حاوره- مصطفى محمد/
عد الكاتب والإعلامي السوري، الدكتور أحمد الهواس، أي اتفاق توقعه روسيا في سوريا بأنه “اتفاق غير شرعي” نظرا لوجودها غير الشرعي في سوريا أساسا، مشيرا إلى ما وصفها بـ”الأفخاخ” أمام تنفيذ اتفاق “سوتشي” حول إدلب، وعلى رأسها مصير ومستقبل “هيئة تحرير الشام” وقادتها وخصوصا الأجانب منهم.
وفي حواره مع “صدى الشام” رجح الهواس عدم سحب الولايات المتحدة لقواتها من سوريا، بسبب التهديدات التركية بالقضاء على “قسد” في حال تركتهم بدون حماية.
وعن الحل في سوريا، قال إن “التصور الأمريكي للحل في سوريا، يمر عبر تحويل البلاد إلى بلاد معقدة سياسيا (فدرالية لا مركزية)، وتمكين الأقليات”.
وإلى نص الحوار الكامل:
انقسام واضح أحدثه اتفاق “سوتشي” حول إدلب بين الأوساط المعارضة، ففي حين اعتبر البعض الاتفاق بمنزلة الانتصار للمعارضة ولدور تركيا في سوريا، اعتبره البعض الآخر أنه اتفاق يؤسس لإضعاف المعارضة، ما هي رؤيتكم للاتفاق؟
لنميز أولا بين الثورة والمعارضة، الثورة هي تقوم بفعل الهدم والبناء، هدم النظام السياسي الذي قامت عليه، وبناء ما يتطلع إليه الثائرون من دولة للعدل والحرية والمساواة ودولة المواطنة التي غابت عمليا في سوريا منذ استيلاء حزب البعث على السلطة.
هذه الثورة لا شك أنها مرت بمطبات مختلفة ومراحل أيضا، بعضها فرض عليها فرضا، ومنها موضوع العسكرة والقتال الذي فرضه النظام غير الشرعي، والثورات لا تنتهي بالمفاوضات، لأن أساس الثورات إسقاط النظام القائم وتحويله إلى عصابة مستولية على السلطة، وهذا يسمى الشرعية الثورية.
بالتالي إن الشرعية الثورية هي التي أسقطت النظام، والأمر أدى إلى عدم وجود نظام في سوريا بعد الثورة، وحين يأتي الثوار إلى المفاوضات فهم يعيدون إحياء جثة هامدة، فضلا أن هناك مشكلة يتحمل وزرها المجتمع الدولي حين أسس الائتلاف المعترف به من 125 دولة.
وبالعودة إلى سؤالكم، لم يحدث الاتفاق انقسام في الشارع السوري فحسب، بل أسس لمشكلة أكبر، حيث نقل الثورة إلى المعارضة، وهذا تسخيف للثورة السورية، حين تعاد الثورة إلى معارضة يعني ذلك أن ثمة نظام شرعي ونحن نقوم بمعارضته، أي من أبسط مفاهيم المعارضة وجود نظام شرعي يستوجب معارضته.
بمعنى آخر المعارضات حالة صحية في وجود الأنظمة الشرعية، وما يحدث في هذا الاتفاق وغيره من محادثات جنيف وأستانة هو خلط جريء، إذ كل هذه المحادثات تعيد الاعتبار للنظام باعتباره الجهة المسؤولة عن جمع السلاح، مع الحفاظ على الأجهزة الأمنية التي قام عليها الشعب السوري.
لكن الاتفاق عقد بين طرف إقليمي وطرف آخر دولي؟
ولذلك أنا تحدثت بكل ذلك، حتى أشير إلى الخلل الذي نحن فيه، فعلى سبيل المثال إن روسيا التي هي طرف في هذا الاتفاق، مصنفة وفق القانون الدولي على أنها دولة غازية، وليست محتلة، وهناك فارق كبير ما بين المصطلحين. إن القانون الدولي المعاصر حرم أمرين، الفتح بالقوة والضرب بالقوة، أي أخذ أراض الغير بالقوة وكذلك استخدام القوة ضد الغير.
