الرئيسية / مجتمع واقتصاد / مجتمع / مواد مجتمعية مختارة / نساء سوريات يمتهن الزراعة في تركيا بظروف صعبة والنتائج كارثية
سوريات يعملن في القطاع الزراعي جنوبي تركيا - أناضولو

نساء سوريات يمتهن الزراعة في تركيا بظروف صعبة والنتائج كارثية

 

قتيبة سميسم – صدى الشام

فقدت العديد من النساء السوريات قدرتها على العمل بسبب سوء ظروف العمل في القطاع الزراعي في تركيا، وغياب الرقابة بشكل تام نتيجة عمل معظم السوريين في تركيا خارج السجلات الرسمية على الرغم من إمكانية استخراج تصريح العمل وفقاً للقانون رقم 29513 الصادر عام 2014 في الجريدة الرسمية، حيث وصل عدد العاملين السوريين إلى ما يقارب المليون شخص بحسب مركز أبحاث الهجرة المدنية بجامعة أنقرة، ولكن عدد الحاصلين منهم على أذن العمل لم يتجاوز 31 ألفاً و185 شخص بحسب وزارة العمل والضمان الاجتماعي التركية.

مريم شوربجي 43 عاماً، من جبل التركمان في ريف اللاذقية، وتقيم مع عائلتها المكونة من ثلاثة شبان وأبنتها المتزوجة في هاتاي التركية، تقول في حديثها ل ‘صدى الشام‘: نزحت برفقة أسرتي إلى مدينة يايلاداغ في تموز 2012، كنا نعيش في المخيم وكان يمنع علينا الخروج من المخيم حتى عام 2017 حيث بدأنا بالعمل في قطاف الفراولة صيفاً ونتجه في الشتاء للعمل في قطاف الحمضيات، أخرج مع أبنائي الثلاثة وأبنتي لتغطية مصاريفنا اليومية، وجدنا هذا العمل عن طريق السكان المحليين هنا، حيث يجمعون العمال صباحاً قبل الشروق ويعيدونهم بعد الظهيرة، ونعمل ما يقارب الثمانية ساعات حتى العشرة بدون استراحة أو طعام وهذا ما يجده الأطفال صعباً لأنهم لم يعتادوا على البقاء كل هذه المدة دون طعام، حيث نعمل دون أيام عطلة كي لا تفسد المحاصيل.
وتتابع شوربجي: الأجور التي نتقاضاها ضئيلة وهي أقل بمراحل من الحد الأنى للأجور، ما يقارب 180 ليرة تركية لليوم الواحد نشتري فيها احتياجاتنا اليومية، ولا يمكن لأي أحد مننا أن يطالب برفعها لأنهم على علم باننا سنعمل مهما كانت الأجور وإلا سيستبدلوننا بعمال آخرين إن لم نقبل بهذا الأجر، وتشكل السوريات النسبة الأكبر من العاملين بمعدل ثلاثة سوريات مقابل كل امرأة تركية، لا نتعرض لعمليات النصب هنا إنما المماطلة في تسليم الأجور، وفي أغلب الأحيان نأخذ أجورنا بعد عام كامل من العمل كي يضمنوا أن نعمل معهم ضمن شروطهم في العام المقبل.

وهذا ما يتنافى مع المادة 24 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أنه: لكلِّ شخص حقٌّ في الراحة وأوقات الفراغ، وخصوصًا في تحديد معقول لساعات العمل وفي إجازات دورية مأجورة.

وعن عدم حصولهم على التأمين الصحي تقول شوربجي: لا نملك الخيار في مسألة الحصول على التأمين الصحي، لأن أصحاب العمل لا يريدون دفع التأمين أو دفع الضرائب للحكومة والالتزام بالأجور التي تحددها، إنما تسري الأمور بلا أي إجراء رسمي ومن يتعرض لإصابة في العمل لا يتلقى أي شيء، إنما يحرم من أجره في حال غاب عن العمل.
وترفد: يعاني الكثير من اللاجئين هنا من آلام المفاصل والتشنجات العضلية وآلام الظهر، ولكنهم لا يستطيعون التوقف عن العمل كي لا ينقطع مصدر رزقهم، لحسن حظنا أننا نعيش في المخيمات لا ندفع الإيجار ولكننا بحاجة إلى تلك الأجور لتلبية متطلباتنا.

