صدى الشام - سليم نصراوي/
عندما تسير في شوارع حمص أو اللاذقية أو دمشق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد ترى صور “بشار الأسد” رأس النظام مع صور والده الميت تعزو كل جدار، هو أمر ليس بالغريب وليس وليد اليوم إنما هو على هذه الحال منذ حكمت عائلة الأسد سوريا، إلا أن الجديد الذي بات يعد مألوفا منذ عام 2015 هو إلصاق صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى جانب صورة بشار ووالده وأحيانا إلصاق صور حسن نصر الله أو الرئيس الإيراني حسن روحاني بدل صورة بوتين أو إلى جانبها.
أما في مناطق بعينها تسيطر عليها ميليشيات إيرانية أو عراقية ولبنانية وأفغانية مرتبطة بإيران مذهبيا فهناك لا ترى صور بوتين أو حتى بشار الأسد أحيانا، إنما دائما ما ترى صور “حسن نصر الله” قائد “حزب الله” اللبناني أو حسن روحاني، أو صورا وعبارات أخرى تشير إلى “الحسين، وزينب” وغيرها من الرموز الشيعية.
ويرى البعض أن هناك صراعا على النفوذ بين إيران وروسيا تبدو علاماته أحيانا على هيئة صدام عسكري أو عملية اغتيال أو الحصول على استثمار اقتصادي من نظام الأسد، إلا أن علامة أخرى قد باتت واضحة بشكل جلي عن ذلك التنافس وهو محاولة كل طرف منهما التغلغل في المجتمع السوري إما دينيا أو ثقافيا ويتجلى ذلك عن طريق فتح المدارس المرتبطة بالحسينية أو الكنيسة أو معاهد اللغة الفارسية أو الروسية.
التوسع بالمدارس والمراكز الطبية
وبحسب وسائل إعلام روسية تجهز روسيا لفتح أول مدرسة لها في الشرق الأوسط بدمشق في نهاية أيلول المقبل، وتعتبر تلك المدرسة من “أهم الأحداث في التعاون الروسي السوري الإنساني في مجال التعليم”، وستكون تحت إشراف رئيس النظام و”الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية” من جانب روسيا.
وقالت وسائل الإعلام الروسية إن برنامج التعليم في المدرسة سيكون وفق البرامج التعليمية الروسية المترجمة إلى اللغة العربية، ونقلت وكالة “نوفوستي” الروسية عن المركز الصحفي لمؤسسة “روس سوترودنيتشيستفو” التعليمية، أنها ستورد إلى سوريا الكتب الدراسية والمنهجية، كما سيبدأ المركز الثقافي الروسي في دمشق باستئناف عمله كاملا.
ومع ازدياد التدخل الروسي لصالح النظام توجهت روسيا إلى بناء مدارس تقتصر مهمتها على تعليم اللغة الروسية ونشر ثقافة الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية التي يدعمها نظام بوتين.
وفي نيسان 2016 أعلن السفير الروسي لدى النظام “ألكسندر كينشاك”، أن روسيا تخطط لفتح مدرسة روسية في دمشق، وقال إن ” مشروع فتح مدرسة روسية في دمشق قائم بالفعل، وبحسب المعطيات الحالية فإن المدرسة سيتم تشييدها على مساحة واسعة في منطقة الشام الجديدة غرب دمشق”.
وفي بداية عام 2017 كشفت “ريما القادري” وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل التابعة للنظام أنه تم افتتاح أول فرع لـ”الجمعية الامبراطورية الأرثوذكسية” في دمشق، والتي تبنت بناء مدرسة روسية، وقد تم تحديد المكان ضمن مجمع ضاحية قدسيا.” وأشارت إلى أن ذلك “منحة من الحكومة السورية لبناء مدرسة لتعليم اللغة الروسية”، وفق وصفها.
وقبل ذلك فتح النظام بأوامر روسية عشرات المعاهد بهدف تعليم اللغة الروسية وأجبر طلاب الأدب الروسي القادمين من دول الاتحاد السوفييتي على العمل في تلك المعاهد كمدرسين، وفي هذا الصدد كشف سفير النظام لدى روسيا رياض حداد، أن سوريا تعاني نقصا كبيرا في مدرسي اللغة الروسية، وذلك بعد أن اتخذت وزارة التربية في حكومة النظام قرارا بإدراج اللغة الروسية في المناهج التعليمية إلى جانب اللغة الانكليزية، على أن يتم الاختيار بينها وبين الفرنسية كلغة أجنبية ثانية وذلك في أوائل عام ٢٠١٤، كما قامت بفتح فرع في جامعة دمشق تحت عنوان اللغة الروسية وآدابها.
بنى نظام الأسد العديد من المعاهد والمدارس لتعليم اللغة الروسية في نواح مختلفة من البلاد
وفي يوليو الماضي قالت وسائل إعلام روسية إن الحكومة الروسية وحكومة نظام الأسد تخططان لتوقيع اتفاقية ثنائية حول دراسة “القاصرين السوريين” في مدارس عسكرية تابعة لوزارة الدفاع الروسية.
