بالتزامن مع زلزال تركيا وسوريا تصاعد جدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، بين من يرى أن هذه الكوارث الطبيعية هي ابتلاءات أو عقوبات من الله عز وجل، فيما يؤكد آخرون أنها مجرد كوارث لها أسباب عدة من بينها التغير المناخي وغيره. ووسط هذا الجدل حول الكوارث الطبيعية يظهر تاريخ هذه الكوارث أنها ضربت دولا إسلامية وغير إسلامية.
ويؤكد أستاذ فلسلفة الأخلاق في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة، معتز الخطيب وجود هذا الجدل في الخطاب الإسلامي بحديثه عن منظورين، الأول يلح على فكرة العقوبات وأن الظواهر الطبيعية من أعاصير وزلازل وبراكين هي عقوبة إلهية لمن وقعت عليهم بسبب شركهم ومعاصيهم، بينما يرى الثاني أن هذه الظواهر مرتبطة بمفهوم الابتلاء وهو دلالة على القرب من الله أو محبته.
ويصف المنظور الأول بالقاصر لأنه يقارب الابتلاء على أنه فقط عقوبة، وهذا اختزال لمفهوم الابتلاء الواسع ولسوء تأويل نصوص القرآن والحديث الشريف.
وعن نظرة العلم المادي لحدوث الكوارث والرؤية الدينية أو رؤية العلم الشرعي لتلك الظواهر، يركز الخطيب في رده على أن المشاكل والتغيرات المناخية التي تصيب الطبيعة هي بفعل الإنسان وبالتالي هو مسؤول عنها، مشيرا إلى أن بعض الظواهر يمكن التنبؤ بها، فمثلا علميا يتم تحديد مركز الزلازل ويعرف علماء الجيولوجيا المناطق المعرضة أكثر للزلازل ويتوصلون من خلال دراستهم إلى نتائج علمية.
وحول الأسباب العلمية لحدوث الزلازل، يضف أستاذ الجيولوجيا في الجامعة الهاشمية بالأردن، أحمد ملاعبة الكوارث الطبيعية بالمحيرة جدا لأنها تنقسم إلى قسمين، قسم يمكن التنبؤ به وقسم لا يمكن التنبؤ به مطلقا، وليست هناك منطقة بمأمن من خطر الكوارث الطبيعية مثل البراكين والزلازل والجفاف وتسونامي، فالزلازل لا تعطي أي فرصة للتنبؤ بها، لكن البراكين يمكن تلافيها بالابتعاد عنها.
وعبر العصور ربط العلماء وأهل التفسير في الأديان المختلفة الكوارث الطبيعية بسوء أخلاق الناس وبأن العذاب يأتي لهذا السبب، في حين أن العلمانية بدأت تتحرر من هذه الفكرة بحجة أن الكوارث الطبيعية يتعرض لها على السواء الأتقياء والبعيدون عن التدين، كما يؤكد ملاعبة.
أهمية الدعم النفسي لضحايا الزلزال
وعن مصير ضحايا الزلزال وهل يمكن اعتبارهم شهداء، يؤكد أستاذ العقائد في كلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية، عامر الحافي في مداخلته ضمن حلقة (2023/3/8) من برنامج “موازين” أن القطع والحكم على مصائر العباد بعيدا عن الكوارث والزلازل ليس مرده للإنسان، وأن قسمة الرحمة وتوزيع العذاب خارج نطاق صلاحية الإنسان، والرحمة الإلهية تتسع لكل المخلوقات.
ويعترض على تفسير الظواهر الطبيعية بعيدا عن القوانين التي خلقها الله، فالطبيعة ليست ضد الدين، والقانون الطبيعي ليس بديلا عن الوجود الإلهي والإيمان بالله، معتبرا أن العلوم الطبيعية هي جزء من معرفة الحقيقة الدينية التي تتم من خلال الآيات الكونية التي يقول العلماء إنها كتاب الله المنظور.
وعن السنن الكونية الثابتة يعطي مثالا ببعض الصحابة الذين أتوا الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا له: “كسفت الشمس لوفاة إبراهيم” فرد عليهم قائلا: “إن الشمس والقمر من آيات الله لا تكسفان لموت أحد”.
وعن الدور الإنساني في العمل الإغاثي، يشيد رئيس مركز الكويت لتوثيق العمل الإنساني (فنار)، خالد الشطي بالشعوب العربية والإسلامية التي يقول إنها استطاعت أن تقدم نموذجا لإغاثة ضحايا زلزال سوريا وتركيا دون النظر للجنس أو الدين، في حين أحجمت منظمات إغاثية أممية لطالما تغنت بحقوق الإنسان عن تقديم المساعدات لضحايا الزلزال.
وحول الجدل الذي أثير حول أولوية التبرعات وهل تقدم للمسلمين وغير المسلمين، يركز الخطيب على أهمية الدعم النفسي للمصابين عند حدوث الكوارث، وهذا الجانب مرتبط بخلقين أساسيين في الشريعة الإسلامية، الصبر والتسليم بقدر الله خيره وشره والرضا بمعنى أن يقول المصاب “الحمد الله”. كما يشير إلى واجب الصدقة عند حدوث المصائب.
ومن جهته، يشدد الحافي على حاجة الإنسان عموما إلى الشعور بالتضامن الإنساني، وحاجة الأطفال الذين نجوا من الزلزال إلى الاهتمام والرعاية، ونفس الشيء بالنسبة للمعاقين جسديا.