صدى الشام - مصطفى رجب/
“ازدحمت الأسواق والحدائق بالسوريين فرحا بقدوم عيد الأضحى المبارك الذي كان له طعم مختلف هذا العام بعد أن عم الأمن والأمان مختلف ربوع الوطن، وكانت حالة الطمأنينة التي كانت ترتسم على وجوه الناس كفيلة بسرد حكايات وأساطير الصمود والشموخ والتضحيات والبطولات التي صنعها أبناء هذا الشعب الذي علم العالم كله معنى العطاء والفداء وبذل الغالي والنفيس في سبيل أن يحيا الوطن حراً وعزيزاً وشامخا”، تلك الكلمات كانت مقدمة لتقرير نشرته صحيفة البعث الصادرة عن مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر التابعة لوزارة الإعلام في حكومة نظام الأسد.
ولم تخرج تلك المقدمة عما يقوم به دائما نظام الأسد من استغلال أي حركة للمدنيين بهدف إظهار الأمن والأمان الذي عاد إلى ربوع الوطن بفضل قيادة “بشار الأسد” الحكيمة، متناسيا ما أحدثته الحرب التي يشنها النظام ضد السوريين منذ قرابة ثمانية أعوام من قهر وحزن وفقد وغيره من معاناة يكتمها الكثير من السوريين الذين ما زالوا مقيمين في مناطق سيطرة النظام.
ولعل النظام يتوقف عند فرحة طفل لم يعرف بعد معنى أن تفقد غاليا ليسرق تلك الفرحة ويعيد سببها إلى “عودة الأمن الأمان والنصر على الإرهاب”، لكنه لن يقف عند طفل فقد قطعة من جسده بسبب قذيفة من جيشه وميليشياته الطائفية.
ويذهب كاتب المقال “فردوس دياب” في مقاله إلى أن الناس التي صنعت الحلويات في هذا العيد بدمشق لم تكن لتصنع تلك الحلويات لولا جيش النظام.
وقال: “عادت في مدينة الياسمين رائحة الحلويات وخاصة المعمول لتختلط برائحة الياسمين الذي يحكي تاريخ وعراقة هذا الشعب خاصة أن معمول هذا العيد مختلف بنكهته ورمزيته لأن الكثيرين من السوريين قد حضروه وصنعوه في بيوتهم التي أعادها إليهم جيشنا المغوار بعد أن هجرهم منها الإرهاب لسنوات طويلة، عادت رائحة الإرادة والصمود لتختلط بعبير التضحيات والبطولات والدماء التي قدمها الشعب السوري في مواجهة أعدائه الذين انهزموا أمام إرادته وبسالته ووحدة أبنائه وتلاحمهم.”
ولم تكن للناس فرحة في هذا العيد أو أي مشاعر من ذلك القبيل لولا الصمود والآمان الذي بات يعيش به كل السوريين بفضل رجالات “الجيش العربي السوري”.
واستشهد كاتب المقال زاعما برواية بعض المواطنين ومنهم “نضال الأحمد” موظف في البريد، حيث قال إن لعيد الأضحى هذا العام نكهة خاصة لأنه “أتى وقد حرر الجيش العربي السوري البطل معظم المدن والمناطق والبلدات التي احتلتها التنظيمات الإرهابية التي كانت سببا رئيسيا خلال سنوات الحرب الماضية في اغتيال الفرحة والبسمة على وجوه الشعب السوري.”
وكذلك “أم لؤي” والتي قالت : “إن الانتصارات الكبيرة التي حققها أبطال جيشنا الباسل على الإرهابيين بعد أن سحقهم وطردهم خارج المدن والقرى التي كانوا يحتلونها ويعيثون فيها فسادا وخرابا، كان لها الأثر الكبير في عودة الحياة الطبيعية الى الأسواق والشوارع وكان لها أيضا الأثر البالغ في عودة السعادة والفرح الى وجوه الأطفال والأمهات والآباء.”
وسرد كاتب المقال العديد من الروايات التي لم يختلف أولها عن آخرها في تمجيد النصر على الإرهاب، وإرجاع فضل السعادة في العيد إلى “نصر الجيش الباسل”.
وتناسى كاتب المقال وإعلام النظام بشكل عام أن أول أيام عيد الأضحى المبارك جاء تزامنا مع ذكرى مقتل ألف وأربعمائة مدني على الأقل معظمهم أطفال ونساء وشيوخ جراء الهجوم الكيميائي من نظام الأسد على الغوطة الشرقية.
