صدى الشام - أحمد الإبراهيم/
اعتبرت صحيفة أمريكية، أن إسقاط طائرة”إيل-20″ الروسية، قبالة سواحل سوريا يوم 17 سبتمبر لن يمر مرور الكرام، مرجحة أن روسيا سوف تنتقم.
ولفتت صحيفة “strategic-culture” الإلكترونية الأمريكية، إلى أن حادث الطائرة الروسية وقع أثناء غارة مفاجئة للطيران الحربي الإسرائيلي على منشآت في سوريا، مشيرة إلى قلق بالغ إزاء الوضع يساور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنه يعتقد أن ذلك كان “نتيجة سلسلة من الأخطاء المأساوية”.
وأسقطت طائرة الاستطلاع الروسية من نوع “إيل-20” في الـ17 سبتمبر الحالي بنيران الدفاعات الجوية التابعة لنظام الأسد أثناء هجوم للطيران الإسرائيلي على مواقع في محافظة اللاذقية، وحملت موسكو تل أبيب المسؤولية عن الحادث، فيما فتحت هيئة التحقيق الروسية قضية جنائية للكشف عما حدث.
وقالت الصحيفة وفق ما نقله موقع “روسيا اليوم” إن روسيا ستنتقم على الأرجح لجنودها، مشيرة إلى أن ثمة خيارات عديدة للانتقام منها إغلاق المجال الجوي السوري أمام الطيران الإسرائيلي من خلال نشر منظومات الدفاع الجوي المتطورة “إس-300” في كافة الأراضي السورية.
وزعمت الصحيفة الأمريكية أن القادم يعتمد على الطريقة التي ستتصرف بها إسرائيل بعد هذا الحادث، التعازي وحدها ليست كافية بعد كل ما ارتكبته تل أبيب بحق الجنود الروس، لأن إسرائيل كانت هي الوحيدة التي تصرفت في 17 سبتمبر في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
وأضافت مع أنه لا يوجد سبب للاعتقاد بأنه كانت هناك نية شريرة لدى الجيش الإسرائيلي، ولكن يجب اتخاذ تدابير عاجلة لتعزيز كفاءة نزع السلاح ومنع مثل هذه المآسي في المستقبل، لذلك من المشكوك فيه أن تواصل إسرائيل من الآن فصاعدا التمتع بنفس حرية العمل في الأجواء السورية، كما كان ذلك قبل وقوع الحادث.
وأشارت الصحيفة إلى أن الحادث الذي ارتكبته إسرائيل أظهر أن ساسة تل أبيب لا يدركون أهمية الدور الروسي في سوريا وفي الشرق الأوسط، وأضافت أنه حان لإسرائيل أن تعي بأن الجهود الدبلوماسية التي تبذلها روسيا في المنطقة تحقق فوائد لتل أبيب أيضا. لهذا ينبغي على إسرائيل أن تتخلى عن سلوكها العدواني وتدخل في تعاون مع روسيا.
وأكدت أنه يحق لروسيا أن تقوم برد على الحادث مثل نشر منظومات “إس-300” في سوريا أو حتى بيعها لسوريا، وعندها سيصبح الطيران الإسرائيلي بلا حول ولا قوة.
مناورات عسكرية بحرية
وعقب إسقاط الطائرة أغلقت القوات الروسية مناطق بحرية واسعة في شرق البحر الأبيض المتوسط، للقيام بمناورات تدريبية يتخللها إطلاق صواريخ من سفن وقطع بحرية روسية تشارك في هذه المناورات بحسب ما ذكرته وسائل إعلام روسية، لكن ذلك لم يتأكد على أنه رد على إسقاط الطائرة.
