مزنة العكيدي – صدى الشام
على الرغم من احتضانها لأكبر عدد من اللاجئين السوريين الموزعين في أرجاء العالم، لم تكن تركيا للكثيرممن لجؤوا إليها محطتهم الأخيرة، فغلب على الكثيرين منهم ضعف الشعور بالأمان والاستقرار ما جعلهم يتحدون الموت في طرق الهجرة غير الشرعية بحثاً عن ملجأ يلبي احتياجهم، ولا تتوقف المعاناة على خائضي الرحلات بل تطال عائلاتهم المتروكة تصارع ظروف اللجوء الصعبة دون معين أو معيل بانتظار الوصول للأرض المنشودة.
ثلاث محاولات تهريب فاشلة تنتهي بالسجن
تروي نسرين لموقع صدى الشام قصتها حين قدمت إلى تركيا بغرض العبور منها إلى أوربا تاركة خلفها زوجها وطفلها الرضيع وابنتين من زواج سابق على أمل الوصول إلى وجهتها ولم شمل الأسرة من جديد. ولأن طرق الهجرة غير الشرعية المحفوفة بالمجهول لم تكن رحيمة عليها ولم تفتح لها أبوابها ما زالت نسرين عالقة منذ عامين في تركيا بعد ثلاث محاولات تهريب فاشلة تكبدت فيها عناء السفر والجوع والبرد والسير في الجبال على مدار أيام وبعد أن نجت من موت محتم لمرات عديدة انتهت محاولاتها في الوصول إلى أوروبا بالحبس في سجون اليونان ثم إعادتها إلى تركيا.
وبعد أن يئست من النجاح في الوصول إلى أوروبا تعيش نسرين حالياً في مدينة اسطنبول وتعمل فيها لتقدم لعائلتها المقيمة في سوريا ما يسد رمقهم في ظل الأزمة الاقتصادية وشح الموارد هناك، وتنتظر نسرين “معجزة ” تمكنها من الاجتماع مع عائلتها والتئام شملهم من جديد بعد أن رفضت دعوتها لاستقدامهم إلى تركيا عدة مرات.
بعد أن كانت قد فتحت أبوابها أمام السوريين عقب بدء الحرب في سورية وسمحت لهم بدخول أراضيها دون قيود أو شروط فرضت تركيا في شهر كانون الثاني من العام 2016 تأشيرة دخول “فيزا” ماأثر سلباً على لم شمل العديد من العائلات السورية خصوصاً مع ازدياد صعوبة الحصول على تأشيرة في الآونة الأخيرة.
انعدام الأمان والاستقرار أسباب العزوف عن اللجوء إلى تركيا
على عكس نسرين لم يكن قدوم خلود وعائلتها إلى تركيا بغرض العبور فقط فقتول خلود 38 عاماً إنها قدمت مع أسرتها إلى تركيا وتحديداً مدينة قونيا منذ سبع سنوات بغرض اللجوء والاستقرار فيها بحكم التقارب الثقافي والاجتماعي بينها وبين سوريا إلا أن التضييقات التي يعاني منها السوريون في تركيا وخطاب الكراهية المتصاعد مؤخراً جرهم لاتخاذ قرار الهجرة إلى أوروبا ما دفع زوجها بالمخاطرة في حياته وخوض رحلة الهجرة غير الشرعية قاصداً أوروبا، لتصبح خلود المسؤولة الوحيدة عن 6 أطفال بغياب والدهم.
بعد أن وصل عبدالإله زوج خلود إلى وجهته يستصعب بقاءه بعيداً عن أسرته ويتخوف من أن يخلق سفره فجوة في علاقته مع أطفاله مع ذلك يقول إن سفره كان أمراً لا بد منه مع صعوبة الحياة في تركيا وانعدام شعور الاستقرار وهذا ما جعله يجازف بحياته للوصول إلى أوروبا بعد أن أقام في تركيا لأكثر من ست سنوات.
وفقاً لاستطلاع رأي أجراه موقع صدى الشام شمل 162 مشاركاً ومشاركة من السوريين المقيمين في تركيا أكثر من 95 بالمئة منهم من النساء فإن أكثر من خمسي من المشاركين(43.4% منهم) قيموا مستوى شعورهم بالاستقرار بالضعيف وبنسبة مقاربة كان مستوى الشعور بالأمان حيث يجد (41.6%) من المشاركين أن شعورهم بالأمان في تركيا يعتبر ضعيفاً أيضاً.

عن الصعوبات التي تواجهها خلود كأم مسؤولة عن ستة أطفال تقول إن أولها هوالحالة الاقتصادية السيئة التي تمر بها أسرتها مع توقف مصدر الدخل المادي الوحيد، كما تتحدث خلود عن الأثر السلبي الذي خلفه سفر زوجها على أطفالهم، فتقول إنه كان أوضح واسرع على الصغار منهم ذوي ال2 و4 و7 أعوام خاصة مع غياب وعيهم لسبب مغادرة والدهم المفاجئة، وعلى الرغم من أنها كانت اقل وقعاً على الكبار إلا أنه لم يكن سهلاً على خلود تحمل مسؤولية ثلالثة أطفال في سن المراهقة يمرون بمرحلة تقلب المزاج والميل للتمرد، على حد قولها، وتقول خلود إن ما يزيد الأمر سوءاً هو احتمالية استمرار هذا الوضع لسنوات حتى تحقق لم الشمل.
في لقائها مع موقع صدى الشام تتحدث الخبيرة التربوية والاختصاصية في تطوير الطفل ماريا عكيدي عن العواقب المترتبة على غياب الأب المهاجروتقول إن وجود الأب ومشاركته في العملية التربوية مهم للأطفال بكافة مراحلهم العمرية ولكن قد يكون التعامل مع المراحل العمرية الأصغر أكثر صعوبة خاصة وأن تبرير أسباب الغياب كالبحث عن بيئة أفضل وحياة أكثر راحة قد يكون أعلى من طاقة استيعابهم إضافة إلى أن هذا الغياب غالباً ما يكون غير محدد الأجل.
وعن آثاره السلبية تقول “إن أبرز المشاكل التي يمكن أن يواجهها الأطفال هو تشكل خلل في تكوين مفهوم الأسرة لديهم خاصة أننا نتحدث عن حالة استثنائية غير شائعة ولا تبرر الغياب كما هو الحال عند الموت أوالانفصال”
وتضيف عكيدي أن الضغوطات على الأم قد لا تسمح لها بتكوين علاقة إيجابية مع أبنائها، لذلك تنصح عكيدي بإشراك الآباء في العملية التربوية من خلال التواصل المستمر الذي سهلته شبكات الانترنت، بالإضافة إلى محاولة الحفاظ على سلطته وإشراكه في عمليات اتخاذ القرار.

الزوج سجين في بلغاريا والزوجة تفقد جنينها في تركيا
تحذر الأمم المتحدة في تقاريرها من السفر الغير قانوني من تركيا إلى اليونان/بلغاريا أو الدول الأُخرى بكافة أشكاله وتحدد الانفصال الأسري كأحد عواقبه بالإضافة لعواقب أخرى مثل الاعتقال والاحتجاز، وهذا ما حدث مع زوج فاطمة 23 عاماً حين تركها في تركيا وهي حامل في شهرها الخامس وسلك الطريق البري إلى أوربا في الجبال والغابات وتعرض للاعتقال في بلغاريا قبل أن يفرج عنه ويكمل طريقه الذي استمر لأشهر قبل أن يصل أخيراً إلى النمسا،
ولكن لم تتوقف عواقب فترة الاعتقال على الظروف السيئة التي مر بها زوج فاطمة فقط، فانقطاع أخباره في تلك الفترة أدى إلى انهيارها نفسياً وتدهور حالتها الصحية ما أدى إلى إجهاضها وفقدانها جنينها.
الهجرة غير الشرعية خطر يهدد الحياة وإعادة التوطين كأحد الحلول
ولا تنحصر عواقب الهجرة الغير شرعية بالاعتقال والظروف اللاإنسانية في رحلة اللجوء فلا تشجع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمات الشريكة لها على السفر غير القانوني الذي قد تصل عواقبه إلى الموت لذلك فإن المنظمة الدولية للهجرة تدعو الدول لحماية حق جميع الناس في الحياة من خلال منع المزيد من الوفيات والاختفاء. كما توصي المنظمة جميع الدول بمراجعة تأثير سياسات الهجرة الخاصة بها لضمان الهجرة الآمنة والتقليل من أدنى حد من مخاطر ووفاة المهاجرين أو فقدانهم.
وتحدد تقارير الأمم المتحدة إعادة التوطين على أنه الحل الذي يمكن اللاجئين من الانتقال من بلد اللجوء إلى بلد آخر، وتعمل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين للأمم المتحدة مع الحكومة التركية ومع المديرية العامة لإدارة الهجرة في تركيا لتحديد الحالات الأكثر ضعفا والأفراد المؤهلين لعملية إعادة التوطين، وتتخذ القرارات النهائية المتعلقة بإعادة التوطين من قبل البلدان المستقبلة، وفي حال اختيار ملف ما لإعادة التوطين تقوم المفوضية بالاتصال بالشخص صاحب الملف.
ويمكن للاشخاص الذين يعتقدون أن وضعية ملفهم تستحق المزيد من الاهتمام الاتصال بمركز اتصالات المديرية العامة لإدارة الهجرة على 157 أو على الخط الاستشاري للمفوضية على 68 48 444.
إعادة التوطين حل لا يسد أعداد الراغبين
وفقاً لموقع المفوضية تخضع عملية إعادة التوطين لمعايير صارمة والقليل من اللاجئين فقط يستوفون الشروط حيث يوجد أعداد محدود جداً من أماكن إعادة التوطين المتاحة للمفوضية سنوياً، ويعاد توطين أقل من 1 في المائة من إجمالي اللاجئين في جميع أنحاء العالم.
ولعل هذه النسبة لا يمكن أن تكفل لجميع السوريين الراغبين في الهجرة إلى أوروبا رحلات آمنة تغنيهم خطر المجازفة في طرق الهجرة غير الشرعية خصوصاً مع تزايد الرغبة في الهجرة من تركيا إلى أوروبا، فوفقاً لاستطلاع الرأي الذي أجراه موقع صدى الشام فإن ما يقارب ثلث المشاركين يفضلون اللجوء إلى بلد آخرغير تركيا.

وفقاً لآخر إحصائية لوكالة حماية الحدود والسواحل الأوروبية “فرونتكس” عن أعداد طالبي اللجوء الذين عبروا سواحل وحدود دول الاتحاد الأوروبي عبر الطرق والشواطئ المختلفة خلال العام الحالي 2022، فإن إجمالي عدد طالبي اللجوء السوريين الذين عبروا إلى دول الاتحاد الأوروبي منذ يناير/ كانون الثاني 2022 حتى شهر يوليو/ تموز الماضي بلغ 40 ألفاً و296 شخصاً، منهم 33 ألفاَ و684 عبر طريق غرب البلقان، و3678 عبر طريق شرق البحر الأبيض المتوسط، و2565 عبر طريق وسط البحر الأبيض المتوسط
تنص المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في شقها الأول على حق كل فرد في التماس ملجأ ببلدان أخرى والتمتُّع به خلاصًا من الاضطهاد ومع عدم كفاية إعادة التوطين الذي يعتبر الحل الشرعي الوحيد لحصولهم على هذا الحق ربما كان خوض السوريين لرحلات الهجرة غير الشرعية وتعريض أرواحهم للخطر وتشتيت أسرهم هوالسبيل الوحيد لوصولهم إليه ما يستدعي إعادة دراسة سياسات الهجرة واللجوء دولياً.
تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان