أيهم العمر - مروان القاضي/
نكث نظام الأسد بكثير من تعهداته التي ضمنتها روسيا في اتفاقات الجنوب حيث اعتقل عشرات الشبان ولم يخرج من بلدات دخلها وفق الاتفاقات بالتزامن مع عملية التهجير في القنيطرة ليواجه المهجرون مصيرا مجهولا في الشمال الذي يترقب تحرك النظام ضده بعد الانتهاء من الجنوب.
ومصير محافظة درعا لم يختلف كثيرا عن مصير بقية المناطق التي ثارت ضد نظام الأسد، في النهاية نشط من يوصفون بـ”الضفادع” في كل مكان من درعا تماما كما حصل في الغوطة الشرقية والقلمون وجنوب العاصمة دمشق وحمص بغية تسليم المناطق لنظام القتل والتدمير، والبحث عن مكان آمن لهم بين أحضان نظام الأسد، في وقت يقوم فيه الأخير بتهجير من رفض عروض “المصالحة” التي روجت لها تلك “الضفادع”.
بدأت روسيا بمعركة درعا ودخلت التفاوض عن قوات نظام الأسد وميليشياته، وبدأت بحرب إعلامية على غرار ما فعلت قبل في بقية المناطق، ألقت المنشورات الورقية التي تثير القلق والرعب بين الأهالي ومن ثم جاءت بالقصف المكثف لتنتهي العمليات بـ”المصالحة” بعد وعود من روسيا والنظام بمستقبل مزهر لتلك المناطق.
اتفاقات غير واضحة
وتعيش معظم المناطق التي دخلت في سيطرة النظام فعليا أو نظريا حالة من الضبابية فكل منطقة قامت بالدخول في اتفاق مع النظام على حدة وواجهت مصيرها بمفردها وذلك على الرغم من الإعلان عن غرفة عمليات عسكرية موحدة إبان بداية الهجوم على درعا من النظام.
وقال الناشط الإعلامي “أبو محمد المسالمة” لـ”صدى الشام” إن الاتفاقات بين قوات النظام والثوار تختلف في كل منطقة من مناطق درعا، وإن نصت معظم الاتفاقيات في المدن التي لم يدخلها النظام خلال الحملة الأخيرة على تسليم السلاح الخفيف والمتوسط لقوات النظام.
وأضاف أنه في درعا المدينة تم الاتفاق بين الطرفين على تسليم “الجيش الحر” سلاحه المتوسط والثقيل للنظام مقابل خروج الأخير من أحد أهم الأحياء السكنية “سجنة” لكن النظام لم يخرج قواته من الحي المذكور ولم يوف بوعوده، وفي المقابل رفض “الجيش الحر” هناك تسليم سلاحه المتوسط حتى يقوم النظام بإخراج قواته من الحي.
أما في المناطق التي دخلتها قوات النظام عنوة كـ”المسيفرة والجيزة وبصر الحرير والحراك وناحتة والمليحة الشرقية والمليحة الغربية ومليحة العطش والغرايا” فهناك يحق له نظريا التصرف فيها كيفما شاء حيث لم تعقد أي اتفاقية مع الثوار هناك، وفق المسالمة.
اعتقالات
وبحسب الناشط “المسالمة” فقد قامت قوات النظام باعتقال ثلاثة شبان من مدينة الجيزة أثناء خروجهم إلى المسيفرة كما وتم توثيق أكثر من خمسة وسبعين حالة اعتقال كانت بحق شبان من أبناء درعا وافقوا على مصالحات النظام وتم اعتقالهم في مناطق (الكاشف والقصور والسبيل) بمدينة درعا، وعلى إثر ذلك قامت اللجنة المفاوضة في مدينة درعا برفع الأسماء للشرطة الروسية التي تقوم “بتصحيح أخطاء النظام ومليشياته في درعا” وفق قوله.
وفي نفس السياق قال المتحدث الإعلامي باسم “قوات الشهيد أحمد العبدو” التابع للجبهة الجنوبية “سعيد سيف” إن الوضع في درعا جيد بشكل عام حيث تحاول الشرطة الروسية بسط نفوذها في المنطقة وتراقب التزام قوات النظام للاتفاقيات التي أبرمتها مع أهل درعا.
اعتقلت قوات النظام عشرات الشبان والرجال في مدينة درعا مخالفة بنود الاتفاق الذي تم مع الجيش الحر في المدينة
وأضاف: “القوات الروسية شاركت في إرجاع عائلات إلى بلداتهم وقراهم وقدمت ضمانات عن نظام الأسد في تسوية أوضاع الراغبين بالتسوية وعدم ملاحقة الفارين والمتخلفين عن خدمة العلم لمدة ستة أشهر وحتى الآن ما يزال النظام ملتزم بذلك”، وفق تعبيره.