سيدات يعملن في قطاف الفراولة – TRT

أما أم محمد 55 عاماً، والتي نزحت من قرى جبل الزاوية إلى تركيا بحثاً عن مكان آمن للعيش حتى استقرت مع أبنائها في مدينة أضنة، حيث تقول لـ ‘صدى الشام‘: أعمل في الزراعة مع بناتي الأربعة، حيث نذهب لقطاف الليمون والبرتقال منذ 9 سنوات، وصلنا إلى هذه المدينة وبقينا دون عمل لمدة 4 أشهر حتى عرض علينا العمل من قبل سكان الحي الذين كانوا يذهبون لنفس العمل، وكانوا يستقبلون جميع الوافدين من السوريين بهذا العرض، كان الأمر صعب في البداية، ولكننا تعودنا على صعوبة العمل.
وتتابع أم محمد: تعرضنا في بداية عملنا للاحتيال من قبل سيدة تركية وبقي لنا في ذمتها 8 ألاف ليرة تركية، ولكنها استمرت في المماطلة حتى تبين لنا أنها قامت بالاحتيال علينا وسرقت أتعابنا، حاولنا استرداد حقنا عن طريق مكتب الأمم المتحدة والشرطة ولكن لم يكن لدينا أي اثبات كوننا نعمل دون عقود رسمية، ولم نستطع تحصيل أي شيء من المبلغ، اليوم يبلغ عدد السوريين الذين يعملون في هذا القطاع أكثر من ضعفي الأتراك، لأنهم يقبلون بالأجور الزهيدة بسبب حاجتهم للمال، وأستطيع القول بأن جميع النساء السوريات في حينا يعملون في الزراعة.

تنص المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه: لجميع الأفراد، دون أيِّ تمييز، الحقُّ في أجٍر متساوٍ على العمل المتساوي
وتضيف أم محمد: تتعرض الكثير من السوريات في العمل لحوادث وكسور بسبب مشقة العمل، ولكن أصحاب العمل لا يعترفون بأي شيء غير اليومية، فنحن نعمل دون تأمين صحي أو أدنى شروط السلامة، أصيبت ابنة عمي بفتق في العمود الفقري نتيجة للعمل ولم تعد قادرة على العمل، ولكن لم يسأل عن حالها أحد بعد أن أصبحت جليسة المنزل.

المحامية السورية نجلاء حمال

للوقوف على رأي القانون التركي في ممارسات تحميل العامل فوق طاقته من قبل أصحاب العمل، تقول المحامية السورية نجلاء حمال في حديث لها لـ ‘صدى الشام‘: بموجب عقد العمل، يمكن للأطراف الاتفاق على تحديد ساعات العمل الأسبوعية لتكون أقل من 45 ساعة، في مثل هذه الحالات إذا تم إنجاز العمل بما يزيد عن متوسط ساعات العمل المحددة في العقد، فإن ساعات العمل التي تصل إلى 45 ساعة عمل، يتم تصنيفها على أنها ساعات العمل الإضافي، وعندما يعمل الموظف بساعات إضافية، يتم رفع الأجر المدفوع لكل ساعة إضافية بنسبة 25٪ من معدل العمل العادي لكل ساعة، وإذا كان الموظف يعمل لأكثر من 45 ساعة في الأسبوع، فسيتم تطبيق حساب “الأجر المفرط والمرهق” فالعمل المرهق يكون في أوقات القوة القاهرة أو الطوارئ أو العطل الفني أو الأمور العاجلة أو إذا كانت هناك ظروف استثنائية أو قاهرة، قد يطلب صاحب العمل من جميع الموظفين أو جزء منهم العمل لساعات إضافية.

وترفد حمال: في الحياة العملية، عندما يعمل الشخص لأكثر من 45 ساعة في الأسبوع، والذي يعرف باسم العمل المرهق وحتى إذا لم يتم استيفاء فترة العمل البالغة 45 ساعة، يتم عادة توزيع فترة العمل البالغة 45 ساعة بالتساوي على مدار أيام العمل في الأسبوع. ومع ذلك، وبموافقة الطرفين، يجوز للموظف الموافقة على العمل 11 ساعة في يوم العمل الواحد، ويتم احتساب الأجر لكل ساعة تتجاوز 45 ساعة من خلال الدفع للموظف أكثر بنسبة 50% من معدل العمل العادي للساعة الواحدة.

