يونس الكريم – باحث اقتصادي
مع تصاعد هجوم وسائل الإعلام الروسية على بشار الأسد وحاشيته ونظامه، تتسرّب تقارير روسية بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بدأ الصداع يأكل رأسه بسبب عمر الحرب السورية المستعصية والتي لا يبدو أنها ستنتهي قريبًا.
ولكن السؤال الأهم، هل تستطيع روسيا انتزاع الأسد من السلطة اليوم بعد أن دعمت نظامه وقضت على معارضته؟
هناك عدّة مؤشّرات تحجّم من قدرة روسيا على إزاحة الأسد، حتّى مع إمساكها بكل مفاصل الحكم في سوريا.
يأتي على رأس هذه المؤشّرات، أن روسيا دمّرت المعارضة السورية وألحقت بها هزائم عسكرية، ثم فرضت المصالحات على ما تبقّى منها في جنوب سوريا، كما عملت روسيا على إغراق المعارضة السياسية السورية بالمفاوضات والتفاصيل واللجنة الدستورية، وهو ما جعل موسكو تنجح في تقسيم هذه المعارضة إلى منصات وخلق الخلافات بينها، وتضيع عليها الزخم الدولي الذي كان داعماً لها.
من جهةٍ أخرى، باتت روسيا اليوم ضيفٌ غير مرحّب به من قبل حاضنة النظام السوري وذلك لعدّة أسباب، يأتي على رأسها فشل سياساتها بإدارة مؤسسات الدولة التي باتت تحت سيطرة أمراء الحرب باسم روسيا.
كما فشلت روسيا بإدارة مؤسسات الدولة التي استثمرتها حيث ظهرت بمظهر من يسرق البلد بقضية العمال المفصولين من المؤسسات التي سيطرت عليها ورغبة بالاستحواذ على مؤسسات أخرى، إضافةً إلى عدم مساعدة روسيا للمواطنين بمناطق النظام بالمواد الغذائية والصحية، كما لعب الروس دورًا محوريًا بشكلٍ خفي في طباعة القطعة النقدية من فئة ٢٠٠٠ ليرة سورية، وهو ما أدّى إلى تضخّم العملة وانخفاض بقيمتها الشرائية من الإخلال بالعرض النقدي.
وتحطمت العلاقة بين إيران وروسيا بعد مقتل قاسم سليماني، ولا سيما أن سليماني من موالي الروس، وهم لم يفعلوا شيئًا للقصاص من قاتليه، مما جعل ايران تتهم روسيا بشكل خفي باسليم سليماني للامريكان ، فاضعف التحالف فيما بينهم وهذا ما ظهر بالمعارك بإدلب ، فظهرت روسيا غير قادرة على انتزاع نصر لوحدها.
ومن ضمن المؤشّرات التي تضعف الدور الروسي في سوريا، هو تغيير الاتجاه العام لحاضنة النظام الداعم لروسيا، حيث باتوا يشعرون أن روسيا اتفقت مع تركيا التي تدعم الارهابيين حسب وصفهم على حساب الدولة السورية.
كما زاد ضعف الدور الروسي بعد عودة إيران على الساحة السورية بقوّة من خلال بناء تيار موال لها من الفقراء ورجال الأعمال السوريين القديمين بقيادة عائلة مخلوف المتعاون مع إيران إلى حدٍ ما، في حين فشلت بتحالفها مع تيار أسماء الأسد الذي عولت عليه الكثير كسب ثقة المواطنين بسيب تهم الفساد وعلاقتهم مع امراء الحرب
ومن بين الأسباب التي تجعل روسيا غير قادرة على تغيير الأسد الآن، أنّها فشلت باستقطاب الاستثمارات الدولية او العربية، لإطلاق إعادة الإعمار واستشعار بعجز روسيا وخاصة مع ظروف “كورونا” وحرب النفط بات الجميع مقتنع أنه لا إعادة للإعمار لفترة طويلة من الزمن، وأن روسيا أقحمت السوريين بملفاتها الدولية بما فيها ليبيا.
ومن ضمن المواقف التي تضعف الدور الروسي في سوريا، هو التقارب بين الأسد (تيار أسماء الأسد) والحكومة الصينية، وهو ما يدفع الروس إلى إيجاد حل للملف السوري، وخاصة مع جمود العملية السياسية وحسم الدستور وقرب الانتخابات الرئاسية العام المقبل.
كل هذه الأسباب جعلت روسيا أضعف من المعارضة، وخاصة أن تركيا حليفة روسيا هي الأخرى باتت بمرمى تخلي المعارضة عنها، بسبب سوء ادارة ملف الشمال وإيلاء التيارات الإسلامية أهميةً رغم السرقة و استخدامها كمرتزقة بليبيا على حساب القضية السورية وعدم حصار “هيئة تحرير الشام” ولو عن طريق المعابر، كما أن دور الجيش الوطني الذي بات تحاصره تهم الفساد والارتزاق.
وتشعر روسيا اليوم أنّها خارج الملف السوري، وأن هذا الملف يكلّف الكثير ولا سيما مع وجود لاعبين أساسيين في هذا الملف كالإمارات والسعودية عدا عن الدور الأوروبي والأمريكي الذي لا يرغب بتقديم أي تنازلات بالملفات الدولية لصالح الملف السوري.
مما يجعل خيار روسيا الحالي هو تأكيد على صياغة الدستور لتثبيت استثماراتها وايجاد حل سياسي يدعم روسيا قبل تغير الخريطة السياسية.