صدى الشام – فادية سميسم
يستيقظ محمد البسام “13 عام” وهو أحد نازحي ريف حماة الغربي، في صباح كل يوم، ليتناول طعام الإفطار، وينطلق إلى عمله في مصنع لصناعة البوظ في بلدة كفرتخاريم في ريف إدلب الشمالي، بعد أن نزح إليها منذ قرابة 4 أشهر، ويستمر في عمله إلى الساعة الثامنة مساءًا، مقابل مبلغ 15 ألف ليرة سورية شهريا، ليسد بهذا المبلغ الصغير رمق أخوته ووالدته، بعد مقتل والده.
محمد ليس الوحيد، فالكثير من الأطفال في الشمال السوري يعملون بمهنٍ مختلفة مجبرين على ذلك بعد نزوحهم إلى الشمال السوري، لتحصيل قوت يومهم.
محمد ترك مقاعد الدراسة في قريته اللبويب بجبل شحشبو في ريف حماة الغربي، بعد حركة النزوح الكبيرة التي شهدتها المنطقة بسبب التصعيد العنيف والقصف الجوي والبري الذي تعرضت له، حيث لجأ مع عائلته إلى بلدة كفرتخاريم، ويقطن في مخيم عشوائي صغير جنوب البلدة.
وفي شهادته لـ “صدى الشام” قال: “بعد وصولي انا ووالدتي وأخوتي إلى البلدة برفقة عدد من العائلات من منطقتنا، توجهنا للبحث عن سكن، وقام أحد أهالي البلدة باستقبالنا في منزل خاص به”.
وأضاف محمد: “بقينا هناك لمدة شهرين تقريبا، ثم قام بإخراجنا من المنزل بسبب عودة أحد أبناءه من السفر، وخرجنا باحثين عن مكان آخر، وبعد عناء طويل لم ننجح فيه بالعثور على مكان نأوي إليه، فاستقرّينا في خيمة صغير في مخيم لنازحي منطقة جبل شحشبو يقع شمال بلدة كفرتخاريم”.
ويفتقر المخيم لمعظم أساسيات الحياة، من مياه وغذاء ودواء، وكان لا بد لمحمد أن يعثر على فرصة عمل ليتمكّن من مساعدة عائلته.
وتابع محمد: “عن طريق أحد الأقارب توصلت لفرصة عمل في معمل تحضير البوظ، في الحي الشرقي في البلدة، مهمتي هي تحميل ألواح البوظ في السيارات الخاصة بالزبائن، حيث يتم وضع الماء للتجميد في قوالب مخصصة، وتبقى لمدة 4 ساعات، وخلال هذه المدة، يكون عملي في التنظيف ونقل المياه، وخدمة عمال المصنع”.
وأضاف البسام: “تركت دراستي بعد وصولي لمرحلة الصف السابع الإعدادي، وفقدت والدي وأصبحت الآن أشبه بشخص مشتت الذهن وأحتار ما بين كوني طفل وأرغب باللعب وممارسة هواياتي ومتابعة دراستي، وبين أني أصبحت معيل لأهلي ويترتب علي الكثير من المسؤوليات إضافةً إلى الذهاب بوالدتي أو أحد أخوتي إلى المشفى، والقيام بجميع الواجبات المنزلية، ولكن لا سبيل أمامي سوى المضي على هذا الحال”
الطبيب النفسي، محمود الجسري، وفي شهادته لـ “صدى الشام” تحدث عن الآثار النفسية التي يتركها العمل الشاق في نفس الطفل، والمشاكل والاضطرابات التي يعاني منها.
وقال الجسري: “لا شك أن ظاهرة عمالة الأطفال التي انتشرت بشكل واسع في الشمال السوري، تترك آثار سلبية سواء كان ذلك على مستوى المجتمع ككل أو على مستوى نفسية الطفل بشكل خاص”.
وأرجع الجسري السبب في ذلك إلى كون هذه الأعمال التي يقومون بها لا تتناسب مع قدراتهم الجسمانية، فضلا عن تعرضهم للكثير من الضغوط الأخرى مثل حرمانهم من حقهم في اللعب والغذاء الجيد والتمتع بإقامة صداقات، وحتى استغلال حاجتهم للمال وإجبارهم على القبول بأجور قليلة، وكل ذلك سببه الفقر والجوع والبطالة، والحرب تزيد من انتشار هذه الظاهرة بشكل كبير
وتابع الجسري: “أدعو إلى التكاتف من قبل جميع المنظمات المهتمة بحقوق الطفل، إلى تكثيف التعاون من أجل الحد من مخاطر عمالة الأطفال في الشمال السوري، والسعي لردم هذه الفجوة والقضاء على هذه الظاهرة، وذلك عبر توفير احتياجات الأسر الفقيرة، ودعمها بما يمنعهم من توجيه الأطفال للعمل، وارسالهم للدراسة بدل ذلك، كما أدعو إلى إقامة ندوات ولقاءات توعوية تهدف لتثقيف المدنيين وتعريفهم بسلبيات هذه الظاهرة الخطيرة والتي أخذت بالتمدد، بالأخص بعد موجات النزوح الكبيرة.
و أضاف الجسري: “إن يقاء هذه الظاهرة واتساعها سيحمل أبعاد سلبية وسيخرج لدينا في الشمال السوري جيل من الأمية، والمصابين بأمراض واضطرابات نفسية”.
لا يوجد أرقام محددة تبين عدد الأطفال العمال في الشمال السوري، ولكنها تعتبر من أكثر المظاهر سلبية، وتهدد مستقبل هؤلاء الأطفال وتؤثر تأثير كبير على سير حياتهم،
وختم الجسري: “لا من من تضافر الجهود لحماية هؤلاء الأطفال من العمالة واستغلال ظروفهم المعيشية والمادية من قبل أرباب العمل ليفرضوا عليهم أجور قليلة وساعات عمل طويلة وطبيعة عمل صعبة لا تتحملها أجسادهم”.
ابراهيم الطاهر، 16 عام، من قرية الحويز بسهل الغاب في ريف حماة الغربي، نزح مع والده ووالدته إلى الشمال السوري، واستقر به الحال في مخيم دير حسان في ريف إدلب الشمالي.
يعمل إبراهيم في معمل بلوك، يديره أحد أقاربه بالقرب من مخيم دير حسان، وفي شهادته “لصدى الشام” تحدث إبراهيم عن معاناته من هذا العمل الشاق، وقال: “تحت أشعة الشمس الحارقة أعمل لمدة 7 ساعات متواصلة في اليوم، في مكبس بلوك بالقرب من مخيم دير حسان في ريف إدلب الشمالي”
وتابع الطاهر: “رسبت في السنة الماضية في دراستي بالصف التاسع الإعدادي وتركت المدرسة على إثر ذلك، والدي يعاني من فقر شديد ويعيل عائلة مؤلفة من 6 أفراد، وبعد نزوحي إلى مخيم دير حسان، توجهت للعمل في معمل بلوك يملكه أحد أبناء عمي”
وأضاف الطاهر: “منذ الصباح الباكر أبدأ بعملي بنقل الرمل والإسمنت والماء، لتحضير قوالب البلوك، حتى تمام الساعة الثالثة مساءًا” موضحًا أنّه عمل متواصل وشاق للغاية، وقال: “نتوقف فقط لمدة نصف ساعة في وقت الظهيرة لتناول الطعام ثم نعود لاستئناف العمل، بمرتب شهري 35 ألف ليرة سورية فقط، ولكن بطبيعة الحال مجبر ولا سبيل أمامي غير هذا العمل لمساندة والدي وعائلتي”.