وبحسب العديد من المصادر الروسية المفتوحة فإن المدارس العسكرية الروسية تقوم بتدريس الأطفال قبل إدخالهم في الكليات العسكرية في جنوب روسيا، وتتبع تلك المدارس بشكل مباشر لوزارة الدفاع الروسية، وتقوم بانتقاء الأطفال الأذكياء وذوي القدرات والمواهب المميزة، لاستخدامهم في الاختراعات العسكرية وتطوير المشاريع العسكرية.
ويثير ذلك المخطط مخاوف حول آلاف الأطفال السوريين ممن فقدوا ذويهم في الحرب وما زالوا متواجدين في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، كما يثير مخاوف من إرسال المواطنين في المناطق الفقيرة أطفالهم إلى تلك المدارس بسبب الفقر وعدم دفع مقابل على الدراسة في تلك المدارس.
وعقب سيطرة نظام الأسد على كامل محافظة دير الزور باستثناء جيوب في أقصى البادية، قامت روسيا وفق مصادر محلية بافتتاح مركز ثقافي روسي، في منطقة حي الجورة بمدينة دير الزور، وذلك بهدف تعزيز السيطرة الروسية على المنطقة.
افتتح نظام الأسد قسما لدراسة اللغة الروسية وآدابها في كلية الآداب بجامعة دمشق
وقال مراقبون إن الهدف من فتح مثل هذا المركز من قبل روسيا هو إعداد كوادر مؤهلة و قادرة على تدريس اللغة الروسية بحرفية، بهدف ترسيخ الوجود الروسي في سوريا والمنطقة عموما، فضلا عن منافسة النفوذ الإيراني، حيث عمدت إيران عن طريق ميليشياتها إلى فتح مدارس لتعليم الفارسية في ريف دير الزور الشرقي.
ويقوم المركز الروسي بالاعتماد على كادر روسي كامل مهمته الإشراف والتدريب، ويلزم من يحملون الإجازات الجامعية والشهادات العليا في الأدب الروسي على تعليم الطلاب الروسية في المدارس.
ويقوم المركز بدفع مرتبات للمدرسين ولا تقاضى مقابل من قبل ذوي الأطفال، وذلك لإغراء الأهالي بدفع أبنائهم إلى تعلم اللغة الروسية.
وعلى الجانب الآخر بنت إيران العديد من المدارس لتعليم اللغة الفارسية في ريف دير الزور الشرقي وتحديدا في نواحي البوكمال والميادين حيث سيطرت على المنطقة بعد طرد “داعش” منها، وتلزم الميليشيات الاهالي في المنطقة على الالتحاق بالمدارس مقابل الحصول على الإعانة الإنسانية أو الإغاثة وفق مصادر من المنطقة.
وتملؤ تلك المدارس وفق المصادر الذي تحدثت مع “صدى الشام” شعارات طائفية وعبارات تسوق لها الميليشيات المدعومة من إيران، وأكدت المصادر أن المشرف على تلك المدارس هو الحرس الثوري الإيراني بقيادة الجنرال قاسم سليماني.
وأشارت المصادر إلى أن إيران افتتحت مؤخرا ثلاث مدارس في مدينة البوكمال، ومدرسة واحدة في الميادين، بكادر تعليمي إيراني.
وتنتشر أيضا المدارس الإيرانية مع انتشار الميليشيات سواء في حلب أو في محيط دمشق أو في ريف حمص، وتترافق مع انتشار الحسينيات ومراكز الدعوة الشيعية.
بنت إيران العديد من المدارس والحسينيات ومراكز التجنيد في دير الزور دمشق وحمص وحماة والساحل
وفي مايو افتتحت إيران، مركزا طبيا تابعا لها في ريف محافظة دير الزور، وذلك في خطوة اعتبرها مراقبون، تندرج ضمن محاولتها فرض وجودها في المنطقة وكسب ولاء المدنيين، وتم بناء المركز في مدينة الميادين ويتبع ذلك المركز الطبي، إلى جهة تدعى “منظمة الجهاد والبناء الإيرانية” وهي من المنظمات الإغاثية التابعة لإيران.
ويقع المركز، على بعد أمتار من مركز عسكري للميليشيات الموالية لإيران وميليشيا “الدفاع الوطني” وسط مدينة الميادين، وفق ما ذكر ناشطون من المنطقة، وهو ليس الوحيد في المنطقة وفق المصادر.
أما روسيا فتقوم بالإشراف على المراكز الطبية وعملية توزيع الإعانات في مدينة دير الزور في ريفها الغربي كما تقوم بذلك في العديد من المناطق الأخرى التي خضعت لسيطرة النظام بعد العمليات العسكرية التي جاءت تحت زعم “المصالحة”.
المال والطعام مقابل اللغة
وقالت مصادر لـ”صدى الشام” إن إدارة المدارس الإيرانية تعمل على إغراء المواطنين السوريين بالمال وتخويفهم من قطع المساعدات في حال لم يرسلو أولادهم إلى المدارس الإيرانية.
وبحسب المصادر التي تفضل عدم التصريح بهويتها لدواع أمنيه “تمنح إدارة المدارس كل طفل عشرة آلاف ليرة سورية مراتبا شهريا”، منوهة على أن الإدارة “خصصت مكافأة مالية كبيرة لكل طفل يتقن اللغة الفارسية بشكل سريع”.
تجبر إيران المواطنين في ريف دير الزور الشرقي على إرسال أطفالهم إلى مدارس تعليم اللغة الفارسية
ويقول مواطنون من المنطقة لـ”صدى الشام” إنهم أجبروا على إرسال أولادهم إلى المدارس وليس لديهم خيار آخر فإما الموت جوعا والبقاء تحت رحمة السلاح أو إرسال أطفالهم إلى المدارس.
وقالت إحدى المواطنات إن طفاليها يتعلمان الفارسية منذ شهرين وهما لا يعرفان من العربية شيءً إلا ما تعلّماه من العامية في منزلهم، فطوال السنوات الماضية لم يلتحقوا بالمدارس نتيجة سيطرة “داعش” على المنطقة.
تغيير ديموغرافي
وتعليقا على افتتاح المدارس الإيرانية في دير الزور اعتبر أمين سر الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني “رياض الحسن” سعي طهران إلى تعليم الأطفال اللغة الفارسية في مدن وبلدات ريف دير الزور، محاولة لـ”فرض ثقافتها المذهبية الطائفية”.
ورأى الحسن أن ذلك محاولة من إيران لإيجاد باب آخر لتثبيت احتلالها في سوريا، بعد أن أحست بالخطر الذي يحوم حول وجودها العسكري، مضيفا أن طهران وجدت بالتغلغل الثقافي وسيلة جديدة لتحقيق أهدافها.
واعتبر “الحسن” أن اللجوء إلى غسل عقول الأطفال وتغيير تفكيرهم بطريقة طائفية، وتجهيزهم ليكونوا مقاتلين في المستقبل، هي جرائم حرب، داعيا المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان واليونسيف لحماية الأطفال ووقف جرائم إيران.
وأشار إلى أن إيران استغلت الأوضاع المعيشية الصعبة في مدن وقرى ريف دير الزور، بعد سنوات من المعاناة مع استبداد نظام الأسد ووحشية تنظيم “داعش”، وافتتحت مكاتب انتساب لميليشيا “لواء القدس”.
وسبق ذلك خطوات مشابهة في اللاذقية ومدن الساحل السوري ودمشق، وهو ما يدل على سعي إيران لفرض هيمنتها الثقافية بعد موافقة رأس النظام بشار الأسد، على افتتاح فرع لجامعة “آزاد الإسلامية الإيرانية” في مدن سوريا، في كانون الثاني الماضي.
غسيل العقول
ويقول المدرس “محمد العبد الله” في حديث مع “صدى الشام” إن غاية النظام وحلفاؤه من وراء تلك المدارس هي غسل عقول الأطفال وجعلهم ينسون ما حصل من قتل وتدمير وتهجير، مضيفا: “أن إلحاق الأطفال بمدارس وزارة الدفاع الروسية سيكون له عواقب وخيمة، لأن هؤلاء الأطفال سيكون ولائهم عندما يكبرون لروسيا وسيكونون ضباطا وأدوات لتنفيذ مآرب روسيا سواء في سوريا او في أي مكان آخر من العالم.”
ويشير المدرس إلى أن ما يقوم به الطرفان الروسي والإيراني ممارسات استعمارية مماثلة لما قامت به بريطانيا وفرنسا وغيرها من دول الاستعمار في القرن الماضي حيث فرضت ثقافتها ولغتها على بقية الشعوب وما زالت آثار تلك الممارسات واضحة على تلك الشعوب حتى اليوم ولم تعد تلك الشعوب قادرة على التخلص من تلك التأثيرات بعد أن تشبعت بها.”
ويضيف أن أسوأ ما في الأمر أن روسيا وإيران تقومان بفرض ثقافتهم ولغتهم بقوة السلاح والحصار والتدمير والقتل والتهجير أولا، وقبل الترغيب بتقديم المساعدات والرواتب لذوي الأطفال مقابل دخولهم في مدارس تعليم اللغة.
ويشير “العبد الله” إلى أن النظام يقدم لحلفائه كل ماهو ملك للشعب السوري فبعد أن قدم لهم الأرض والثروات يقدم لهم اليوم الشعب بثقافته ولغته ليكون ثمنا لبقائه في حكم بلد مدمر من كل نواحيه بما فيه الإنسانية.