صدى الشام - جلال بكور/
شهادة تروي الشيء الكثير مما يحصل في سجون نظام الأسد، على الرغم من قصر وقتها إلا أنها شهادة تحمل كما من المعاناة لا يمكن لبشر أن يصفها لا بكلام ولا بتعبير، شهادة عرضها الفيلم الوثائقي “أحياء في مقابر”، لعدد ممن شهدوا على الموت في سجون نظام الأسد.
وعرض الفيلم الوثائقي القصير لأول مرة في مدينة اسطنبول بدعوة من “حركة حقوق الإنسان والعدالة” “IHAK” التركية، وفريق “أنقذوا البقية” السوري، بهدف تسليط الضوء على معاناة المعتقلين في سجون نظام الأسد.
ويستمر الفيلم مدة سبعة عشر دقيقة تناول خلالها شهادات لمعتقلين أمضوا في سجون النظام ونالوا من التعذيب ما نالوه قبل أن يحظوا بفرصة النجاة، تلك الفرصة التي لم يحصل عليها غيرهم من المعتقلين الذين ما زالوا قابعين في تلك السجون.
ويعرض الفيلم لقطات من التعذيب والتنكيل في سجن صيدنايا السيء الصيت، كما يبرز الفيلم الحالة الطائفية التي عمل بها النظام في عملية الاعتقال من خلال الاعتقال على الهوية، فمثلا “أنت معرض للاعتقال فقط لأن مكان ولادتك هو داريا”.
ويظهر الفيلم أن النظام اعتبر المعتقلين فقط أرقاما حيث كان السجان ينادي المعتقل برقمه، ويأتي ذلك لغاية إخفاء هوية المعتقل وطمسها، وجعل المعتقل نفسه ينسى من هو.
اتهامات باطلة
وتروي شهادة الناجين من الموت في سجون الأسد كيف يجبر سجان النظام المعتقلين على التوقيع على أوراق لا يعرفون ما كتب عليها، ومما كتب على تلك الأوراق اعترافات بحمل السلاح والأعمال الإرهابية وغيرها من الاتهامات الباطلة التي يريد النظام توجيهها للمعتقل.
ويؤكد الشهود على أن المعتقل يجبر على التوقيع تحت وطأة التعذيب والتهديد بالقتل، ويأتي ذلك لأن النظام يريد حماية نفسه من المساءلة لاحقا، ومن التهم التي أصدرها النظام مجددا واخترعها تهمة “التفكير بالانشقاق” أي التهمة هي مجرد التفكير.
وتحدث الفيلم عن الإضراب في سجن النساء بعدرا وخروج عدد كبير من المعتقلات المضربات من السجن، وبعد الإفراج تم اعتقال عدد كبير من المفرج عنهم من قبل الفروع الأمنية الأخرى وكأنه لم يفرج عنهم ليعودوا إلى رحمة السجان لكن بلون آخر.
أحكام ظالمة
وتحدث الشهود أيضا عن أحكام أصدرتها ما يطلق عليه النظام تسمية “محكمة الإرهاب” وهي أحكام تراوحت بين السجن المؤبد والإعدام والسجن لخمسة عشر سنة.
ويتعرض السجناء للتعذيب دون أي سؤال وفق الشهود، وبعدة وسائل منها الشبح والفلقة والدولاب وقلع الأصابع وفي بعض الحالات وصل التعذيب إلى حد الاغتصاب والحرق بالنار بشكل بطيء، كما تحدث الشهود عن الخوف النفسي في المعتقل والذي كان النظام يعتمد عليه من خلال تعذيب المسجون أمام سجين آخر بهدف إرهاب السجين.
كما تحدث الشهود عن حالات القتل تحت التعذيب، وعن معاملة ذل تعرضت لها النساء خاصة في حالة الدورة الشهرية، وكيف كان النظام يعامل السجينات بقسوة، ومن مشاهد الذل التي تحدث عنها الشهود أن معتقلا رجلا كبيرا في السن سقطت بدلة أسنانه في حفرة “المرحاض”، فأجبره السجان على وضعها في فمه بعد إخراجها من الحفرة ملوثة.
غياب المحاسبة
وعقب عرض الفيلم عقدت جلسة نقاش حول انتهاكات حقوق الإنسان في سجون نظام الأسد والذي بدوره يواصل ارتكاب الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري ويستمر بإنكار المسؤولية في ظل غياب المحاسبة من قبل المجتمع الدولي.
وتأسف السياسي السوري والمعتقل السابق في سجون الأسد “خالد خوجة” من أنه لم تكن هناك أي خطوات جدية من أجل المعتقلين في سجون النظام مضيفا: “لا نعرف كيف سيكون هناك بعد الآن، لقد تحدثت إلى الصينيين والروس والإيرانيين ولكنهم لم يساعدونا حتى من أجل شخص واحد.”
وقال “خالد خوجة”: “هناك ما يزيد عن 450 ألف معتقل في سجون الأسد، والروس لم يتحدثوا عن ذلك وهناك 6 ملايين لا يستطيعون العودة إلى سوريا، عندما نتحدث عن هذا الرقم مع الروس النظام يقول إن لديه ألف شخص وينكر البقية.”
وتحدث “خوجة” عن ممارسات النظام بحق المعتقلين السياسيين قبل الثورة حيث كان يجبرهم في النهاية على مغادرة البلاد هربا، أو الرضوخ إلى ما يريده، مضيفا: “اليوم مع الأسف النظام لا يسمح لأحد بزيارة السجون والاطلاع على ما يجري في داخلها وذلك كله يأتي بدعم من روسيا، ومن يظهرون أنفسهم على أنهم أصدقاء الشعب السوري لم يتحدثوا عن موضوع المعتقلين ولم يعملوا من أجله بجد فيما النظام ما زال ينكر إعدام الناس في السجن، يجب الضغط على النظام من قبل الدول وأشكر المنظمات التي تعمل على إظهار معاناة المعتقلين.”
من جانبه قال “رياض أولار” المعتقل التركي السابق في سجون الأسد وعضو رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا ورئيس جمعية الحقوق المدنية التركية إنه اعتقل خمسة عشر عاما لدى النظام ولم يعطي أي خبر لعائله.
وأضاف: “في ذلك الوقت ذهبت إلى سوريا من أجل الدراسة في عام 1980 وكانت في وقتها الأحداث مشابهة لما يحصل الآن وكان هناك سجن تدمر والناس تقتل، فكنت أريد الكتابة عن ذلك ليتم اعتقالي حتى 1996.”
وأشار “رياض أولار” في حديثه إلى أن العديد من الأكراد والتركمان كانوا معتقلين معه في ذات السجن، ووجه النظام لهم اتهامات باطلة، مضيفا: “بقيت أتعرض للتعذيب شهرين بشدة، كانت أيام سيئة جدا وفيما بعد علمت أنه إن كنت أقبل أو لا أقبل هذه الاتهامات فهي لفقت لي والمحاكم تحكم وفق مزاجها ورغبتها.”
وأضاف: “تم اعتقالي في عهد الأسد الأب والأسد الابن وبقيت في المنفردة لمدة سنتين في سجن القابون ولم يتركوا لي فرصة للخروج إلى الضوء، كنت دائما أسمع أصوات التعذيب وأنا في السجن، سمعت لاحقا أن زوجتي اعتقلت وبقيت أربعين يوما مضربة عن الطعام وهي ستموت، وأنا لم أكن أعلم ذلك، تركوني أراها كانت تموت وسألتها لماذا قالت الموت أحسن من العيش.”
وأكمل : “نقلت إلى سجن صيدنايا وهو سجن عسكري وقاموا بالاضطهاد والتعذيب بطريقة خارج التصور الإنساني، عرضت على محكمة الأمن القومي وحكمت بالمؤبد ولم أعلم ما هي التهمة والجريمة، وكانوا يتهمونني بالعمالة للدولة التركية”.
وتحدث “رياض أولار” عن العصيان الكبير في سجن صيدنايا مشيرا إلى أنها كانت مؤامرة من النظام الذي قام بالهجوم على السجن وقتل مائتي معتقل أمام عيونه.
وبدورها تحدثت المعتقلة السابقة “منى محمد” – ناشطة في برنامج تعافي المعني برعاية وتأهيل الناجين – عن أم لثلاثة أطفال وقفت سيارة واعتقلت الأم من أمام أطفالها بعد وضع كيس أسود برأسها، وكانت في السجن كل يوم تكتب لابنها على الجدران وتتحدث معه.”
وأضافت أن “هناك الكثير من الأطفال الذين ولدوا في السجون، النظام كان يعتقل النساء الحوامل والنساء الحاملات للأطفال حديثي الولادة” مشيرة إلى أن النظام اعتقل امرأة بعمر 60 سنة بتهمة الجلوس على السطح ومراقبة الطيران الحربي، كما اعتقل النظام امرأة مسنة بتهمة دعم الإرهاب عندما حاولت إطعام بسكويت لطفل محاصر.
كما أكدت على أن هناك مئات المعتقلات من الطالبات الجامعيات ما زالوا قابعات في سجون نظام الأسد.