى أن “مجانية” العلاج تقود إلى سوء التعامل. نقص الخدمات الطبية المتوفرة والضغط الناتج عن ازدحام المنطقة بالسكان وتراجع أعداد المختصين يقود لتبني ممارسات ضارة بالصحة مثل تأجيل زيارات الرعاية الأساسية والتخلي عن تناول الأدوية، وهو ما له آثار سلبية “بعيدة المدى” على صحة النساء، والمقيمات في المخيمات من ضمن الأكثر تضرراً، حسبما توصل تقرير صدر في آذار الماضي، قدمته منظمات طبية عاملة في شمال غربي سوريا بعنوان “هي من تدفع أغلى ثمن”، درس تأثير الصراع على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية في المنطقة. وأوضحت مسؤولة الصحة الإنجابية في مديرية صحة إدلب، بتول الخضر، أن الفيتامينات الخاصة بالحوامل “موجودة ولكنها غير كافية”، مع توفرها بنسبة 80 بالمئة ضمن المراكز الصحية العاملة في المنطقة. وقالت لموقع تلفزيون سوريا إن نقص المساعدات قد يؤدي إلى توقف منشآت ومراكز صحية جديدة عن العمل وهو ما قد يزيد من نسبة الولادة المنزلية غير المعقمة والصحية والتي تزيد من خطر الإصابة بالإنتانات لدى حديثي الولادة والأمهات. مخاطر “الولادة والعناية المنزلية” ترتفع في المخيمات، بحسب شهادة الأمهات اللواتي تحدثن عن انتشار الحشرات ونقص خدمات النظافة اللازمة لحماية حديثي الولادة، ومصاعب استخدام الحمامات المشتركة والاستلقاء على الأرض القاسية وابتعاد أسرهن نتيجة النزوح ما يترك مسؤولية حماية الأطفال والعناية بهم على عاتق النساء الضعيفات جسدياً بعد الولادة. خوف على المستقبل حذرت منظمة “Save the Children” في تقرير صدر في أيار الماضي، من مخاطر ارتفاع نسب انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية على صحة الأطفال والأمهات في سوريا، وذكرت أن النساء المصابات بسوء التغذية يواجهن خطر الإجهاض وفقر الدم وحتى الوفاة خلال الولادة، مع احتمال الولادات المبكرة ومعاناة الأطفال من التقزم في حال نجاتهم وبقائهم عرضة للأمراض والوفاة عند الإصابة بأمراض كالكوليرا، التي تنتشر بتزايد في المنطقة منذ أيلول الماضي.
شاهد أيضاً
تحقيق: هكذا تورط الاتحاد الوطني لطلبة سورية في قمع وتعذيب الطلاب بعد 2011
أكد تحقيق أجراه المجلس السوري- البريطاني تورّط الاتحاد الوطني لطلبة سورية في مجمل عمليات القمع …
الناجون من سجون الأسد… أموات على قيد الحياة
على الرغم من نيل معتقلين سوريين حريتهم إلا أنهم لا يعتبرون أنفسم ناجين، إذ يترك …