وعندما جاءت روسيا إلى سوريا في الربع الأخير من عام 2015، لم تكن تملك المسوغ القانوني لتدخلها، وبينا سابقا أن حديثها عن طلب من النظام الشرعي بالتدخل صار حجة باطلة، لأن النظام سقط بالشرعية الثورية أولا، ومن ثم باعتراف 125 دولة بالائتلاف.
وعلى ذلك فإن دخول روسيا وتواجدها في سوريا غير شرعي بالمطلق وهو يدخل في بند الغزو، وبالتالي من حق الشعب السوري أن يقوم بقتل الغزاة في حين لا يحق للروس أن يصفوا المقاومة السورية بالإرهاب، لأن حق المقاومة مكفول للشعوب.
وحتى لا أعقد الأمور أكثر، نحن نتحدث عن مؤتمر بأساس قانوني باطل وغير شرعي، ونحن في مشكلة كبيرة هنا وهي تعميم المصطلح السياسي على حساب المصطلح القانوني.
بعد أيام من اتفاق سوتشي، اعتبرت القاعدة العسكرية الروسية في حميميم بسوريا، أمس، أن الاتفاق الذي توصلت إليه موسكو وأنقرة حول إدلب يعطي “الحق للقوات الروسية باستخدام القوة للقضاء على تنظيمات إرهابية، ما لم تنفذ تركيا تعهداتها بالطريقة السلمية”، هل هذا يعطي انطباعاً بوجود نوايا روسية بالالتفاف على الاتفاق، أم أن الاتفاق بعد اعتماده نصه من الأمم المتحدة كوثيقة رسمية يسحب الذرائع من روسيا؟
روسيا تحتاج إلى قرار من مجلس الأمن حتى تتحول إلى دولة محتلة، كما حصل في الحالة العراقية، حين غزت أمريكا العراق دون غطاء شرعي من مجلس الأمن، والدولة المحتلة يفرض عليها المجتمع الدولي مجموعة من التكاليف القانونية، وعلى رأسها، الحفاظ على الإقليم واستقلاله وعدم العبث به وعدم تغيير شكله، لأن القاعدة القانونية تقول أن الاحتلال لا ينقل سيادة.
أما الأمر الآخر الذي نتحدث به عن اتفاق روسيا، فبالتأكيد تحاول موسكو أن تكيف الأمر كله تحت بند محاربة الإرهاب، وحديث روسيا في هذا الصدد عن حرب الإرهاب حديث سياسي لا يوجد له مقترن قانوني لأنها خارج الحلف الذي شكلته الولايات المتحدة في العام 2014 لمحاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم “داعش”. أما عن اعتراف الأمم المتحدة فهو عبارة عن تخمينات ولم يصدر قرار رسمي بعد من مجلس الأمن، إذا هذا تصور للآن.
وفي حال صدر قرار أممي ملزم حينها، فحينها يصبح الاتفاق حول إدلب اتفاقا أمميا.
مقابل المشهد المطمئن إلى حد ما الذي أشاعه الاتفاق، يرى مراقبون أن ثمة أفخاخ في طريق تنفيذ بنود اتفاق إدلب، منها طريقة معالجة مستقبل “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا) وفصلها عن المعارضة، والخلافات المحتملة على ترسيم خطوط الفصل والمنطقة المنزوعة السلاح، ما تعليقكم على ذلك؟
تماما، ومن أهم الأفخاخ التي أمامنا هو تحديد المنظمات أو الهيئات الإرهابية، والمشكلة التي نعاني منها هي عدم وجود تعريف للإرهاب، فبالتالي إذا كانت “هيئة تحرير الشام” التي هي بديل عن “جبهة النصرة” توصف بهذا الوصف، فعلى من يقع عاتق تفكيكها، على الجانب التركي أو على الروسي أم نخوض حربا.
وهنا نسأل بما أن المهمة ملقاة على عاتق تركيا، ماذا عن قادة الهيئة وتحديدا الأجانب منهم، وما هو مصيرهم، بالتالي هناك أفخاخ كثيرة في هذا البند. والأمر الثاني أيضا، هو فكرة وآليات تنفيذ المنطقة المنزوعة السلاح، وكذلك ماذا نعني بسحب السلاح، وبناء على ذلك أجد أن كل ذلك وباعتقادي الشخصي يحول دون تنفيذ الاتفاق.
