عمار الحلبي/
إبرام اتفاق مع نظام الأسد وبضمانة روسية ذلك لا يعني أن المدني أو عنصر المعارضة الذي أبرم الاتفاق سوف يعيش بمأمن عن غدر النظام، وهو ما تشير إليه الوقائع التي حدثت في المناطق التي خضعت لاتفاق “التسوية والمصالحة”، وعلى امتداد السنوات الماضية أيضا أخل النظام بجميع التعهدات التي قدمها للسوريين سواء داخليا أو أمام أعين مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية.
وعندما كان النظام في فترة ضعفه، لم يلتزم بالتعهدات التي قدمها للسوريين، فكيف سوف يلتزم بها عندما بات في موضع قوة عسكرية بفضل الدعم الروسي العسكري والسياسي اللامحدود.
مؤخرا، أبرمت فصائل المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية وفي جنوب سوريا وفي ريف حمص الشمالي، اتفاقات “مصالحة” مع النظام بضمانات روسية، كانت هذه الاتفاقات بمعظمها تنص على تهجير المدنيين والمقاتلين الرافضين لـ”الصلح” مع النظام نحو الشمال السوري، فيما يبقى من يرغب بـ”المصالحة” بعد حصوله على تعهد بالأمان من الانتقام أو الاعتقال، غير أن النظام لم يلتزم بهذه التعهدات وراح يشن عمليات اعتقال شبه يومية في مناطق الجنوب السوري والغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي.
ويشكل هذا الاعتقال خرقا للاتفاقات التي أبرمها النظام مع فصائل المعارضة السورية، التي تضمن أمان المدنيين الراغبين بالبقاء في مناطقهم، حيث وثقت منظمات حقوقية خرق النظام لهذا الاتفاق وقيامه بعمليات اعتقال واسعة في ظل غياب الدور الروسي الذي من المفترض أن يكون ضامنا لأمن المدنيين.
اعتقالات في الغوطة والجنوب
وعقب سيطرة النظام على الغوطة الشرقية بأيام، شن حملة اعتقالات طالت عدة مدنيين هناك، وعاد بعد عدة أيام لاعتقال المزيد من المدنيين، وبحسب الناشط الإعلامي “أحمد الشامي”- وهو اسم مستعار لأنه يقيم في مناطق النظام -” فإن قوات الأسد اعتقلت المئات من المدنيين خلال سيطرتها على غوطة دمشق الشرقية، موضحا أن عملية الاعتقال لم تأت دفعة واحدة، بل بشكل مستمر على دفعات حيث تدخل سيارات تابعة لأمن النظام كل عدة أيام وتعتقل بعض المدنيين من أحد مناطق الغوطة الشرقية ثم تغادر لتعاود الأمر بعد عدة أيام أخرى.
وما يزيد الأمر سوءا أن المدنيين الذين تم اعتقالهم ليس معروف عنهم أي معلومات منذ اعتقالهم حتى اليوم، وسط تخوف من عمليات تصفية بحسب الشامي، وبحسب منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” وهي منظمة حقوقية معنية بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، فإنه في الرابع عشر من شهر آب الجاري، اعتقلت قوات الأسد عددا من أهالي الغوطة الشرقية بريف دمشق -بينهم نساء- ممن عادوا من شمالي سوريا إلى الغوطة بعد أن حصلوا على ضمانات من القائمين على “ملف المصالحات” بعدم التعرض لهم أو الاعتقال حال عودتهم. وأضافت المنظمة، أن أحد المعتقلين توفي بعد اعتقاله وتم تسليم جثته لذويه.
ونقلت المنظمة عن الناشط “أسامة العمري” من أبناء الغوطة الشرقية المقيم بريف حلب قوله: “إنه تم توثيق اعتقال 19 شخصاً بينهم 11 امرأة من أصل 150 شخصا عادوا من الشمال السوري نحو الغوطة الشرقية.”
وأضاف “العمري” أن آخر عملية اعتقال كانت بتاريخ 5 آب 2018، ويعتقل الأشخاص غالبا من حاجز “القطيفة”، كما أشار الناشط إلى أن أعداد العائدين ما زالت تتزايد حيث بدأت العودة في شهر أيار 2018، ومن أبرز أسبابها؛ تخوف الناس من استيلاء النظام على أملاكهم بموجب “القانون رقم 10″، والظروف المعيشية الصعبة التي واجهتهم في شمالي سوريا.
ولم يكن الحال أفضل في الجنوب السوري، حيث أن الاتفاق الذي وقعته المعارضة مع النظام يعتبر من أكثر الاتفاقات وضوحا فيما يخص ضمان أمن المدنيين، إلا أنه على الرغم من ذلك، داهم عناصر من المخابرات الجوية مدينة داعل بريف درعا واعتقلوا 26 مدنيا منها، فجر يوم السبت 11 آب.
وتعتبر مدينة داعل من أوائل المدن والبلدات التي خضعت لسيطرة قوات الأسد بعد التوقيع على اتفاق “تسوية” مع النظام بضمانة روسية، وذلك بتاريخ 30 حزيران 2018، ونص الاتفاق في أبرز بنوده على عدم القيام بأية اعتقالات بحق أبناء المدينة.
ولم تكن حادثة الاعتقالات في داعل هي الأولى من نوعها، حيث كانت قوات النظام قد اعتقلت نحو 25 شابا لأسباب مجهولة في منطقة اللجاة، وفقا لتقرير منفصل بثته منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، وهو ما يخرق “اتفاق التسليم” الذي عقدته مع الفصائل المعارضة على مرحلتين، والذي نص في أحد البنود على عدم دخول القوات النظامية للقرى قبل الشرطة العسكرية الروسية ودون إجراء “تسويات” وعدم التعرض لأي أحد من السكان، وذلك بحسب الباحث الميداني لـ “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في درعا.
وذكر المركز أن “عناصر من المخابرات الجوية وآخرين يتبعون لـ”قوات النمر” (قوات سهيل الحسن) التابعة لقوات الأسد، اعتقلت لأسباب مجهولة 25 شابا بينهم منشقون سابقون عن جيش النظام، وهم من قرى قيراطة والمسمية والبوير وعاسم وصور والرويسات، وذلك في 2 آب 2018، لافتا أن جميع هذه القرى لم تجر حتى الآن “تسوية”.
والمعتقلون بحسب المنظمة ذاتها هم: “بسام عيد هجاج وبركات حامد ميدان وأحمد سعد العلي وسليمان سعد العلي وعثمان إبراهيم الكعيب وسليم سعود السليم وعبد الفتاح غازي رجا وحسين فهد عوض ومحمد مشرف عوض وبسام عدواي عوض ومحمد ياسر حمد ومحمد حمد مروح وطارق محمد مخمس وعبد السلام محمد مخمس وعمر وسلطان وعلي وأحمد ومحمد جميعهم من عائلة فزع، إضافة إلى حمزة مشهور علي ومحمد ضيف الله دابل وعبدو عايد عيفان وعماد عبدو عايد وفؤاد عبدو عايد وحمزة هايل سلطان.”
“جرائم جنائية”
من بين أسباب الاعتقال التي قامت بها قوات النظام بحق المدنيين في مناطق “التسوية”، كانت زعم قوات النظام بوجود “جرائم جنائية” بحقهم، لكن قوات النظام لم توضح طبيعة التهم الموجهة إليهم أو نوع هذه الجرائم الجنائية التي ارتكبها هؤلاء المدنيين.
وبحسب مصادر أهلية قوامها سكان في ريف حمص الشمالي لـ “صدى الشام” فإنه في مساء التاسع عشر من شهر آب اعتقلت، قوات النظام أحد الناشطين السابقين في الثورة السورية من داخل منزله في مدينة تلبيسة بريف حمص، وذلك بعد اعتقال أربعة أشخاص من المدينة نفسها، أحدهم شقيق القيادي المتوفى رافد طه، وثلاثة آخرين ضمن فصيل معارض سابق.”
وقالت المصادر: “إن قوات النظام اعتقلت عددا من الأشخاص في بلدة الغنطو بريف حمص، في إطار حملة بدأتها قوات النظام، في 8 آب الحالي، بحجة وجود ادعاءات شخصية من قبل سكان قرية جبورين الموالية للنظام والمجاورة للبلدة، شملت عشرات الأسماء.”
وتأتي ذريعة “الجرائم الجنائية” والادعاءات الشخصية” كعملية تغطية لعمليات الانتقام التي تقوم بها قوات النظام ولإيجاد غطاء قانوني لخرقها للاتفاق الموقع في ريف حمص الذي يضمن سلامة المدنيين.
وأوضحت المصادر، أن هناك عددا من المدنيين عادوا من الشمال السوري إلى منازلهم بريف حمص بهدف إجراء تسوية مع النظام ولكن جرى اعتقالهم، على الرغم من أنهم تواصلوا مع مسؤولي المصالحات في النظام.
وأشارت مصادر “صدى الشام” إلى أن بعض ممن تم اعتقالهم، أطلق سراحهم بعد دفعهم مبالغ مالية ضخمة، حيث تم اعتقال أكثر من مئة شخص ممن عادوا لإجراء تسوية مع النظام، وكانت قوات النظام قد اعتقلت عدة مدنيين من الغنطو أيضا، وعادت للإفراج عنهم بعد دفعهم مبالغ مالية طائلة، حيث تحولت العملية إلى سمسرة على المعتقلين في مناطق المصالحات، وتقدر مصادر من السكان المبلغ اللازم مقابل الإفراج عن المعتقل الواحد بنحو ألفي دولار أمريكي.
وذكر ناشطون، أن فرع المخابرات الجوية في حمص، اعتقل 23 منشقا عن قوات النظام؛ بينهم ضباط ومتقاعدون غالبيتهم من مدينة تلبيسة، وحولهم إلى الفرع 293 في دمشق، حيث ما يزال مصير المنشقين مجهولا.
وأشار الناشطون إلى أن هذا الفرع كان قد استدعى هؤلاء، عبر إرسال تبليغات لهم، عن طريق فصيل “جيش التوحيد” الذي كان ضمن صفوف فصائل المعارضة، وتحول إلى شرطة محلية برعاية روسيا، حيث تعهد هذا الفصيل خلال اتفاقه مع النظام بـ”محاربة الإرهاب، إن استدعى الأمر ذلك”.
إلى ذلك، حذر ناشطون ومدنيون سكان ريف حمص الشمالي، مؤخرا، من الذهاب إلى مدينة حمص، وذلك بسبب الاعتقالات التي يتعرض إليها الشبان رغم حصولهم على بطاقات تسوية أصدرتها قوات النظام.
وقال الناشط “أحمد العبد”: “إن حواجز النظام تسوق الشباب والرجال الذاهبين من ريف حمص الشمالي إلى مدينة حمص، نحو الخدمة العسكرية الإلزامية” لافتا إلى أن عناصر الحواجز لا يأبهون إطلاقا لبطاقات التسوية التي يحملها المدنيّون، والتي تعتبر ملاذهم الوحيد للنجاة من حواجز النظام العسكرية.
شبح الخدمة العسكرية
وبعيدا عن عمليات الاعتقال بحق المدنيين في مناطق التسويات، فإن هناك الكثير من الشبان في هذه المناطق، باتوا على وشك السحب للخدمة العسكرية الإلزامية في صفوف جيش النظام، تزامنا مع معركة محافظة إدلب.
ويستعد الكثير من الشبان في الغوطة الشرقية للالتحاق بالخدمة مرغمين وذلك بعد أن أعطاهم النظام السوري مهلة مدتها ستة أشهر، وتنتهي حتى مطلع شهر أيلول القادم.
وكانت قوات النظام قد سيطرت على الغوطة الشرقية في منتصف شهر نيسان الماضي عقب معارك عنيفة مع فصائل المعارضة السورية، وانتهت بتهجير من يرفض “المصالحة” مع النظام إلى الشمال السوري وبقاء من يرغب بـ”المصالحة”، على أن يتم “تسوية” وضع المطلوبين للخدمة الإلزامية عبر منحهم تأجيل مدته ستة أشهر بغية “تسوية” أوضاعهم.
وقال شاب يعيش في الغوطة الشرقية لـ “صدى الشام”: “إن أكثر تصرف أندم عليه في حياتي أنني قمت بتسوية وضعي مع النظام ولم أخرج مع أصدقائي إلى الشمال”، وأضاف الشاب، أن عدم قيامه بالتوجه نحو الشمال هو رغبته بالبقاء مع والدته المريضة التي رفضت الخروج نحو شمال سوريا، ورغبته في الاعتناء بها، موضحا أنه لم يتمكن من فعل أي شيء لمستقبله خلال الأشهر الستة وهي المهلة التي منحها النظام له ولغيره من الشبان.
وتابع الشاب الذي رفض ذكر اسمه خوفا على أمنه: “حاولت خلال هذه الفترة تأمين قبول جامعي للحصول على تأجيل نظامي ومتابعة دراستي الجامعية التي انقطعت عنها خلال السنوات الماضية بسبب الحصار على الغوطة ولكنني فشلت في ذلك”.
ويوضح الشاب أن عملية الخروج نحو العاصمة دمشق كانت شبه مستحيلة بسبب انتشار كثير من الحواجز ومنعه من التوجه نحو دمشق تارة، وخوفه من الاعتقال في ظل عدم وجود ضامن لتأجيله تارة أخرى.
وأوضح الشاب أن هناك مدنيين لم يحصلوا على ورقة تفيد بتأجيلهم وإنما فقط تم إبلاغهم شفهيا بأنهم مؤجلين لفترة ستة أشهر، لافتا إلى أن النظام أخل باتفاقه ومنع الشبان المؤجلين من “تسوية” أوضاعهم والبحث عن فرصة سفر بطريقة نظامية أو تأمين دراسة جامعية بهدف إكمال حياتهم، وقال: “وجدنا أنفسنا بشكل مفاجئ أننا أصبحنا عسكريين دون سابق إنذار، بعد أن كنا نطمح في إكمال حياتنا.”