صدى الشام - سليم نصراوي/
كشف الإعلام الإسرائيلي عن وجود لقاءات بين نظام الأسد وإسرائيل في هضبة الجولان المحتلة في وقت تشير فيه الوقائع إلى أن إسرائيل مستعدة للوقوف في وجه أي خرق لاتفاق تثبيت فض الاشتباك مع النظام في حين تقوم بمراعاة الحركة الجوية الروسية في المنطقة، وذلك تماهيا مع مطالب موجهة لروسيا بالحد من تواجد إيران في الجنوب السوري.
وأسقطت إسرائيل الأسبوع الماضي طائرة لقوات النظام في الجنوب خلال تحليقها فوق القنيطرة وريف درعا الغربي بعد التأكد من هوية الطائرة وأنها طائرة للنظام وليست للقوات الروسية، وذلك عقب حديث من إعلام النظام عن قصف مواقع له في مصياف بمحافظة حماة.
لقاءات سرية
وكشف موقع “i24” الإسرائيلي، نقلا عن ما أسماها “مصادر عربية”، عن لقاءات عقدت بين ضباط إسرائيليين وضباط من نظام الأسد على هضبة الجولان وذلك للتداول في أمور تخص الجانبين ولا سيما مع اقتراب المعارك داخل سوريا إلى المناطق الحدودية المحاذية لغربي هضبة الجولان المحتلة.
وذكرت المصادر ذاتها أن عدد اللقاءات التي تمت بين الجانبين بلغ ثلاثة لقاءات، وقد جرت برعاية قوات الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار وفض الاشتباك بين إسرائيل والنظام وكذلك بمساعدة الجانب الروسي الذي توسط في ترتيب هذه اللقاءات.
وأوضح الموقع أنه جرى خلال اللقاءات نقاش عدة محاور ساخنة، لا سيما مع اقتراب المعارك في المناطق المحاذية للحدود مع إسرائيل من نقطة الحسم، بينما تتطلع إسرائيل قبل ذلك إلى التحقق من إبعاد الوجود الإيراني على الأراضي السورية قدر الإمكان من الحدود.
وأشار الموقع إلى أن من بين الأمور الأكثر خطورة بالنسبة لإسرائيل، والتي لا بد أنها كانت محورا لمحادثات الجانبين، هي حقيقة وجود مليشيات شيعية موالية لإيران ضمن صفوف قوات نظام الأسد المتقدمة نحو القنيطرة ومناطق أخرى في شمال الجولان السوري.
عقد ضباط نظام الأسد ثلاثة لقاءات مع ضباط الاحتلال الإسرائيلي برعاية قوات الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار
وأضاف الموقع أن هذا يتناقض مباشرة مع تعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وعلى ما يبدو للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أيضا أثناء لقائهما في هلسنكي منوها على أنه من ضمن المحاور التي جرى الحديث عنها بين الضباط السوريين ونظرائهم الإسرائيليين، أن إسرائيل أكدت أنها لن تسمح لهم بالخروج قيد أنملة عن حدود اتفاق فض الاشتباك في 1974، وكذلك عن الوعود الروسية الأخيرة بألا تتوغل قوات إيرانية أو مليشيات موالية لها في هضبة الجولان.
الرد على أي خرق
من جانبه قال الخبير العسكري الإسرائيلي “يوسي ملمان” إن إسرائيل لن تحتمل أي انتهاك على الحدود مع الجولان، وتحاول تثبيت اتفاق فك الاشتباك المبرم في جنيف عام 1974 مع النظام في سوريا.
وأضاف الخبير “يوسي ملمان”، في مقال له نشرته صحيفة “معاريف”، وترجمه موقع “عربي21″، أن إسرائيل سترد على كل قذيفة طائشة من المعارك التي تدور في الجنوب السوري، حتى لو كانت بالخطأ، مستبعدا في الوقت ذاته أن اندلاع أي واجهة أو حرب مع سوريا.
وقال “ميلمان” إن صاروخي أرض أرض قديمين لجيش النظام اقتربا من الدخول نحو حدود إسرائيل، وخوفا من أن يتسللا إلى البلاد أطلق نحوهما صاروخا اعتراض من بطارية مقلاع داود (العصا السحرية)، وقد فشل الاعتراض، وسقط الصاروخان في النهاية في الأراضي السورية، على مسافة نحو كيلو متر من الحدود.
ويوم الثلاثاء الماضي أسقط صاروخا باتريوت أطلقتهما بطارية في شمالي البلاد طائرة سوخوي سورية، تسللت نحو كيلو مترين إلى المجال الجوي الإسرائيلي. وتحطمت الطائرة في الأراضي السورية، وفق قوله.
خبراء إسرائيليون: إسرائيل سترد على أي خرق لاتفاق فض الاشتباك من جانب النظام سواء كان مقصودا أو غير مقصود
وعلق الخبير العسكري على الحادثين بالقول أنهما لا يدلان على نوايا معادية أو خطط عملياتية من نظام الأسد ضد إسرائيل، بل هما صدفتان فقط تنبعان من الحرب الأهلية في سوريا، على حد قوله مضيفا: “قد شدد الجيش السوري في الأسبوع الأخير هجماته ضد الثوار الذين تبقوا في المنطقة، ولكن رغم ذلك فإن إسرائيل لن تتهاون حتى مع عمل غير مقصود”.