ولا أجد صعوبة بالقول إن ما جرى هو استراحة محارب حتى تطمئن روسيا ومع حليفتها إيران بأن المنطقة أصبحت خاصرة رخوة عسكريا، ويمكن التقدم إليها وأخذها بقوة السلاح، الذرائع كثيرة ومنها تنميط الإرهاب.
في موضوع متصل، أكد أمين عام مليشيا “حزب الله” أنه باق في سوريا حتى إشعار آخر، ما دلالة هذه التصريحات في هذا التوقيت؟، وبالمقابل كشفت صحف عربية عن عرض أمريكي للنظام محوره فك ارتباط النظام بإيران مقابل تطبيع واشنطن العلاقة معه من جديد، وهنا نسأل هل تصريحات “حسن نصرالله” هي رد على العرض الأمريكي لدمشق؟
بتقديري تصريحات “نصر الله” تأتي تطمينا للانسجام الإيراني الأمريكي الإسرائيلي حتى لو طفى على السطح ما يراد أن يقال عنه أن خلافات تقع بينهما. ولماذا تقسم أمريكا الإرهاب في سوريا إلى إرهاب حلال وآخر حرام، وهذا واضح من خلال تأدية “حزب الله” لمهام داخل سوريا برضاء أمريكي وإسرائيلي، وليس أقلها التغيير الديموغرافي والتشييع سواء العقدي المذهبي أو السياسي.
أما عن العرض الأمريكي، فيعني أن أمريكا هي القاضي وهي الخصم وهي الحكم كذلك، ويعني أن قتل مليون سوري وتهجير الملايين يمكن أن يصفح عنه، وأنه يمكن إعادة تأهيل النظام الذي فعل كل ذلك، بل حتى رأس النظام.
أما موضوع إخراج إيران، فالعالم يدرك أن إيران ستخرج وهي لا تستطيع أن تبقى عسكريا، لكنها ضمنت أن تبقي ظلالها على الأرض، وهي حين تقرر الخروج سوف تترك العشرات من الآلاف الذين جنسوا بالجنسية السورية، فضلا عن التشييع.
واليوم نشاهد الحشود الضخمة للمحتفلين بذكرى عاشوراء في المدن الرئيسية السورية، هذا ما فعلته أمريكا، وقد ذكر شارون هذا الأمر في مذكراته في الصفحة 583-584 الصادرة عن دار الساقي، حيث قال “نحن من صنع حزب الله، ونحن من دعمه بالسلاح، وقد ندعم في ما بعد الدروز لأن الأقليات هم الضمانة الحقيقية لأمن إسرائيل، والسنة هم أعداء إسرائيل”.
بالتالي علينا أن ندرك تماما بأن الحرب في سوريا كانت موجهة ضد الكتلة الصلبة للشعب السوري، أي السنة.
إذا، التصريحات ليست ردا على عرض أمريكي أو ما شابه، إنما هي تناغم مع الحالة الأمريكية، هو يريد أن يوحي لواشنطن من بعيد بأن الحديث عن إخراج إيران أو أذرعها هو بمنزلة حالة من التحدي.
قبل أيام أيضا، جدد ترامب حديثه عن احتمال انسحاب قوات بلاده من سوريا، ما الرسائل التي يريد ترامب إيصالها، وهل هو جاد فعلا بسحب قواته من هذه المنطقة؟
كالعادة، موضوع سحب القوات هو ورقة يستخدمها ترامب في كل مرة لابتزاز تركيا والخليج.
القوات الأمريكية لن تبقى في سوريا إلا في حالتين، الأولى إذا علمت أمريكا يقينا بأن تركيا ستقوم بضرب “قسد” التي هي مشروع انفصالي في الشمال السوري الذي تعتبره أمريكا منطقة سوريا المفيد الحقيقية، بسبب ثرواتها النفطية والزراعية.
في حال أدركت أمريكا أن قسد منتهية بقرار تركي، ونرى أن هذا القرار يلوح رويدا رويدا من قبل تركيا، فهي ستضطر إلى البقاء. الأمر الثاني، بحسب تقرير مسرب فإن واشنطن ستقوم ببناء خمس قواعد عسكرية في المنطقة، أربع منها في شمال شرق سوريا، وأخرى في منطقة الشرقاط بالعراق بالقرب من الموصل، حتى تكون بديلة عن قاعدة “إنجرليك” التركية.