وشملت الاتفاقيات المذكورة سابقا تسليم السلاح الثقيل والخفيف مع وقف فوري لإطلاق النار في درعا بين جميع الأطراف مع ترحيل من يرفض “التسوية” إلى إدلب شمال البلاد.
ونصت على السماح بعودة الأهالي إلى قراهم وبلداتهم وعدم تدخل الأفرع الأمنية وقوات النظام بالمدنيين ودخول المؤسسات الخدمية إلى المدن التي كانت تخضع لسيطرة “الجيش الحر” ورفع علم قوات النظام على المؤسسات “الحكومية” أيضا.
قوات مكافحة الإرهاب
وفي سياق متصل كشف “جهاد” أحد أبناء درعا لـ”صدى الشام” عن انخراط فصيل “شباب السنة” المعارضة ضمن قوات النظام في تشكيل جديد تحت مسمى “قوات مكافحة الإرهاب في الجيش العربي السوري”، مشيرا إلى أن الفصيل هو المسؤول على المفاوضات في مدينة درعا.
وقال : “كنا ننتظر وصول الحافلات للخروج إلى الشمال لكن في اللحظات الأخيرة لم يسمح لنا بالخروج ووضعت نقاط (تفييش) روسية وقام معظم أهالي المدينة بعملية (التفييش) وخصص يوم كامل لحملة السلاح وكل من لم يكن متورطا حسب زعمهم قام بالمصالحة مع النظام وبقي داخل المدينة مع فصيل شباب السنة”.
قام النظام بالتعاون مع فصيل “شباب السنة” في درعا بتشكيل قوة مسلحة أطلق عليها مسمى “قوات مكافحة الإرهاب”
وأنهى النظام مؤخرا عملية تهجير الرافضين للمصالحة من أهل درعا والقنيطرة، بعد إصرارهم على رفض “التسوية” مع قوات النظام وميليشياته رغم الوعود التي أعطاهم إياها مسؤولو التفاوض، وقد انتشر مهجرو درعا على قرى إدلب فقط ولم يخرجوا إلى مناطق عمليتي “درع الفرات وغصن الزيتون”.
ويقول “أبو محمد العليان” أحد المقاتلين الذين خرجوا إلى إدلب ورفضوا البقاء في درعا إنه لا يمكن لقوات النظام التي دمرت درعا بالطيران الحربي والمدفعية الثقيلة أن تفي بوعودها أبدا في درعا وسيأتي يوم يتبين ذلك.
وأصاف أن “ما حدث مؤخرا في السويداء خير دليل على ذلك حيث قامت روسيا والنظام بفتح الطريق أمام تنظيم “داعش” إلى قرى السويداء بعد أن رفض أهل السويداء تجنيد شبابهم في صفوف قوات النظام لقتال أهل درعا في المعركة الأخيرة وقام التنظيم بتفجيرات راح على إثرها عشرات القتلى والجرحى، النظام في الوقت الراهن مستنزف بقوة ولن يترك شباب درعا وشأنهم بل سيزجهم في محرقة الشمال حسب ظني”.
وبدوره قال المقاتل “محمود الحوراني” الذي قرر مغادرة درعا ضمن قوافل المهجرين : “لن ننسى آلاف الشهداء والمعتقلين الذين قتلهم النظام، ونحن لا نثق بضمانات الروس والنظام لذلك فضلنا الخروج عن البقاء تحت سلطة هذا النظام المجرم.”
انتقام طائفي
وصل مئات من مقاتلي المعارضة السورية والمدنيين الذين تم إجلاؤهم من محافظة درعا والقنيطرة في جنوب سوريا على دفعات متتالية، خلال الشهر الجاري إلى الأراضي التي تسيطر عليها فصائل الثورة السورية ودخلت عن طريق معابر محافظة حماة.
وعن اعتراض ميليشيات النظام لقافلة من قوافل مهجري درعا أوضح الناشط الإعلامي “محمد” أنه “بعد تحركنا من خان أرنبة باتجاه الشمال السوري والصول إلى المتحلق المتجه نحو “حمص” واجهتنا الميليشيات الإيرانية الشيعية وكان المقاتلون يضعون رباطات كتب عليها “لبيك يا زينب لبيك يا علي ” وقاموا بتوجيه البنادق باتجاه الباصات.
وحصلت حالة هلع ورعب كبيرة بين النساء والأطفال ولم يسمحوا لنا النزول من الباصات، وعندها قمنا بالتواصل مع الشمال وفريق الاستجابة السوري وقاموا بحملة إعلامية حول ما جرى، لكن الميليشيات في الوهلة الأولى منعت الهلال الأحمر من مساعدتنا وبعدها سمحوا لهم بتقديم المساعدة للمرضى.
أوقفت الميليشيات الطائفية التابعة لنظام الأسد حافلات المهجرين من درعا قرب مدينة حمص بهدف الانتقام من الأهالي
يضيف : “بعد أكثر من ساعة سمحت الميليشيات لنا بالنزول من الباصات وبدأ الأطفال بالإقياء بسبب الحرارة وبقينا محتجزين قرابة سبع ساعات نعاني بشكل كبير من مسألة قضاء الحاجة وبالأخص النساء والأطفال وبعدها تم توجيهنا إلى الشمال السوري.”
وعن سبب التوقف قال: “لا نعلم سبب الاحتجاز الحقيقي إلى الآن، لكن فور وصولنا إلى طريق حمص كانت الميليشيات الإيرانية تنتظرنا هناك، وما فهمناه أنهم يريدون الانتقام من أجل كفريا والفوعة وما حصل معهم من إزعاجات أثناء تهجيرهم، ولكن الغريب في الأمر غياب الضامن الروسي عن هذه الحادثة فلم نرى أي سيارة تخص المحتل الروسي أمام قوافلنا في تلك اللحظات التي مضت.”
واستقبل مخيم بلدة “ميزناز” بريف حلب الغربي والذي تتم إدارته من قبل هيئة “ساعد” الخيرية ثلاثة آلاف شخص من المهجرين من درعا والقنيطرة الذين تعرضوا للاحتجاز من قبل الميليشيات الإيرانية، ونقل المصابون والمرضى إلى النقاط الطبية بينما أخضع جميع الأطفال للفحوصات قبل أن يتم نقلهم إلى مخيمات ومراكز إيواء دائمة.
واستقبلت مخيمات أخرى مثل مخيم “أطمة” ومخيم “كفرلوسين” مئات العائلات من المهجّرين، بينما ذهبت عدة عائلات إلى مناطق مختلفة في إدلب، وبلغ عدد المهجرين من تاريخ الخامس عشر من تموز إلى السابع والعشرين من تموز حسب مكتب منسقي الاستجابة “9878” شخصا من بينهم 4339 رجلا و 2355 امرأة و3184 طفلا.
المستقبل المجهول
ولعلم معظم المهجرين إلى الشمال السوري وخاصة من وصلوا إلى إدلب وريفي حماة واللاذقية يترقبون مصيرا مجهولا يحيط بهم سواء أكان بالنسبة لهم أم بالنسبة لعموم المنطقة التي تنتظر مصيرها بعد انتهاء النظام من حسم مصير الجنوب وهل سيقوم بعملية عسكرية ضد المنطقة ليقع المهجرون وأهالي المنطقة تحت النيران من جديد.؟
وعلى الرغم من التصريحات التركية الأخيرة التي تؤكد أنهم سوف يقفون في وجه أي عمل عسكري ضد إدلب إلا أن الناس هناك لم تعد تأمن السياسيين وخاصة بعدما رأوا من تخلي واشنطن عن المعارضة في الجنوب عقب تصريحات حملت تهديدات للنظام وروسيا بالرد حال القيام بعمل عسكري ضد درعا إلا أن تلك الرسائل كان في مهب الريح ولم تقف في وجه العملية التي أدت أخيرا إلى التهجير.
يترقب المهجرون من درعا إلى الشمال مصير إدلب بعد انتهاء النظام وروسيا من عمليات التهجير والحسم في ملف الجنوب
ويقول المقاتل في صفوف المعارضة السورية “سالم الجاسم” والذي هجر من درعا إنه بعد الذي حصل معهم في درعا لا يأمنون للنظام ومن الممكن أن يقوم بالهجوم على إدلب، وفي تلك الحالة لا يكون أمهم سوى القتال فلم يعد هناك مكان آخر يلجأون إليه.
وأضاف أن هناك مئات الآلاف من المدنيين أي ثلاثة أضعاف عدد السكان والمقاتلين عما كان الحال عليه في درعا وهو ما ينذر بكارثة في حال وقوع هجوم عسكري على المنطقة.
أما بالنسبة لـ”صهيب المحيميد” وهو مواطن نزح من ريف درعا الغربي واستقر حاليا في مخيم قرب معرة مصرين بريف إدلب ويفكر حاله حال الكثير من المهجرين بالانتقال إلى تركيا بغية إيجاد عمل لقلة الفرص في إدلب، لكن الحدود السورية التركية مغلقة والعبور عن طرق التهريب خطر جدا بسبب التشديد الأمني من قبل السلطات التركية فضلا عن مبالغ مالية كبيرة يطلبها المهرب، وهو ما يجعل فرصة الوصول إلى تركيا شبه مستحيلة لذلك لا يعرف ما سيحل به وفق قوله.
وتلقت عائلة “صهيب” في المخيم مساعدات من قبل المنظمة المشرفة تضمنت حصصا غذائية وماء للشرب وأغطية ووسادة وبسكويت للأطفال وبعض اللوازم النسائية، إلا أنه عند وصولهم كان الجو حار جدا وهو ما أثر على طفله الذي أصيب بالجفاف.