الرئيسية / رأي / “تحرير” أم مسح وتدمير؟
جلال بكور
جلال بكور

“تحرير” أم مسح وتدمير؟

جلال بكور/

لم تختلف سياسة أو استراتيجية التحالف الدولي العسكرية في سوريا عن سياسة واستراتيجية نظام الأسد وروسيا وإيران في استخدام أسلوب الأرض المحروقة والمدن المدمرة والمهجرة من سكانها أو المدفون معظمهم تحت الأنقاض فيما يطلق عليه عمليات “التحرير” من “داعش”.

التحالف الدولي ضد “داعش” دمر بطائراته الحديثة عشرات القرى ومسحها عن الخريطة خلال الحرب الكونية التي يشنها ضد “داعش” بمشاركة ودعم أكثر من ستين دولة مع أن من يقود ذلك التحالف “واشنطن” التي تمتلك جيشا يقتني أكثر أنواع الأسلحة تطورا والقادرة على تعقب الأهداف المتحركة وحتى المتخفية.

إذا لماذا يقوم ذلك التحالف باستخدام سياسة الأرض المحروقة والقصف العشوائي الذي يدمر المدن والقرى ويمسحها من الوجود ويدفن المدنيين أحياءا تحت ركام المنازل المدمرة بالقصف.

من غير المعقول أن واشنطن لا تعلم بأن البنية التحتية في سوريا غير مهيئة للحرب ولا يوجد حتى ملجئ واحد يحتمي إليه المدنيون من القصف فلماذا يستخدم صواريخ قادرة على اختراق أكثر الملاجئ تحصينا في قصف منزل يتهدم من جراء سقوط قنبلة بجانبه؟

من غير المعقول أن كل تلك التقنية الأمريكية وتفوقها على كل جيوش الكون أنها غير قادرة على هزيمة تنظيم، حتى كدنا نعتقد أن هذا التحالف يقاتل أشباحا تظهر وتختفي كما تشاء، أو أنه مؤيد بملائكة تنزل من السماء وتقاتل إلى جانبه.

اليوم يمسح التحالف مدينة هجين ومحيطها وبالأمس مسح التحالف عشرات القرى في أنحاء المنطقة الشرقية وذلك بعد أن دمر مدينة الرقة بالكامل ومدينة الطبقة ومعظم المدن والبلدات الرئيسية في المنطقة الشرقية التي تعتبر مراكز للتجمع العربي السني.

تلك الطريقة ذاتها اتبعها الروسي والإيرانيون ونظام البراميل في السيطرة على المراكز العربية السنية الكبيرة على الضفة المقابلة من نهر الفرات انطلاقا من مدينة دير الزور وصولا إلى البوكمال على الحدود مع العراق.

واستخدم النظام قبل الجميع ومنذ عام 2013 البراميل الغبية التي دمرت عشرات المدن والقرى في حمص ودمشق وحلب وغيرها، ذلك السلاح الذي انتهى معه النظام إلى تهجير مئات الآلاف من المواطنين والمعارضين له في عملية تغيير ديموغرافي لم تعد تخفى على أحد.

وإذا كانت نية النظام ومن خلفة إيران وروسيا تدمير تلك المناطق وتهجير سكانها وإفقارهم تمهيدا للسيطرة عليهم اقتصاديا وفكريا وعقائديا بهدف التغيير في ديموغرافية المنطقة فذلك يؤكد على أن واشنطن تسعى إلى ذات الأمر في المنطقة المقابلة على نهر الفرات.

إلا أن الفارق بين المجرمين هو أن إيران بدأت بتنفيذ مشروعها مباشرة في المنطقة عقب السيطرة عليها وهي لا تخفيه اليوم ولم تخفيه من قبل وتقول إنها تجاهد في سوريا كرمى لعيون زينب والحسين، فيما تقوم واشنطن بالعمل بسرية وقد يتحقق مشروعها المشابه مع الوقت فهي لا تعمل اليوم بشكل مباشر إنما تهيؤ لمشروعها التقسيمي بقيادة من تعتبرهم حلفاءها في الحرب على “داعش”.

ولا يوجد أي تبرير أو تفسير لما يقوم به التحالف الدولي في ريف دير الزور إلا أن هذا التحالف لديه مشروع تغيير في بنية المنطقة، والتغيير في تلك المنطقة يتم بالنسبة لواشنطن بالمجان لأن تمويل ذلك المشروع يتم من المنطقة ذاتها التي تعتبر خزان النفط السوري.

وبالتالي فإن واشنطن تصرف أسلحتها الغبية في تدمير تلك المنطقة على أمل إعادة بنائها بعد سنوات بهيئة جديدة تختلف تماما عن الحالة الحالية من حيث الديمغرافية والهوية، وهو الأمر ذاته الذي عمل عليه النظام ومن خلفه إيران إلا أن الأخير بقي عاجزا عن اتمام مشروعه بعد حرمانه من الموارد النفطية الكامنة في المنطقة الشرقية.

شاهد أيضاً

المقاومة وقداستها

عبد العزيز المصطفى تذكرُ كتبُ الأساطيرِ أنّ ملكًا استدعى أحد مستشاريه في ساعة متأخرة من …

فلنختار ظرف ومكان موتنا

عبد العزيز المصطفى خلال الحرب العالمية الثّانية كان الشغلُ الشاغل لهتلر هو كيفية القضاء على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *