صدى الشام – فادية سميسم
بعد أن فرغت قرى سهل الغاب بشكل شبه كامل من سكانها، وتوجه المدنيون إلى الشمال السوري، حيث مخيمات النزوح المنتشرة على طول الحدود السورية التركية، ولكن عقب الهدوء النسبي الذي جاء نتيجة إعلان روسيا لوقف إطلاق النار، عادت العديد من العائلات النازحة من منطقة سهل الغاب إلى منازلها بشكل تدريجي، ولكنّها لم تجد أي خدمات.
وتعاني هذه العائلات في الوقت الراهن من ظروف معيشية صعبة، بسبب عدم توفر مقومات الحياة من مياه للشرب وكهرباء ومراكز صحية ومنشآت تعليمية وخدمية، إضافة إلى نسبة الدمار الكبيرة التي لحقت بالبنى التحتية ومنازل المدنيين، مما زاد من صعوبة عودتهم.
وتعتبر منطقة سهل الغاب من بين أكثر المناطق التي طالها القصف الجوي والبري خلال الحملة الأخيرة التي شنتها قوات النظام وحليفتها روسيا، وتمكنت قوات النظام والقوات المساندة لها من التوغل لمساحة كبيرة من منطقة سهل الغاب والسيطرة على عدد من القرى، مثل بلدة قلعة المضيق وقرى باب الطاقة والحمرا والشريعة والحويز، بعد معارك خاضتها ضد فصائل المعارضة المسلحة.
يقول الناشط الإعلامي مصعب الأشقر، من سكان سهل الغاب لـ “صدى الشام”: “تسبب القصف الجوي والبري المكثفين بنزوح عشرات الآلاف من منطقة سهل الغاب، وفرغت قرى كاملة من سكانها، مثل الشريعة والحويز والتوينة والحويجة والحمرا وباب الطاقة، موضحًا أن غالبية المدنيين توجّهوا نحو الشمال السوري، في حين فشلت عائلات معدودة بالنزوح بسبب ظروفها فانتقلت إلى الجزء الشمالي من سهل الغاب، وهي القرى التي تقع شمال قرية العنكاوي.
وأضاف الأشقر، أنه منذ إعلان روسيا عن بدء وقف إطلاق النار في بداية شهر آب/أغسطس الماضي، ومع غياب الطيران الحربي وانخفاض نسبي في وتيرة القصف، بدأت تعود بعض العائلات إلى منازلها في عدة قرى من منطقة سهل الغاب، ولكنّه يوضّح أن العودة جاءت في ظل ظروف إنسانية صعبة للغاية”.
وأكمل أن غالبية العائلات العائدة هي من قرى الغاب الشمالي، مثل قرى الزقوم وقليدين والدقماق، بالإضافة للقرى الشرقية مثل قسطون وزيزون والعنكاوي، وتتفاوت نسبة العائلات العائدة في كل قرية، ولكن بشكل عام فإن قرية العنكاوي من بين أكثر القرى التي عاد إليها نازحين في الأيام القليلة الماضية، وتقدر نسبة العائدين إلى كل قرية ما بين 1 و 7% من سكان كل قرية
وتابع الناشط ذاته: “تعيش هذه العائلات في الوقت الراهن ظروف معيشية صعبة، حيث لا وجود للكهرباء ولا مراكز صحية ولا منشآت خدمية ولا مدارس، وسط غياب شبه كامل لدور المنظمات الإنسانية”، موضحًا أن بعض المتطوعين يحاولون العمل على تحسين الواقع المعيشي في المنطقة، عبر إصلاح شبكات المياه والكهرباء وإزالة الركام، وتنظيف المدارس.
ومنذ بدء العودة تم افتتاح 3 مدارس في كل من قريتي العنكاوي و قليدين، ويواجه المدنيين صعوبة كبيرة في الحصول على المواد الغذائية بسبب إغلاق الأسواق، في حين يقتصر ذلك على بيعها عبر سيارة جوالة أو دكان صغير، ويجبر الكثير على قطع مسافات طويلة للشراء، أو حتى للعلاج، بحسب الأشقر الذي يطالب المنظمات الإنسانية، بتفعيل دورها في منطقة سهل الغاب، ووضع تسهيلات أمام المدنيين لتشجيعهم على العودة لقراهم ومنازلهم
أحمد العباس، هو من سكان قرية الزقوم بسهل الغاب، يقول لـ “صدى الشام”: “منذ بداية التصعيد على المنطقة، نزحت أنا وجميع أفراد عائلتي المكونة من 5 أشخاص إلى مخيمات دير حسان، ثم إلى بلدة كفرتخاريم شمال إدلب، وعشت ظروف إنسانية صعبة بسبب غلاء إيجار المنازل وغلاء المعيشة في المخيم وسوء الأوضاع الخدمية وغلاء الأسعار، وعانيت من الفقر الشديد بسبب تركي لمصدر دخلي الأساسي وهي الزراعة.
بدأت فكرة العودة إلى سهل الغاب لدى العباس، بعد إعلان روسيا عن وقف إطلاق النار، ويقول: “عدتُ إلى قريتي بعد عدة أيام من بدء سريان الهدنة، وبسبب الدمار الكبير الذي لحق في منزلي، انتقلنا للسكن في منزل ابني، ولكن لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فلا وجود هنا لأدنى مقومات الحياة، وتعيش العائلات العائدة حديثاً للقرية ظروف صعبة، فلا وجود لأفران الخبز ولا مراكز صحية ولا مدارس ولا أسواق” ويوضّح أنّه يقطع مسافة طويلة للوصول إلى ريف إدلب الغربي لشراء مستلزمات المنزل، والدمار الحاصل في منازل المدنيين هو عائق كبير سيقف أمام عودتهم.
وختم العباس: “لا بد من تضافر جهود المنظمات الإنسانية، من أجل تحسين واقع المنطقة، وتوفير سبل الحياة حتى تتمكن العائلات النازحة من العودة في حال توقف القصف بشكل كامل، حيث أن استمراره يمنع غالبية النازحين من التفكير في العودة في الوقت الراهن، بينما تعود بعض العائلات لتستطيع الوصول إلى أرضها وزراعتها وقطاف مواسمها، وبسبب صعوبة المعيشة في الشمال السوري”.