وتم بحسب وسائل الإعلام إغلاق عدد من المناطق في المياه الدولية في شرق البحر الأبيض المتوسط، بالقرب من سوريا ولبنان وقبرص، بسبب تدريبات تقوم بها سفن البحرية الروسية تتضمن “اختبارات إطلاق صواريخ”، وبحسب القواعد الدولية المعمول بها، فإنه يترتب إشعار حركة الطيران الدولية وكذلك حركة الملاحة البحرية وتحذير طواقم البحارة والطواقم الجوية، وإبلاغهم إحداثيات المناطق المغلقة التي يحظر عليهم دخولها أو الاقتراب منها.
وتضمن بلاغ البحرية الروسية إحداثيات المناطق المغلقة أمام رحلات الطائرات المدنية ومرور السفن البحرية حتى 26 سبتمبر أيلول الجاري، بسبب قيام سفن البحرية الروسية بمناورات وتدريبات في هذه المنطقة.
وقالت وزارة الخارجية الروسية إن تصرف الطيارين الإسرائيليين خلال حادث إسقاط الطائرة الروسية “إيل-20” كان غير مهني على الأقل، مشيرة إلى أن الواقعة تتطلب توضيحات إضافية من إسرائيل، وأضافت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في مؤتمر صحفي أنه: “من المتوقع أن تتوافر في المستقبل القريب معلومات جديدة سيتم نشرها وسوف تعطي الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالمأساة ومدى تورط الطيارين العسكريين الإسرائيليين فيها”. وتابعت: “من الواضح أن الكارثة التي وقعت يوم 17 سبتمبر تتطلب مزيدا من التحقيقات والتوضيحات من قبل الجانب الإسرائيلي”. وعبرت زاخاروفا عن ثقتها بأن “هذه التوضيحات ستتبعها قريبا جدا”.
وأضاف: “من جانبي، أعتقد أن الطيارين الإسرائيليين الذين سببت تصرفاتهم بوقوع خطر وتحطم طائرتنا، وهو ما تشير إليه المعلومات التي قدمها خبراؤنا العسكريون، تصرفوا بطريقة غير مهنية، على أقل تقدير”. وشددت زاخاروفا أنه “من المخجل الاختباء وراء ظهر أولئك الذين يؤدون وظيفتهم بضمان سلامتك وليس بإمكانهم تجنب الرصاصة، التي لم توجه إليهم”.
وفي سياق آخر أكدت زاخاروفا أنباء مفادها أن “جبهة النصرة” تنقل أسلحة كيميائية بما فيها غاز السارين للتشكيلات المسلحة في سوريا.
بوتين يرفض
وبحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن القومي المسائل المتعلقة بتعزيز أمن العسكريين الروس في سوريا إثر إسقاط الطائرة الروسية “إيل-20” على يد نظام الأسد بالخطا، وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف للصحفيين: “الأجندة تضمنت موضوع تعزيز أمن العسكريين الروس في سوريا بعد كارثة “إيليوشين – 20″. وكان بوتين كان قد أعلن أن روسيا ستتخذ خطوات سوف يلاحظها الجميع لزيادة أمن مواقعها والعسكريين الروسي في سوريا. وأعلن المتحدث الرسمي باسم الكرملين أن فلاديمير بوتين لا ينوي استقبال قائد سلاح الجو الإسرائيلي عميكام نوركين الذي وصل موسكو على رأس وفد عسكري. وذكر بيسكوف في حديث للصحفيين أن بوتين لن يستقبل المسؤول العسكري الذي حمل إلى موسكو نتائج التحقيق الإسرائيلي في حادثة إسقاط طائرة “إيل-20” الروسية في سوريا.
العلاقات بين الطرفين
وقال المحلل الإسرائيلي أفي لسخاروف لوكالة الأناضول إن “هناك تخوف كبير في إسرائيل من الخطوات التي قد تقدم عليها روسيا” وأضاف: “مبعث المخاوف الإسرائيلية هي نوع القيود التي قد تفرضها روسيا على حرية حركة طائرات سلاح الجو الإسرائيلي في مهاجمتها أهداف إيرانية وسورية في العمق السوري”.
وقال لسخاروف “لقد حرصت إسرائيل دوما على عدم وقوع أي مشكلة مع روسيا وهناك بالطبع تنسيق مستمر بين إسرائيل وروسيا سواء على المستوى السياسي او على المستوى العسكري ولكن ما حدث الاثنين كانت بمثابة مشكلة كبيرة”، وأضاف “لم يكن أحد ليتوقع سقوط طائرة روسية تقل ضباطا، صحيح أن إسرائيل ليست مسؤولة وقد أعلنت ذلك رسميا ونشرت نتائج التحقيق الأولي للجيش وكان هناك تخفيف في حدة الموقف الروسي، ولكن هناك مشكلة”. وتابع لسخاروف: “الوضع الآن يمكن تلخيصه بعبارة “ننتظر ونرى”، فما هونوع القرارات التي ستتخذها روسيا؟ لا أحد يدري ولكن هناك محاولة إسرائيلية حثيثة للإبقاء على التفاهمات القائمة”.
واعتبر المحلل الإسرئيلي في هذا الصدد أن “الروس يلعبون لعبة مزدوجة، فهم من ناحية ينسقون مع السوريين ويوفرون لهم الحماية، ومن ناحية أخرى، يعطون إسرائيل الضوء الأخضر لضرب أهداف إيرانية في سوريا لمنع أي تموضع إيراني على الأراضي السورية، وهي بلا شك معادلة معقدة”.
ولكن ثمة محاولات إسرائيلية لمنع أي إجراء روسي من خلال إلقاء اللوم على قوات النظام واستنكار أي محاولة لوضع اللوم على إسرائيل، وقال عاموس يادلين، رئيس جهاز الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية في الفترة ما بين 2006 و2010، ” دعونا نضع الحقائق في سياقها، لقد تم إسقاط الطائرة الروسية بصاروخ سوري من طراز (سام 5) “.
وأضاف في سلسلة تغريدات على حسابه في “تويتر” إنه “لا يوجد شيء اسمه ” يختبيء وراء طائرة” ، هذه الإدعاءات الروسية غير المهنية خاطئة” في إشارة إلى اتهامات روسية للطائرة الإسرائيلية بالإختباء خلف الطائرة الروسية لتفادي المضادات السورية.
وتابع يادلين: “التوقيت هو كل شيء: في وقت الضربة (الإسرائيلية لموقع في سوريا)، لم تكن الطائرة الروسية في المنطقة، وعندما تم إطلاق صاروخ سام السوري (على الطائرة الروسية)، كان مقاتلو إسرائيل قد عادوا إلى مجالهم الجوي بالفعل، فيما لم تهتم الإطلاقات السورية العشوائية أبدا بالتحقق من عدم وجود طائرات روسية في السماء”.
واشار يادلين الى إن إسرائيل أعربت عن الأسف عن الأرواح الروسية المفقودة، إلى جانب استخلاص المعلومات بشكل شفاف ومهني مشترك مع روسيا، وهو ما قد يمهد الطريق لإنهاء هذه الأزمة، على الرغم من أن الضغائن قد تبقى”.
وقال عاموس هارئيل ، المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية “يمكن توقع تشديد في الموقف الروسي تجاه إسرائيل وتحديد حرية الحركة الجوية الإسرائيلية في سوريا”، ورأى هارئيل إن “الحادث وضع إسرائيل في موقف صعب للغاية مع الروس ، ومن الممكن أن يؤثر سلبا على حرية الحركة الإستراتيجية التي تمتع بها سلاح الجو الإسرائيلي في الجبهة الشمالية حتى الآن”.
ورأى المحلل العسكري الإسرائيلي أن الآثار العملية للتطورات ستظهر في الأيام القادمة وقال “من الممكن، على سبيل المثال، أن تطلب روسيا من إسرائيل إنذارا مسبقا قبل تنفيذ هجمات، يمكن أن تفرض منطقة حظر للمقاتلات الإسرائيلية بالقرب من قواعدها في شمال سوريا، أو يمكن أن تزود جيش الأسد بأنظمة دفاع جوي جديدة تم حجبها حتى الآن”.
ولكن المحلل العسكري في صحيفة ” يديعوت أحرونوت” الإسرائيلي اليكس فيشمان تناول الحادثة بتقرير أسماه ” ثمن الفشل”، وكتب فيشمان أنه “لا يمكن اعتبار أي عملية عسكرية ، مهما كانت محكمة ، تنتهي بأزمة دبلوماسية لا داعي لها مع قوة عظمى ، بأنها ناجحة. حتى لو تحققت الأهداف العسكرية، فهي فاشلة ، لأن الشرق الأوسط ليس وجبة غداء مجانية: اسرائيل ستدفع أكثر لحقيقة أن الروس قد فقدوا طائرة تجسس الإلكترونية كان على متنها 15 من ضباط وخبراء المخابرات وطاقم الطائرة”.
وأضاف: “صحيح، إن الروس لن ينتقموا صباح الغد بتنفيذ عملية ضد قواعد سلاح الجو ، على النحو المقترح من قبل لجنة الدفاع في البرلمان الروسي، ولن يتم إسقاط الطائرات الإسرائيلية من قبل أنظمة روسية مضادة للطائرات في سوريا ، ولكن سيكون مطلوب من إسرائيل الآن أكثر من أي وقت مضى ملائمة سلوكها في الأراضي السورية مع المصالح الروسية هناك”.
الغارات لن تتوقف
وقالت إسرائيل إنها لن توقف ضرباتها في سوريا لكنها ستبذل مزيدا من الجهد “لعدم الاشتباك” مع القوات الروسية، وذلك بعد أن اتهمتها موسكو بارتكاب “أفعال غير مسؤولة وغير ودية” أدت إلى إسقاط الطائرة الروسية عن طريق الخطأ بنيران نظام الأسد، بحسب ما نقلته وكالة رويترز.
وكتبت السفارة الروسية في تل أبيب على تويتر باللغة الإنجليزية “تعتبر موسكو أفعال سلاح الجو الإسرائيلي غير مسؤولة وغير ودية إذ عرضت طائرة روسية من طراز إليوشن-20 للخطر وأدت إلى مقتل 15 عسكريا”، وأضافت أن روسيا “ستتخذ كل الإجراءات اللازمة لإبعاد كل ما من شأنه أن يهدد حياة وأمن قواتنا التي تحارب الإرهاب”.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان في حديث لراديو الجيش إن إسرائيل لن توقف الهجمات في سوريا، وأضاف “سنبذل كل ما هو لازم لضمان سلامة المواطن الإسرائيلي… ولن نجري هذه المناقشات عبر الأثير”.
وقال نفتالي بينيت، وهو أيضا عضو في مجلس الوزراء الأمني المصغر، إنه سيتم تحسين “آليات عدم الاشتباك”، مشيرا إلى خط روسي إسرائيلي ساخن يهدف لتفادي الاشتباكات غير المقصودة مع القوات التي أرسلتها موسكو إلى سوريا في إطار تدخل عسكري بدأ عام 2015. وقال بينيت لراديو الجيش في مقابلة منفصلة “سنعزز هذه الآليات قطعا. سنبذل كل جهد كي لا نؤذي أحدا دون قصد لا قدر الله”. وتوقع المعلق العسكري الإسرائيلي المخضرم رون بن يشاي أن تتبع القوات الجوية نهجا يتسم بقدر أكبر من التريث في الضربات القادمة.
وقال بن يشاي لتلفزيون (واي نت) “من الممكن في المرة القادمة أن يقولوا: حسنا، فلننتظر حتى تعود الطائرة (الروسية) إلى قاعدتها ثم ننفذ الهجوم”.