وعن المعوقات التي تمنع السوريين من العمل بعقود ضمن السجلات الرسمية، تقول حمال: بشكل عام يتم فرض هذا الأمر من قبل أرباب العمل وحسب ما نلاحظه أن هذا يتوافق مع رغبة العاملات بسبب الخوف من وقف مدفوعات المساعدات مـن السلطات المعنية اضافة إلى صعوبة الاجراءات وعدم توفر الأوراق الرسمية المطلوبة للحصول على إذن العمل، إضافة إلى مشاكل لها علاقة بإلغاء بطاقة الحماية المؤقتة لعدة أسباب.

وتضيف: أيضاً من المهم أن ننوه إلى أن تصريح العمل يمنح للسوريين بموجب الكملك ويختلف عن إقامة العمل بموجب الإقامة، حيث تم وضع قوانين خاصة بتصاريح العمل للأجانب الذين حصلوا على الحماية المؤقتة بسبب حالة الحرب وفق القانون رقم 29594 /2016 وبموجبه لا يمكن للأجانب تحت الحماية المؤقتة العمل دون تصريح، او إعفاء من العمل (يتيح لهم العمل فقط في الأعمال الزراعية أو تربية المواشي)، ويجب التقدم على تصريح العمل في المدينة المسجل فيها تحت نظام الحماية المؤقتة وهذا ما يخلق عوائق في ايجاد فرصة عمل، إضافة إلى أنه من شروط الحصول على إذن العمل، ألا تتجاوز نسبة العمال السوريين 10%من عدد العمال الأتراك في مقر العمل، وهذا ما يجعل فرص العمل محدودة للسوريين.

يتم تسجيل عمال القطاع الزراعي في مكتب خاص بهم في البلدية مع ذكر كافة التفاصيل ويعد هذا بحكم السيكورتا أو إذن العمل من اجل المطالبة بالتعويضات في الدعاوي العمالية

وفي حديثها عن العقوبات القانونية للعمل خارج إطار السجلات الرسمية بدون تأمين صحي، تقول حمال: يفرض القانون التركي الجديد للقوى العاملة الأجنبية عقوبات على كل من صاحب العمل والموظف الأجنبي، حيث يتم تفتيش موقع العمل من وزارة العمل والضمان الاجتماعي، في أي وقت ودون سابق إنذار أو سبب، اضافة للغرامات النقدية حيث يغرم الموظف الأجنبي الذي يعمل بدون تصريح عمل بمبلغ 3527 ليرة تركية، ويغرم صاحب العمل بمبلغ 8821 ليرة تركية عن كل موظف أجنبي يعمل بشكل غير قانوني، كما يغرم بمبلغ 7057 ليرة تركية على الأجنبي الذي يعمل لحسابه الخاص دون تصريح عمل مع إغلاق مكان عمله إضافة إلى قرار الترحيل بالنسبة لحاملي الحماية المؤقتة.

يمكن للعاملات الذين تعرضوا للحوادث أثناء العمل أن يطالبوا بحقوقهن حتى ولو كانوا يعملن دون إذن عمل وذلك بإجراء تثبيت وضعية بعد تقديم الثبوتيات من خلال دعوى قضائية، ولكن بعد دفع الغرامة المتعلقة بالعمل دون ترخيص.

الطبيب السوري أحمد مجيد

وعن المشاكل التي تواجه النساء السوريات العاملات في القطاع الزراعي، يقول الطبيب احمد مجيد في حديثه لـ ‘‘صدى الشام‘‘: تعمل معظم النساء السوريات في القطاع الزراعي في أماكن بعيدة عن المراكز الصحية والذي ينجم عنه التأخر في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة في حال التعرض لحوادث أثناء العمل وهو ما يقد ينتج عنه إعاقات دائمة، وغياب التأمين الصحي بسبب عمل أغلبهم بما يسمى بالسوق السوداء عن طريق اشخاص ومعارف دون التسجيل بشكل رسمي في سجلات الدولة مقابل أجور زهيدة بأقل من الحد الأدنى للأجور، كما أن جمع النساء من منازلهن في سيارات ونقلهن لأماكن العمل بشكل مزدحم ينتج عنه المساهمة في نقل العدوى فيما بينهن، ويؤدي إلى زيادة التهابات المجاري التنفسية.