وأمريكا تعد العدة في حال تفاقمت مشاكلها أكثر مع تركيا، للطلب من حلف الناتو بإخراج تركيا منه، أي هي تخطط لبديل إنجرليك في حال مضت أو اتخذت قرار بإخراج تركيا من حلف الناتو.
أما إذا سارت الأمور كما تريد أمريكا، إي إعادة إنتاج النظام وتسليم الحكم من أقلية إلى تساند الأقليات، أي بتحول سوريا من دولة بسيطة إلى دولة فدرالية معقدة لا مركزية، وبتقسيمها إلى مناطق مختلفة، حيث تحشر الكتلة الصلبة في منطقة ممتدة من البوكمال حتى إدلب، مع تسليم الشمال الشرقي إلى الكانتون الكردي، ويتم إنشاء قوس قوي في الجنوب مشترك بين الدروز والعلويين.
ودعني أشير هنا إلى أمر في غاية الأهمية، إن إسرائيل ليس لديها مشكلة مع إيران، غير أن الدروز لا يريدون أن تقترب إيران منهم، لماذا؟، لأن الدروز يريدون أن يحافظوا على عقيدتهم ولا يريدون أن يكرروا ما حدث مع العلويين.
الطائفة العلوية أساسا ليست من طوائف الشيعة، بل هم طائفة باطنية لهم فلسفتهم الخاصة، ولكن الآن فرض عليهم التشيع مقابل نصرة إيران لهم، وفتوى موسى الصدر في العام 1972 بأن “الطائفة النصيرية جزء من الشيعة” كانت فتوى سياسية، ولم تكن قط فتوى دينية، والغاية منها السماح لحافظ الأسد بكونه مسلم بأن يعتلي السلطة في سوريا، كون الدستور السوري نص على أن يكون الرئيس مسلما.
الآن الدروز لا يريدون أن يكرروا المشكلة التي وقعت بها الطائفة العلوية، ولذلك يطلبون إبعاد إيران عن الجنوب، وهم من سيتولون مهمة حماية إسرائيل والسيطرة على الجنوب بما فيها درعا بعد تفكيك الفصائل. بعبارة أوضح ، إن الحكم في سوريا سيسلم إلى طوائف وأقليات بدلا من طائفة واحدة.
يوحي المشهد السوري اليوم بقرب انتهاء العمليات العسكرية، ما عدا تلك التي تخوضها “قسد” وقوات النظام ضد تنظيم “داعش” في البادية وشرق دير الزور، هل يؤسس ذلك إلى تسريع الحل السياسي، أم ما زال المجتمع الدولي غير جاد بحل المسألة السورية؟
المسألة السورية لا يمكن أن تحل إلا وفق رؤية أمريكية، قدمها مجموعة من المفكرين الأمريكان للرئيس السابق باراك أوباما، فحواها يؤكد على استبعاد انتصار الثورة، لأن ذلك سيؤثر على البناء الرسمي العربي الذي رسمته بريطانيا والذي تسلمته أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية.
أمريكا تريد الحفاظ على الأنظمة الوظيفية العربية، ولا تريد لهذا البناء الذي هزه الربيع العربي أن يسقط، ولذلك هي أعادت هذا البناء أكثر قسوة، سواء بالثورات المضادة أو بضرب بعض الثورات والبلدان مثل ليبيا والثورة السورية.
هم يريدون حلا لا ينتهي باستلام الكتلة الصلبة لمقاليد الحكم في سوريا، ولن يشرعوا بتطبيق هذا الحل حتى يتأكدون من أن سوريا الدولة أصبحت معطلة وغير قادرة على القيام إلا لسنوات، وحينها سيقومون بتمكين الأقليات، وعندما تقترب الأمور من نهايتها ربما ستقوم روسيا بقتل رأس النظام نزولا عند تكليف أمريكي، لتظهر لنا حكومة مصنعة على نصف ثورة ونصف نظام، لتمييع حقوق الناس بذريعة المسامحة كما حدث في الجزائر ورواندا.
لكن هذا لا يعني نهاية الثورة، الثورة حراك مستمر بدلالة الحراك السلمي الذي تجدد، وأقول بثقة لن يستطيعوا هزيمة الشعب السوري.