ولو كان النظام أو كاتب المقال يعتبر أولئك القتلى من السوريين وينكر تنفيذ النظام للجريمة من الأولى به أن يدين تلك الجريمة ويحيي ذكرى القتلى، إلا أن عدم قيامه بذلك دليل على وقوفه خلف تلك الجريمة التي أكدت تقارير دولية ومحلية ضلوع النظام ووقوفه وراءها.
ولتلك الجريمة كان الوقع الأكبر على سكان الغوطة الشرقية التي لا تبعد سوى بضع كيلومترات عن دمشق الياسمين التي يصفها كاتب المقال، وهناك كان آلاف المواطنين يتذكرون ساعات وقوع المجزرة وما حصل في تلك الليلة، فكيف لهم أن يعيشوا فرحة العيد مع “الجيش الباسل”
في الغوطة
ولعل الكاتب فضل المسير في حي راق من أحياء دمشق تقطنه أغلبية مؤيدة لنظام الأسد وهناك كان النظام مسيطرا طوال السنوات الماضية ولم يكن هناك حرب أو قصف في تلك المناطق، لكنه لم يذهب إلى الغوطة الشرقية حيث كانت ساحة الجريمة التي نفذها جيشه “الباسل”، فلم تأتي من هناك أي رواية عن السعادة بالعيد بعد تطهير المنطقة من “الإرهاب” إثر الهجوم بمختلف أنواع الأسلحة على رأسها الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا والبراميل المتفجرة والصواريخ الارتجاجية.
لربما يمنعه “جيشه الباسل” من الذهاب إلى تلك المنطقة، ونحن كذلك يمنعنا “جيشه الباسل” من الذهاب إلى تلك المنطقة التي كانت ساحة الجريمة، لكننا لا نعجز عن الاتصال بالمنطقة، ومن خلال الاتصال بالعديد من المواطنين أكدوا أن العيد وكأنه لم يمر عليهم، بل كانت ذكرى مجزرة الكيماوي وحجم الألم الناتج عنها أكبر من أن يكون العيد منس لها.
ويقول “أبو وليد” من زملكا إنه لم يتمكن من إحياء ذكرى المجزرة لأن النظام مسيطر اليوم على زملكا، لكن تلك الذاكرة حية لا تنسى، ولا يمكن في أي مناسبة كانت عيدا أو غيره، أن ينسى تلك المجزرة الذي فقد فيها المئات من أهالي بلدته من بينهم عدد من أقربائه وأصدقائه.
ويضيف لـ”صدى الشام”: لربما لو لم يأتي العيد في هذه الأيام لكنت فرحت به على الرغم من الضائقة التي نعيشها، لأن العيد بالنسبة لنا واجب ديني وليس واجب مجتمعي، يجب علينا أن نبر فيه الأهل والأقارب والأصدقاء والجيران، لكن النظام اليوم لم يبق لنا أي من أولئك.
“أم محمد” من زملكا تقول لـ”صدى الشام” أي عيد يعود علينا وأي خير يأتينا ومنازلنا دمرت وأولادنا هجروا أو دفنوا تحت التراب أو في مكان مجهول، أنا كيف لي أن أعيش بسعادة ولا أعلم شيئ عن ولدي المعتقل منذ خمس سنوات، بقيت في الغوطة، لم يعد هناك ما أخسره، لكن عيد لا يوجد عيد بالنسبة لي.
من جانبه يؤكد “وسيم الدومي” أنه أظهر القليل من الابتسامة على وجهه فقط كي يفرح أطفاله الذين يريدون الفرح في العيد، مضيفا: “الغصة أن بلدنا مدمرة وأهلنا بعيدون، العيد بالنسبة للطفل اللعب فوق الأرجوحة، لو أننا أطفال لكان أفضل لنا من كوننا رجال..”
ولم يتمكن أهالي مدينة دوما وكفربطنا وبقية مناطق الغوطة الشرقية من قضاء العيد كما يقضيه المسلمون في البلدان الأخرى، فلا يوجد أقارب لزيارتهم، ومعظم مدن الملاهي وأماكن التنزه إما مدمرة وإما مستولى عليها من قبل النظام والشرطة الروسية، التي تدقق في هوية كل شخص وتعتقله عندما تريد.
الأسعار أيضا مرتفعة ولا يوجد فرص للعمل في الغوطة ومن يريد الخروج معرض للاعتقال والاختفاء القسري أو السوق إلى التجنيد الإجباري لمواجهة الموت على جبهات القتال ضد المعارضة أو “داعش”، لذلك يلتزم معظم الرجال والشباب بيونهم للبقاء بعيدا عن أنظار قوات النظام.