ويتابع مجيد: أيضاً العاملات في مجال القطاف معرضات بشكل مباشر لالتهابات المفاصل الشديدة وكثير منهن ممن يصطحبن بناتهن القاصرات حيث يضطرون إلى تسلق الأشجار من أجل جني محصولها ما يعرضهن للسقوط وهذا ما يؤدي إلى العديد من الكسور والرضوض، كما أن العمل في مجال غرس البذور ورعايتها في الأرض وبسبب الانحناء المستمر لساعات طويلة سيؤدي إلى آلام عضلية شديدة وآلام في المفاصل، كما أن تلك الفتيات ستضطر بسبب هذا العمل للابتعاد عن المدارس والتعليم.

ويردف: ساعات العمل الطويلة سواء في أيام الشتاء ستسبب التهابات مجاري تنفسية حاد بسبب الظروف المناخية والبرد القارص في الأماكن الزراعية بينما العمل صيفاً يعرض العامل في مجال الزراعة إلى ضربات الشمس واللدغات من الحشرات وبعض أنواع العناكب التي تعيش بين الأشجار والمحاصيل الزراعية وقد تؤدي هذه اللدغات إلى أمراض شديدة جداً قد تكون مميتة.

ويختتم الطبيب أحمد مجيد لافتاً إلى أن عمل النساء البالغات وبسبب حاجتهم لارتداء الملابس القاتمة لساعات طويلة وعدم تعرضهن لأشعة الشمس سيؤدي الى نقص فيتامين د عندهن وسيسبب مشاكل في الحمل والرضاعة وللأطفال حديثي الولادة الذين سينجبونهن وفي الحالات العمرية الكبيرة سينجم عنه هشاشة عظام وبسبب الانحناءات خلال اليوم سيسبب ضغط شديد على العمود الفقري سيؤدي الى حدوث فتوق في العمود الفقري والديسك ومشاكل في التبول وحرقة في أسفل القدمين والآم المفاصل والعظام.

فيما يقول الطبيب لؤي تركمان في حديثه لـ ‘‘صدى الشام‘‘: تعتبر النساء أكثر عرضة لأمراض العظام التنكسية نسبة إلى الرجال ويفسر ذلك أسباب عديدة منها التبدلات الهرمونية التي تحدث في جسم المرأة كل شهر، أيضا يضاف إلى ذلك الحمل والإرضاع لا سيما إن كانت حمولات متكررة، حيث يستنزف الجنين أثناء الحمل والرضيع في فترة الإرضاع مخازن الكالسيوم في عظام أمه فضلا عن حمله طوال تسعة أشهر، ما يجعلها أكثر تعرضا للإصابة بأمراض المفاصل التنكسية وانقراص الفقرات(الديسك)، كما يزيد هشاشة عظام الأم ما يجعلها تتعرض لكسور من خلال إصاباتٍ ربما كانت لن تتسبب بتلك الأذية لو تعرض لها الرجل.

ويضيف تركمان: وعلى ذلك فإن عمل المرأة في مهام شاقة في ظروف جائرة مثل الزراعة وجني المحاصيل الزراعية لساعات طويلة يزيد فرصة حدوث الأمراض والمخاطر المذكورة سابقا، ولربما يجعلها بحاجة ماسة إلى عمليات لترميم فتق نواة لبية في عمودها الفقري أو مداخلة جراحية لاستبدال مفصل متهتك لم يعد يعينها حتى على المشي وأداء احتياجاتها اليومية.

لا يقع القسم الأكبر من مسؤولية عمل السوريات خارج نطاق العقود الرسمية وبدون ضمان صحي عليهن أنفسهن، فالإجراءات البيروقراطية الصعبة في معظم المراكز الحكومية تحول بينهن وبين حقوقهن وتطلعاتهن، بينما يقع على عاتق المنظمات الدولية والحقوقية جزء كبير من مهمة إيصال أصواتهن التي تسكتها الالتزامات الأسرية.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان

شاهد أيضاً

مقدمات الرعاية الصحية … جهود تطوعية من الممرضات السوريات

ريما العبد في زمن يزداد فيه الحاجة إلى العطاء والتضامن، تبرز جهود الممرضات التطوعية كشعاع …

قصص نجاة .. فتيات سوريات تحدين زواج القاصرات وبنين مستقبلهن

ريما العبد في ظل المجتمعات العربية، تُعد ظاهرة الزواج المبكر واحدة من أبرز التحديات التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *