الرئيسية / منوعات / ميديا / مواد ميديا مختارة / مخاطر السمعة على المؤسسات الإعلامية

مخاطر السمعة على المؤسسات الإعلامية

محمد بيطار/

قامت صحيفة سورية معارضة في صيف عام 2014 بنشر ملف على شكل سلسلة مقالات بعنوان “شخصيات أسست للعنف الديني” تناولت السلسلة عدد من شخصيات إسلامية أسست بأفكارها للتطرف والعنف الديني، أثار الموضوع غضب فصائل إسلامية مسيطرة في الشمال السوري.

في تلك الفترة كانت تلك الفصائل تنظر للصحف على أنها ليست بالأهمية التي من شأنها التأثير على الناس في تلك المناطق، وعندما تم نشر الملف بعد عدة أسابيع (كون الصحيفة أسبوعية) لفت انتباه قادة الفصائل تأثير المقالات على الشارع السوري، فبدأت تلك القيادات بعد انزعاجها من الملف بالترويج بين مقاتليها على أن الصحيفة علمانية وعميلة لأجندات خارجية ولا تتناسب مع مجتمعاتنا المتدينة،  وباتت تحركات مراسلي الصحيفة وموزعيها في هذه المناطق أصعب بين حواجز تلك الفصائل فقد لاحظوا ردة الفعل المباشرة من قبل المقاتلين، حتى إنه تم مصادرة نسخ الصحيفة في بعض المناطق ومنعها من الوصول لمراكز التوزيع، ناهيك عن التهديدات لرئيس تحرير الصحيفة بشخصه تارة واستهداف الصحيفة تارة أخرى، وتطور انتشار الخبر بين عامة الناس حتى بدأ جمهور الصحيفة يسأل ويستفسر عن تبعية رئيس التحرير لأجندات خارجية.

ضمن  تلك السلسلة كانت هناك مادة عن المرشد الإيراني الأعلى كونه من الشخصيات الدينية التي أسست للعنف الديني وقبل صدور العدد تطلعت هيئة التحرير إلى أن تلك المادة من شأنها التهدئة كون تلك الفصائل على خلاف مع المذهب الشيعي، ولكن بعد صدور العدد كانت المفاجئة أن تستغل قيادات تلك الفصائل الأمر للترويج وتشويه سمعة الصحيفة على أنه لا يجوز مساواة المرشد الإيراني الأعلى بمرجعيات دينية سنية واعتبرت أن ذلك إهانة للمذهب السني وتابعت تلك القيادات تشويه سمعة الصحيفة بين جمهورها وبشكل أكبر وأسوء.

محاولات تشويه سمعة الصحيفة من القيادات والمقاتلين كان له جانب إيجابي أكثر مما كان له أثر سلبي، حيث بات هناك جدل حول سلسلة المواد المنشورة، بل زاد الطلب على الصحيفة في محاولة من الجمهور معرفة حقيقة الأمر والاطلاع على ماهية هذه المواد وما تحمل من أفكار.

الحادثة لفتت انتباه رئيس التحرير وفريقه إلى نقطتين هامتين: أولا: عدم التنازل عن ثوابت الصحيفة، كون تلك الفصائل إذا ما تم إنزال السقف معهم لإرضائهم فستخسر الصحيفة نفسها وجمهورها، كون لا حدود لإرضائهم، لأن المهادنات مع تلك الفصائل تؤدي إلى ان تكون الصحيفة بوق لهم وتنسى جمهورها.

ثانيا: مخاطبة المجتمع بلغة بسيطة يفهمها. لم يكن هناك تهديد مباشر على الصحفيين كون كاتب السلسلة باحث من دمشق ومقيم في تركيا وعائلته في دمشق فلا وصول للفصائل لهم، فلم تجد هذه الفصائل غير المراسلين والموزعين وهم من أبناء المنطقة ولا حجة مباشرة على أحد منهم، فكانوا يتبرأون من الكاتب أمام قادة الفصائل والمقاتلين.

وبالرغم من أن فعل قادة الفصائل جاء لصالح الصحيفة على عكس ما تمنوه إلا أنه في كل الأحوال كانت المؤسسة مقصرة في الاستعداد لمخاطر تشويه السمعة، ذلك في عدم الأخذ بالحسبان ما قد تأول إليه نتائج نشر مثل تلك الملفات، فمخاطر السمعة لا تقل أهمية في المؤسسات عن المخاطر الأخرى، ويتوجب على المؤسسة الدراسة والاستعداد لمثل هذه المخاطر، لأن خسارة السمعة لا تقل شأن عن خسارة التمويل أو أصول المؤسسة.

ولكل مؤسسة إعلامية تاريخ طويل في هذه المخاطر فيما بينها من جهة (باعتبار المؤسسات الإعلامية منافسة لبعضها) ومع السياسيين ورؤوس الأموال من جهة أخرى ويمكن للمؤسسات الإعلامية الاستعداد لمثل هذه المخاطر من خلال  دراسة أعمق لخط التحرير ومتابعة الشكل العام للمؤسسة بما يتناسب مع المنطقة الجغرافية والمتلقي وثقافته، وإيجاد خطط في حال حاول طرف من الأطراف المحيطة تشويه سمعة المؤسسة باتخاذ التدابير المناسبة بما يتناسب مع المؤسسة في الدفاع عن سمعتها أمام الرأي العام ،كأن يكون فريق مخصص لمسألة السمعة يقوم هذا الفريق بمراقبة الشكل العام والمحتوى في المؤسسة بشكل مستمر من خلال التواصل  والعلاقات ومعرفة ما يدور في محيط المؤسسة ومن ثم الاجتماع مع هيئة التحرير والعمل على حماية المؤسسة من المخاطر من هذا النوع، فلا يمكن للمتلقي والقارئ أن يستقي الأخبار من مؤسسة سيئة السمعة، لأن السمعة هي العمود الأساسي والأكبر الذي تبني عليه المؤسسة جمهورها.

شاهد أيضاً

مستقبل التعليم بين إمكانات الذكاء الاصطناعي وتحديات تطبيقه

ميسون محمد يشهد عالمنا اليوم ثورة تكنولوجية هائلة بفضل التقدم المتسارع في مجال تكنولوجيا المعلومات …

مفهوم الشك وعلاقته بالحياة البشرية

الشك هو حالة عدم اليقين أو الريبة التي يشعر بها الشخص تجاه شيء ما، يُعتبر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *