صدى الشام - رصد/
ما تزال أصداء قضية اختفاء الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” تشغل الصحف الغربيّة والعبرية والعربية، في حين يتكهن معظمها بأن “جمال خاشقجي” كان مصيره “القتل” في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول، وسط تحليلات حول ما ستؤول إليه العلاقات بين السعودية وأمريكا.
وفي هذا السياق نشرت صحيفة “فرانكفورتر ألغيماينه تسايتونغ” الألمانية تقريرا تحدثت فيه عن تأثير حادثة اختفاء “خاشقجي” على العلاقة الأمريكية السعودية، وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمه موقع “عربي21″، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علق على حادثة اختفاء الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”، وعلى إمكانية وقوف الحكومة السعودية وراءها، قائلا: “لا أتمنى أن تكون السعودية وراء اختفاء خاشقجي، لكنني لن أقبل بإلغاء صفقات الأسلحة معها”.
وأكدت الصحيفة أن ترامب أبرم صفقة أسلحة ضخمة مع المملكة العربية السعودية على هامش أول زيارة أداها إلى الرياض خلال سنة 2017، وفي ذلك الوقت، شككت صحيفة واشنطن في قيمة هذه الصفقة، وعموما، كشفت هذه الصفقة عن مدى متانة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية.
وأشارت الصحيفة إلى أن التقرير الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام كشف أنه خلال الأربع سنوات الأخيرة، كانت السعودية من أكبر موردي الأسلحة الأمريكية، ووفقا للتقرير، فقد استوردت السعودية 61 بالمئة من احتياجاتها من الأسلحة من الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة الممتدة من سنة 2014 إلى غاية سنة 2017، وبحسب التقرير ذاته، صدّرت الحكومة الأمريكية 18 بالمئة من صناعاتها الدفاعية إلى السعودية.
وقف التسليح
وأوضحت الصحيفة أن المعاملات التجارية بين واشنطن والرياض تعززت مؤخرا، ومن جهتها، رفعت الحكومة السعودية من ميزانيتها العسكرية. وخلال الفترة الممتدة من سنة 2008 إلى سنة 2012، زادت الحكومية السعودية من عمليات شراء الأسلحة بنسبة 225 بالمئة. وفي ظل تنامي حاجة المملكة السعودية للأسلحة، عززت الولايات المتحدة الأمريكية موقعها في سوق الأسلحة.
وأضافت الصحيفة أن الجيش السعودي يملك أفضل عتاد عسكري. ووفقا لمعهد لندن للدراسات الإستراتيجية، استوردت الحكومة السعودية ثلثي دباباتها من الولايات المتحدة الأمريكية. وبحسب المعهد ذاته، استوردت السعودية 900 دبابة، من بينها 370 دبابة حديثة من طراز “إم 1 أبرامز”. علاوة على ذلك، استوردت السعودية ترسانة من الطائرات من طراز “النسر المقاتل” وطائرات هيليكوبتر حديثة، فضلا عن ترسانة من الطائرات المقاتلة من طراز “إم إي 109”.
وأوردت الصحيفة أن المملكة العربية السعودية لا تعتبر أكبر مورد للأسلحة الأمريكية فحسب، بل تساعد الولايات المتحدة الأمريكية في جهودها من أجل الحد من النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر المملكة العربية السعودية أكبر طرف يزود العالم بالنفط الخام. وعلى الرغم من أن الأجهزة الاستخباراتية السعودية تلعب دورا متناقضا في الحد من التطرف في العالم الإسلامي، إلا أنها تدعم المنهج الإصلاحي لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
وتابعت الصحيفة أن الحكومة السعودية متهمة بانتهاك حقوق الإنسان والقانون الدولي في حملتها العسكرية على اليمن. وفي الوقت نفسه، تحمل الكثير من الأطراف الحكومة السعودية المسؤولية عن الكارثة الإنسانية في الأراضي اليمنية. من هذا المنطلق، دعت العديد من منظمات الإغاثة الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات إلى التوقف عن تصدير الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية. وأوردت الصحيفة أن اللجنة السياسية في الكونغرس الأمريكي أرسلت برسالة إلى البيت الأبيض تدعو فيها إلى إجراء تحقيقات بشأن حادثة “خاشقجي”. كما أعلن السيناتور الجمهوري لولاية كنتاكي، راند بول عن رغبته في إجراء تصويت حول إنهاء الدعم العسكري للمملكة السعودية وحول قطع العلاقات مع الجيش السعودي. ومن جهته، دعا السيناتور الديمقراطي لولاية كونيتيكت، كريس ميرفي، في وقت سابق إلى قطع العلاقات مع السعودية بشكل نهائي.
وفي الختام، ذكرت الصحيفة أنه في حال ظهرت مؤيدات أخرى تثبت ضلوع الحكومة السعودية في حادثة اختفاء “خاشقجي”، فمن المرجح أن يزيد الضغط المسلط على الرئيس ترامب. ووفقا لنتائج انتخابات الكونغرس في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، قد تغير الولايات المتحدة الأمريكية موقفها من تصدير الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية.
جانب مظلم
من جانبها تناولت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، تأثير قضية اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي على ولي العهد محمد بن سلمان، متحدثة عن “الجانب المظلم” له، مشيرة إلى ابن سلمان “الأمير الشاب صاحب الكاريزما”، إلا أنه يملك “جانبا مظلما”، كشفت عنه قضية “خاشقجي”.
وأشارت الصحيفة في تقرير لها إلى أن ابن سلمان في مطلع الشهر الجاري قبل اختفاء “خاشقجي”، شرع برعاية مؤتمر للاستثمار العالمي، وبات العالم وكأنه في متناول يديه، وتوافد الآلاف من المستثمرين والشركات والحكومات إلى المملكة لسماع الوريث الشاب للعرش السعودي الذي يضع خطة لإخراج السعودية من عزلتها. وتحدث ابن سلمان للجمهور قائلا: “الحالمون فقط هم الذين نرحب بهم للانضمام” إلى المؤتمر.
وبحسب الصحيفة سرعان ما واجه هذا الطموح لدى الأمير الشاب هروب كبير، من المؤتمر الذي يرعاه، بسبب قضية “خاشقجي”، والحديث عن أوامر عليا منه شخصيا بشأن اختطاف الصحفي السعودي، أو أكثر من ذلك.
وألغى الكثيرون ممن خططوا لحضور المؤتمر فجأة مشاركتهم، وسارعوا إلى الابتعاد على متن قطار هروب كان يتجه نحو كارثة بالنسبة لهم.
وأضافت أن “خاشقجي” الذي يعيش في منفى اختياري، قيل إنه قتل على أيدي مشتبه بهم سعوديين -على صلات حكومية- داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، بعد أن تجرأ على انتقاد ولي العهد وحكومته علنا. وأوردت الصحيفة أن البعض يعتقدون أنه إذا كان مصير الصحفي “خاشقجي” قد انتهى بالقتل على أيدي السعوديين، فإن ذلك سيكون معناه أنه اختطف بعملية مارقة.
وقالت الصحيفة إن ابن سلمان بالنسبة للكثيرين، لديه “جانب مظلم” و”بلطجة” لدى شاب في عجلة من أمره ومتهور، لديه السلطة المطلقة ولا يتسامح مع المعارضين. ونقلت الصحيفة عن “أحد الأمريكيين البارزين ذوي الخبرة الطويلة في المملكة ومع حكامها” أنه بعد عدة لقاءات مع الأمير محمد اتضح أنه “لا يكون مهتما بالاستماع”، واصفا الأمير بأنه “متسلط”.
وأوردت:”إننا نكتشف ما يدور حوله هذا الملك الجديد، ويثير القلق. إنه جانبه المظلم، ويزداد قتامة”.
مستبد ومعجب بالصين
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي أمريكي رفيع سابق له خبرة طويلة في المملكة من خلال عدة إدارات قوله: “لم يكن هذا ليحدث أبدا بدون موافقة محمد بن سلمان”، مشددا: “لا يمكن ذلك بدون موافقته أبدا أبدا أبدا”. وأكدت الصحيفة أنه لدى العديدين ممن يتعاملون مع المملكة مخاوف بشأن تحويل سلطة المملكة العربية السعودية إلى أمير شاب هو على النقيض من القيادة الحذرة والمسنة التي حكمت المملكة لعقود.
ونقلت الصحيفة عن أحد الأشخاص المقربين من الديوان الملكي قوله: “إنه لا يخفي حقيقة أنه استبدادي”. وأضاف للصحيفة شريطة عدم الكشف عن هويته: “إنه ليس مصابا بالحرج من ذلك، كونه استبدادي”. وقال: “بالتأكيد يرى نفسه كرجل يصنع التاريخ” ، مضيفا أن الأمير محمد “يهتم بعمق بالبلاد”.
وتقول الصحيفة إنه بينما كان معجبو الأمير محمد في الغرب ينظرون إليه كمستقبل لي كوان يو ، أول رئيس وزراء في عصر النهضة في سنغافورة، فإن الأمير ذاته معروف بأنه معجب بالصين، بقيادتها السلطوية واقتصادها المرتفع، كنموذج أفضل للمملكة العربية السعودية.
وأشارت الصحيفة إلى غضب الأمير بن سلمان من انتقادات سجله في مجال حقوق الإنسان، وأنه شكا من أنه تلقى تدقيقا غربيا أكثر مما يتلقاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وقال ولي العهد في مقابلة مع “بلومبرغ” هذا الشهر: “لم أدع نفسي مصلحا”، مشيرا إلى أنه لا يخشى على صورته لدى الغرب.
العلاقات السرية مع إسرائيل
بدورها سلطت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، الضوء على قضية اختفاء الصحفي السعودي البارز، والذي لا يزال مصيره غامضا، وتساءلت: “كيف تورط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بحادثة الاغتيال في القنصلية؟”
وأوضحت الصحفية المختصة بالشؤون العربية سمدار بيري في تقريرها أن “آلاء نصيف زوجة الصحفي خاشقجي، حاولت الالتحاق بزوجها في واشنطن في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إلا أن السلطات السعودية أبلغتها: أنت لن تسافري، التزمي الصمت أو ستسجنين مع أبنائك”.
وذكرت أن سعود القحطاني، وهو مستشار كبير لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو الذي “يبقي الأمور في الظل”، هاتف خاشقجي “مرتين، وطلب منه العودة إلى السعودية ووعده بأن يعين كمستشار خاص لولي العهد”، وفق تأكيد أصدقاء مقربين من “خاشقجي”.
وروى الصحفي السعودي البارز، لأصدقائه أنه “ضحك ضحكة مريرة”، لأن المكالمة التي “بدأت لطيفة انتهت على نحو سيئ، حين أبلغت المستشار بأنه محظور اعتقال من يفكرون بشكل مختلف عن ابن سلمان؛ وعندما تقررون حقا تطبيق الديمقراطية في السعودية ادعوني”.
وفي ذات السياق، “أعيد إلى الرياض على نحو مفاجئ السفير السعودي في واشنطن، خالد بن سلمان (30 عاما) وهو ليس مجرد سفير، فهو ابن الملك والشقيق الأصغر لولي العهد”، وفق الصحيفة.
وأضافت الصحيفة أنه “منذ أن نشبت قضية خاشقجي، كان السفير السعودي عرضة لهجمة عبر الهاتف من قادة الإدارة الأمريكية، ومن رجال أعمال وصحفيين، وأجاب بعضهم بأنه التقى بنفسه مع خاشقجي وأجرى معه حديثا وديا، وبعد ذلك صمت الهاتف، وبقيت المكالمات بلا مجيب، ويوم الجمعة الماضي صعد إلى الطائرة نحو الرياض واختفى”.
ونوهت إلى أنه “مثلما في كل دراما بهيجة، يعنى بها كل العالم علنا أو في الخفاء، فإن اسم الموساد الإسرائيلي أدخل في القضية”، مضيفة أن “رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتابع باستمتاع، وخير له أن يصمت، لأنه سيتعين عليه أن يقرر كيف يواصل العلاقات السرية مع السعودية، في حين أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرر أنه سيواصل”.
وفي نهاية الشهر، وقبل وقت طويل من تفجر قضية “خاشقجي”، تقرر موعد عقد مؤتمر “دافوس” الذي سينعقد في فندق “ريتز كارلتون” في الرياض، وهو الفندق الذي احتجز فيه قبل سنة نحو 200 من كبار أغنياء السعودية، وأعدت السعودية للمشاركين جدول أعمال مكثف، بنية إقناعهم باستثمار 500 تريليون دولار في إقامة المدينة الجديدة “نيوم”.
وأشارت “يديعوت” إلى أن المؤتمر يعقد برعاية “نيويورك تايمز” وبمشاركة كبار رجال الأعمال والحكم من كل العالم، غير أنه يلوح في الأيام الأخيرة هروب كل وسائل الاعلام الأجنبية التي أعلنت أنها لن تصل، ومثلها العديد من كبار رجال الأعمال ومدراء شركات دولية كبرى.
وتابعت: “لكن ترامب على حاله، سيصل المؤتمر وإلا فإن صفقة السلاح الكبرى مع السعودية ستذهب إلى روسيا أو الصين”.