وللسبب ذاته، قال “ميلمان” إن إسرائيل ترد بإطلاق الصواريخ على كل تسلل لطائرة سورية، مأهولة أم لا، وحتى إذا لم تتسلل هذه الطائرات إلى الداخل، فإن تحليقها في المنقطة الحدودية أيضا يعني أنها هدف للجيش، وكل ذلك مرده إلى رغبة إسرائيلية في تخفيف التواجد العسكري في جنوب سوريا، وفقا لاتفاقية فك الاشتباك.
في سياق متصل، قال الكاتب الإسرائيلي بصحيفة يديعوت أحرونوت، “يوسي يهوشع”، أن الرد “الحازم” لإسرائيل على الاختراق السوري في الجنوب يأتي ضمن مساعي إعادة ترتيب قواعد اللعب أمام نظام الأسد، الذي يحاول أن يحسم الجنوب المتاخم للحدود.
وقال “يهوشع”، في تقرير له إن الجيش الإسرائيلي يحمل نظام الأسد مسؤولية كل ما يجري في الجنوب، مدللا على ذلك بما صرح به الناطق باسم الجيش حينما قال: “إن جيش الأسد مسؤول عن كل ما يجري في أرضه، وعندما سيكون هو صاحب السيادة على كل الأرض، فإنه مطلوب منه مسؤولية كاملة عن سوريا”.
وأشار إلى أن إسرائيل أرادت من تعاملها بحزم من خلال إسقاط الطائرة السورية، والرد على مصادر النيران في الجنوب السوري، أن تقول لنظام الأسد إنه سيدفع ثمنا مباشرا إذا ما واصل السماح بتثبيت التواجد الإيراني في أراضيه، أو حتى كثف من تواجد قواته في الجنوب قرب الجولان.
وختم بالقول: “الجيش الإسرائيلي يرى في الفترة القريبة القادمة فرصة لمواصلة الهجمات الإسرائيلية في سوريا، التي ستبقى مفتوحة حتى استكمال احتلال جيش الأسد للجولان، وبعد أن يستعيد سيادته، ستلقى عليه المسؤولية في الحفاظ على الهدوء على الحدود”.
عدم الاشتباك مع روسيا
وتوسع المسؤولون والخبراء الإسرائيليون في الحديث عن تطورات الأحداث مع سوريا بعد إسقاط الطائرة الحربية المقاتلة لنظام الأسد، وتبعاتها على التوتر القائم أصلا على الحدود الشمالية لإسرائيل.
وذكر الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، الجنرال “عاموس يادلين”، أن “ما حصل من إسقاط إسرائيل للطائرة هي رسالة واضحة مفادها أن على الطيارين السوريين أن يفهموا أمرا واضحا: متى يجتازون الحدود، فإنهم سيسقطون، لأن المسافة بين الإنذار باختراق جسم غريب للحدود الإسرائيلية وبين وصوله للهدف المراد لا تتجاوز ثواني معدودة”.
وأضاف في مقابلة أجرتها صحيفة معاريف أن “إسرائيل لديها سياسة واضحة مفادها أن أي طائرة سورية لن تحلق في أجوائها، وكل من يقترب من الحدود الإسرائيلية، ويخترقها، بالتأكيد فإنه سوف يسقط، هذا خط أحمر إسرائيلي، ولذلك لا أرى مشهدا دراميا فيما حصل، لأنه تطبيق لسياسة معلنة تقضي بأن أي طائرة، صغيرة كانت أو حربية، سوف تسقط في حال دخلت أجواءنا بدون تنسيق مسبق”.
مصادر إسرائيلية: الدفاعات الجوية لم تسقط الطائرة إلا بعد التأكد من أنها طائرة لا تتبع للقوات الروسية
وأوضح يادلين، وهو أحد قادة سلاح الجو الإسرائيلي السابقين، أن “إسقاط الطائرة السورية يتزامن في ظل أن جبهة الجولان باتت حساسة وحرجة، وهناك تواجد روسي فيها، وإسرائيل لا تريد إسقاط طائرات روسية، وأعتقد أن المنظومة الدفاعية أدركت بعد تشخيصها أنها طائرة سورية، ولذلك تم إسقاطها”.
وأشار أن “هناك أيضا تواجدا للإيرانيين وحزب الله وتنظيم الدولة، جميعهم استولوا على مناطق واسعة من الجولان التي كانت سابقا معقلا مهما تابعا للمعارضة السورية، واليوم بات أمام إسرائيل مهمة مواجهة تنظيم الدولة في مثلث الحدود القائم، ولذلك جاء إسقاط الطائرة السورية ضمن هذه السياسة”.
وختم بالقول إن “الروس يتعاملون مع الوجود الإيراني في سوريا من الناحية الجغرافية على الأرض، وهناك أمور تقلق إسرائيل مثل الصواريخ المنصوبة في سوريا ولبنان بمديات 250 كيلومترا، وقادرة على استهداف إسرائيل، وإصابتها، وقد كان هناك نقاش مع الروس حول هذه المخاوف، لكن لا أظن أننا وصلنا لتفاهمات معهم، على كل الأحوال روسيا ليست عدوا لنا، ولذلك يجري حوار معها”.
من جانبه البروفيسور “يعكوب نيغال” القائم السابق بأعمال رئيس المجلس الأمن القومي قال إن “ما حصل من إسقاط الطائرة السورية هو تحقيق لسياسة إسرائيلية لا تثق بالضمانات الدولية، ولا تساوم على مواقفها مما يجري في سوريا”.
وأضاف ضمن تقرير نشرته صحيفة معاريف، أن “إسقاط الطائرة السورية يرتبط بالنقاش الدائر مع الروس حول إبعاد التواجد الإيراني عن سوريا، وإسرائيل لن تكتفي بإبعاده مائة كيلومترا فقط عن حدودها، لأن البعد الجغرافي ليس له أهمية كثيرة عند الحديث عن حرب الصواريخ”.
وأوضح أن “إسرائيل ليس لديها خيارات أخرى، وهي لا تستطيع قبول وجود قواعد ومقاتلين إيرانيين في سوريا، حتى ولو على بعد مائة كيلومتر، وبجانب إخراج القوات الإيرانية من سوريا، تطالب إسرائيل بإخراج السلاح الثقيل من سوريا ذاتها، وإغلاق المعابر الحدودية التي يتم من خلالها تهريب السلاح والوسائل القتالية، وهذه المواقف لا تنازل فيها من إسرائيل، والروس يفهمون ذلك جيدا، والطريقة الوحيدة لإقناعهم بإخراج إيران من سوريا هو الشرح والتوضيح لهم بأنه لن يكون هدوء واستقرار في الجارة الشمالية”.
وختم بالقول إنه “فيما يتعلق بوجود ضمانات دولية للتواجد الإيراني في سوريا، فإن إسرائيل لديها تجربة طويلة مع هذه الضمانات، ولا تعترف بها، ولذلك يجب الحفاظ على حرية عملها داخل سوريا، وهذا محل اتفاق مع روسيا والولايات المتحدة، وقد أثبت حادث الأمس أن إسرائيل لديها منظومة دفاعية متعددة المراحل، وتقوم على أربعة أركان أساسية: الردع، الإنذار، الدفاع، والهجوم”.
شروط إبعاد إيران
وكشفت مصادر إسرائيلية عن مطالب تصر عليها تل أبيب في ما يتعلق بمسألة الوجود الإيراني في سوريا، وجاء ذلك، على وقع المباحثات التي أجراها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الاسبوع الماضي، في تل أبيب.
ونقلا عن مسؤول إسرائيلي، ذكر موقع “The Times of Israel”، أن تل أبيب طلبت من موسكو ضمان عدد من الشروط، تقوض نفوذ إيران العسكري في سوريا، منها: “إزالة جميع الصواريخ طويلة المدى من سوريا، وإغلاق جميع المصانع التي تصنع صواريخ دقيقة، وضمان إخراج جميع أنظمة الدفاع الجوي التي تحمي الأسلحة المذكورة أعلاه من سوريا”.
وتشمل المطالب، “إغلاق المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان، وبين سوريا والعراق، لمنع تهريب الأسلحة الإيرانية”.
نتنياهو طلب من روسيا إخراج إيران من كامل سوريا وإغلاق الحدود بين لبنان وسوريا والعراق وسوريا لمنع تهريب السلاح
وكشف المسؤول، أن إسرائيل “راضية عن إقامة حزام أمني بعرض حوالي 100 كم عن الحدود الإسرائيلية الشمالية كـ”خطوة أولى”، ولكنها ستستمر بالعمل لمنع “التجذر الإيراني” في أي مكان آخر في سوريا”، مضيفا أن سلاح الجو الإسرائيلي “سيواصل ضرباته ضد الأهداف الإيرانية في سوريا”.
وتابع بأنه “حتى موافقة طهران على المقترح الروسي بمنطقة عرضها 100 كم، غير كافية بالنسبة لإسرائيل، لأن إيران تريد تحويل سوريا إلى لبنان آخر، ونحن عازمون على منع ذلك”.
وأضاف المسؤول، أن الجانب الإسرائيلي قدم إلى لافروف والوفد الروسي “معلومات مفصلة جدا” حول هذا الموضوع.
وفي 19 حزيران/ يونيو الماضي، شنت قوات النظام السوري هجوما مدعوما من روسيا لاستعادة السيطرة على محافظتي درعا والقنيطرة جنوب البلاد، بالقرب من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.
واستعادت قوات النظام الآن السيطرة على معظم المحافظتين من خلال العمليات العسكرية وصفقات التسوية التي توسطت فيها موسكو مع المعارضة المسلحة.