صدى الشام - رصد/
قال الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”، في مقابلة متلفزة بثت قبل شهور من مقتله في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول، إن “تركيا أثبتت أنها الشريك الأفضل للشعب السوري”، كما تحدث عن مستقبل الثورة السورية والدور الأمريكي في سوريا في ظل المأساة التي يتعرض لها الشعب السوري.
واعترفت السعودية أخيرا بمقتل الصحفي “جمال خاشقجي” في القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول على يد مسؤولين، وسط روايات إعلامية تتحدث عن عملية قتل شنيعة تعرض لها الصحفي المشهور بأنه مطالب بالإصلاح وليس معارضا للحكومة السعودية.
وبثت قناة “تلفزيون سوريا” الفضائية المعارضة لنظام الأسد، مؤخرا مقابلة أجرتها مع الصحفي “جمال خاشقجي” وتحدث خلالها عن عدة مواضيع متعلقة بالملف السوري، وخلال المقابلة أكد “خاشقجي” على أن عملية (غصن الزيتون) التي نفذها الجيش التركي في عفرين السورية “حققت نجاحا باهرا، ليس فقط بالطريقة السلسة التي قامت بها بالحرب، ولكن الأهم من هذا كله، أنها سلمت المنطقة لأحرار سوريا، من خلال مجالس محلية”، مضيفا: “هذه التجربة ستغري الكثير من السوريين في إدلب (شمال) وغيرها أن يقولوا للأتراك توسعوا في اتجاهنا”، وذلك وفق ما نقلته وكالة الأناضول التركية.
وتابع: “الأتراك يتحركون بحرص وعناية، ولا يقومون بمغامرات، فأمامهم حالة منبج ولها علاقة بالأمريكان، لذلك لن يتحمسوا ليفرضوا حالهم على الأمريكان، ولكنهم يتدافعون معهم دبلوماسياً من خلال الاتصالات بين القادة”.
وفي معرض رده على سؤال حول رؤيته لمآلات الحراك الشعبي بسوريا، قال خاشقجي: “أنا مع أن يثق السوريون بتركيا، ظروف المعركة تغيرت، تطلعات الثورة السورية لن تنتهي، مثلما تطلعات الثورتين المصرية والليبية لم تنتهي، لكن ظروف الثورة السورية صعبة جدا، ومن حسن حظها أن لها صديق هو تركيا”.
ولفت إلى أنه “لا يوجد حتى الآن توافق ولا خطة كاملة حول الملف السوري، رغم صدور تصريحات من مسؤولين أمريكيين بالبحث عن حل سلمي، لكنها (تصريحات) ليست جدية، وما زال الملف يتم تداوله ما بين أستانة وجنيف، في الغالب فريق أستانة (تركيا وروسيا وإيران) بتوقعي هو الذي سيصنع مستقبل سوريا”، مشددا على أن “الشعب السوري يتعرض لمأساة العصر حقيقة، والعالم برمته تجاهله”.
وعن مآلات الأوضاع في السورية، أفاد خاشقجي بأن “مأساة البوسنة في العام 1994، لم تستمر بطول الحرب السورية، وما حصل بسوريا أكثر بكثير، موقف الأوربيين في البوسنة يشبه إلى حد كبير الموقف الحالي تجاه سوريا، يتكلمون كثيرا ويفعلون قليلا، و(الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب حالة مرتبكة جدا، من الصعب تحليله”.
جمال خاشقجي: العالم الإسلامي يتنازع في سوريا، مع أن المفروض أن يكونوا شركاء
وتابع: “في البوسنة كان العالم الإسلامي نشيط في دعم البوسنيين، من السعودية إلى إيران إلى ماليزيا وتركيا، بينما في سوريا هذه الدول تتنازع، مع أن المفروض أن يكونوا شركاء”.
وحول مواقف ترامب، أكد أن “له معارك قوية، فضائح مزعجة، وهذه لها الأولوية عنده، ونحن أمام إدارة أمريكية متحولة وسريعة، والآن ثلاث مؤسسات أمريكية يتم تغيير رأس الهرم فيها، المخابرات، والخارجية، والأمن القومي”.
ورأى خاشقجي أن “السعودية تريد من أمريكا في الملف السوري أن تخرج إيران من هناك، لكن ماذا لو لم تقم أمريكا بذلك، لن تغضب السعودية لأنها لا يوجد لديها أوراق، لم تعد لاعبا أساسيا في القضية السورية”، مشيرا إلى أن “العالم تعود على الألم السوري، وهذا شيء مؤسف ومحبط قوله”.
الدور السعودي
وعن رؤيته للسياسة السعودية تجاه سوريا، كشف أن المملكة “لم تتحمس للتغيير في سوريا نحو الديمقراطية، كانت دائما تتوجس مثل ما هي متوجسة في اليمن من صعود الإسلام السياسي، وأيضا لم تتعاون مع الأتراك، الذين كانوا حلفائها الأساسيين في سوريا”.
وتابع: “لكي تذهب أي قوات عربية إلى سوريا، لابد من تجهيز أرضية، فالعلاقات السعودية التركية تحتاج إلى تجهيز وتليين لكي تذهب قوات إلى هناك، لأنها ستكون في تماس مع الأتراك، ومع الروس أيضا، أنا لا أظن أن هذا سوف يحصل، لكن أتمنى أن يحصل، ولا أحد يمكنه أن يقوم بهذا الدور إلا السعودية”.
ومضى قائلا: “السعودية متعارضة مع إيران، وإذا ذهبت إلى الرقة (شمالي سوريا)، سيكون على أساس أن يكون الأمريكان هناك، وإذا ذهبوا فما هي الخطة، الطريق الكامل ما بين العراق وسوريا، ماذا لو تواجهوا مع الإيرانيين، لكن الجيد في ذلك أنه يحيي الاهتمام السعودي بسوريا من جديد، ولعل ذلك يدفع السعودية للتعاون مع تركيا”.
جمال خاشقجي: السعودية تؤمن بالأنظمة القديمة وتتمنى بقاء الأسد في سوريا لكن من دون إيران
خاشقجي واصل حديثه عن السعودية بقوله “الموقف السعودي صار مؤمنا بما تؤمن به مصر، وهو الإيمان بالأنظمة القديمة، وإعادتها، يتمنوا لو يبقى بشار (الأسد)، لكن بدون إيران، مثلما حصل في مصر يحصل في سوريا.. هناك أطراف أخرى موجودة في الملف السوري، إيران روسيا أمريكا وتركيا، بشار الأسد يدين بحياته إلى إيران، بشار طرد سبعة مليون سوري ولا يريد عودتهم”.
وقال إن “البعض يتحدث الآن عن مواجهة عسكرية بين إيران وإسرائيل، ولكن المفاعلات النووية ليست في سوريا ولكن في إيران، ثانيا ما يجري بين إسرائيل وإيران هو رسم قواعد البقاء بينهما، إسرائيل تقول لإيران حينما تقصف بعض المواقع، هذه المساحة التي أتركك بها، وإيران لا ترد، لأن الجائزة الكبرى هي سوريا”.
ومضى موضحا هذه النقطة بالقول: “لو قتل الأسد بضربة إسرائيلية، فسينتهي النظام السوري، الجميع يعلم أن النظام يدور حول شخص، وهل الإسرائيليون يرغبون بذلك، لا أظن، هو فقط مجرد تهديدات، لأن هناك تصريحات كثيرة تتحدث عن الفوائد التي يجلبونها من بقاء نظام الأسد, المواجهة الإسرائيلية الإيرانية هي لتحديد قواعد الجيرة الجديدة في سوريا”.
وأشار إلى أن “موسكو مفاوض بين إسرائيل وإيران، تساعد هذين الجارين والذين هم غريبان عن عالمنا العربي، كيف يتعايشان على أرضنا وعالمنا، فلا أظن أن الأمور ستنتقل إلى أبعد من التهديدات، لا أتوقع أي مواجهة بين إسرائيل وطهران، لأن إيران لا تريد هذه المواجهة، لأن جائزتها الكبرى سوريا، الطريقة الوحيدة لخروج إيران من سوريا هو المواجهة على الأرض، وإسرائيل غير مستعدة لترسل أبناءها للقتال بحمص وحلب، وهنالك فرصة لأمريكا أن تجعل حياة الروس بسوريا صعبة، فمثلا ممكن من خلال دعم الثورة (..) وواشنطن لم تواجه موسكو بشكل حازم”.
الدور الأمريكي
وفي معرض حديثه عن الدور الأمريكي بسوريا، قال خاشقجي إن “الولايات المتحدة تعمل ببطء، حيث استحوذت على منطقة ثرية جدا بالنفط شرق الفرات وغنية بالطاقة، وربما يكفيها هذا الشيء، فسوف تحافظ عليه، وربما تستعين بقوات عربية، لكن هل سيغيّروا قواعد اللعبة في العمق السوري، هذا يتطلب وجود أمريكي على الأرض وتدخل مباشر، ويمكن أن يرسم شرق أوسط جديد إن فعلوا هذا الشيء، لكن حينما ندرك حجم الانشغال الأمريكي بقضاياهم الداخلية، أعتقد أن الوقت مبكر لهذا، نظريا تستطيع جعل حياة الإيرانيين ونظام الأسد صعبة في سوريا، لكن ينبغي أن ننظر إلى واقع واشنطن، التي لا يوجد بها مؤسسات تستطيع أن تخطط لفترة طويلة، المؤسسات المهمة تم تغييرها (قياداتها)، وهذا يتطلب بعضا من الوقت”.
وأضاف: “ترامب يريد أن يتحرر من الضغوط التي عليه، الانتخابات الأمريكية قادمة، وهذه الانتخابات تقلقه، وبناء على هذا كله من الصعب التفاؤل بتحول 180 درجة في التعاطي مع الحالة السورية.
وكان الصحفي السعودي خاشقجي، قد اختفت آثاره في 2 أكتوبر/تشربن أول الجاري، عقب دخوله قنصلية بلاده في إسطنبول، لإجراء معاملة رسمية تتعلق بزواجه.
جمال خاشقجي: ترامب منشغل بالمشاكل الداخلية وواشنطن تعمل ببطء ويكفيها الاستيلاء على المنطقة الثرية
وطالبت عدد من الدول والمنظمات الغربية، على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، والاتحاد الأوروبي، الرياض بالكشف عن مصير خاشقجي المجهول، فيما عبرت دول عربية عن تضامنها مع السعودية في مواجهة تهديدات واشنطن بفرض عقوبات عليها إذا ثبت تورطها في اختفاء خاشقجي.
وتوالت ردود الأفعال عبر العالم، من مسؤولين ومنظمات، مطالبة بالكشف عن مصير خاشقجي، لتتصدر عناوين الصحف ونشرات الأخبار العالمية، بالتوازي مع التحليلات عن تداعيات هذه الأزمة على كل المستويات، إلى أن أعلنت السعودية في العشرين من الشهر الجاري عن “وفاة خاشقجي إثر شجار في القنصلية”.
وأعرب البيت الأبيض عن الحزن الشديد لمقتل “جمال خاشقجي” الذي وصفه بـ”الحادث المأساوي”، مؤكدا أنه سيواصل “التحقيقات الدولية” للوصول للعدالة.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز، في بيان: “يحزننا أن نسمع تأكيد وفاة خاشقجي، ونقدم أعمق تعازينا لأسرته وخطيبته وأصدقائه”.
وأضافت أن “الولايات المتحدة الأمريكية تعترف بالبيان الصادر عن السعودية حول نتائج تحقيقاتها بمصير الإعلامي السعودي، جمال خاشقجي، وبالإجراءات التي تم اتخاذها ضد المشتبه بهم الذين حددتهم حتى الآن”.
وتابعت: “سنواصل متابعة التحقيقات الدولية عن كثب في هذا الحادث المأساوي والدعوة إلى تحقيق العدالة والشفافية في أسرع وقت، وفق جميع الإجراءات القانونية الواجبة.”
وعلى خلفية الواقعة، أعفى العاهل السعودي إقالة مسؤولين بارزين بينهم نائب رئيس الاستخبارات أحمد عسيري، والمستشار بالديوان الملكي، سعود بن عبدالله القحطاني وتشكيل لجنة برئاسة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لإعادة هيكلة الاستخبارات العامة.
اعترفت السعودية بمقتل الصحفي جمال خاشقجي وزعمت أنه نتج عن شجار حصل في القنصلية
بدوره شكك السناتور الجمهوري الأمريكي، ليندسي غراهام، في الرواية السعودية بشأن مقتل الصحفي “جمال خاشقجي”، وقال غراهام في تغريدات عبر حسابه الموثق بـ” تويتر : “إنني متشكك في الرواية السعودية الجديدة بشأن خاشقجي”.
ولفت إلى أن الرواية السعودية الأولى تضمنت مغادرة خاشقجي القنصلية وإنكار شامل لأي تورط سعودي، مضيفا : “الآن يندلع شجار ويقتل في القنصلية وكل ذلك دون معرفة ولي العهد (محمد بن سلمان)”.
وقالت السعودية إنها تسير في التحقيقات بشفافية وتتعهد بمحاسبة المقصرين والمسؤولين. كما أوضحت أن المشتبه بهم الذين تشاجروا مع خاشقجي قاموا بـ”التكتم” على حقيقة ما حدث قبل أن تظهره التحقيقات.
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن “القلق البالغ” إزاء تأكيد مقتل جمال خاشقجي من جانب السلطات السعودية وأكد في بيان اصدره المتحدث الرسمي باسمه “استيفان دوغريك” علي “ضرورة إجراء تحقيق سريع وشامل وشفاف في ظروف وفاة السيد خاشقجي والمساءلة التامة للمسؤولين” عن ذلك، مقدما “التعازي إلى أسرة السيد خاشقجي وأصدقائه”.
من جانبها نقلت وكالة الأنباء السعودية أن العاهل السعودي أمر بإعفاء كل من أحمد بن حسن بن محمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات العامة، وسعود بن عبدالله القحطاني المستشار بالديوان الملكي.
كما أعفى العاهل السعودي ثلاثة ضباط كبار بالاستخبارت السعودية هم مساعد رئيس الاستخبارات العامة لشؤون الاستخبارات اللواء الطيار محمد بن صالح الرميح، ومساعد رئيس الاستخبارات العامة للموارد البشرية اللواء عبدالله بن خليفة الشايع، ومدير الإدارة العامة للأمن والحماية برئاسة الاستخبارات العامة اللواء رشاد بن حامد المحمادي.
وأعلنت السلطات السعودية عن تشكيل لجنة وزارية برئاسة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لإعادة هيكلة الاستخبارات العامة بعد إعلان الرياض مقتل الصحفي “جمال خاشقجي”.