صدى الشام - رصد/
يحدث في الأفلام خيال قد لا يحدث في الواقع أبدا، لكن الكثير من السوريين تحولت حياتهم إلى أفلام واقعية، ابتعدوا عن بلادهم هربا من ظلم النظام ليجدوا أنفسهم وسط ظلم آخر من نوع آخر.
شاب سوري يدعى “حسان القنطار” يبلغ من العمر 36 عاما من السويداء، عالق في مطار العاصمة الماليزية كوالالمبور منذ نحو ثلاثة أشهر، بسبب مشاكل في أوراقه الرسمية ومشاكل أخرى غير معروفة.
حسان يأكل ويشرب وينام في منطقة الترانزيت في المطار الذي حوصر به، تماما كما حصل مع بطل فيلم “ذا تيرمينال” للمخرج العالمي “ستيفن سبيلبرغ”، والذي تدور أحداثه حول قصة مهاجر من إحدى دول الاتحاد السوفياتي السابق، اندلعت الحرب في بلاده، فآثر الهرب بحثا عن حياة أفضل، ليجد نفسه عالقا في مطار “جي أف كي” في نيويورك.
يعيش حسان يومياته في أروقة قسم الترانزيت في المطار وفق ما نقله موقع “مهاجر نيوز” المعني بنقل أخبار المهاجرين حول العالم، يأكل ويغتسل وينام هناك، أصدقاؤه هم من العاملين في القسم، قبل خروجه من سوريا بحثا عن بناء مستقبل أفضل، لم يكن ليتخيل ولا للحظة أنه سيعيش تجربة بهذا الحجم وعلى مدى تلك المدة الزمنية.
يقول حسان “في البداية كان الوضع صعبا، فالنوم على أنغام موسيقى الاستعلامات في المطار مستحيل، إلا أنني منذ فترة بت أنام تحت أحد الأدراج ما أمن لي مساحة هادئة نسبيا”، ويكمل “لا يمكنني أن أغتسل بشكل حقيقي، فعادة أدخل إلى حمام المطار وأحاول أن استحم بالمياه الباردة”.
ويضيف حسان “بالنسبة لغسل الثياب، فغالبا ما أعطي ثيابي المتسخة للعاملين في المطار، يغسلونها في منازلهم.. يحاولون مساعدتي وفقا لإمكانياتهم، حتى أنهم أحيانا يجلبون لي وجبات مختلفة عن تلك التي تأتيني ثلاث مرات يوميا من شركة طيران آسيا”.
لم يعد حسان إلى سوريا خوفا من تجنيده إجباريا في صفوف قوات النظام أو الاعتقال، لم يكن راغبا بالمشاركة في أعمال دموية
قبل الحادثة
سافر حسان إلى الإمارات العربية المتحدة عام 2006، حيث عمل مع عدة شركات تأمين، كان همه الرئيسي حينها أن لا يتم استدعاؤه للخدمة العسكرية، ومع اندلاع الثورة في سوريا عام 2011 تأكدت له صوابية خيارِه، فهو لا يريد الانخراط في أعمال دموية، ولكن عامل الوقت لم يمهله كثيرا، جواز سفره قد انتهت صلاحيته وكان يحتاج لأن يجدده.
سفارة النظام في الإمارات حينها رفضت تجديد الجواز، وهو كان رافضا لفكرة أن يعود لسوريا ليجدده خوفا من الاعتقال أو التجنيد الإجباري في صفوف النظام، بالنتيجة، خسر حسان إقامته الشرعية في الإمارات، وبقي مقيما هناك بشكل غير شرعي حتى عام 2017.
يقول حسان: “عام 2017، سمحت سلطات النظام بتجديد جوازات السفر في الخارج لمدة سنتين، اغتنمت الفرصة وجددت جواز سفري حينها، ولكني كنت ما زلت مقيما بشكل غير شرعي في الإمارات، فقررت أن أسلم نفسي للسلطات الإماراتية”.
احتجز القنطار في سجن الجوازات في الإمارات، “وضع السجن سيء جدا، احتجزت لـ22 يوما هناك، منعوني من الاتصال بأهلي أو بمحامي”، يستذكر حسان ما حصل معه بنوع من السخرية، فالضحك هو وسيلته الوحيدة لتخطي التجارب القاسية التي يمر بها، “كانوا يريدون ترحيلي إلى سوريا… صدمت في البداية.. سوريا.. أنا أصلا هارب من سوريا وإذا أعادوني هناك سينتهي بي الأمر في المعتقل”.
في النهاية استجابت السلطات لطلباته ووافقت على تسفيره إلى ماليزيا، حيث أن السلطات الماليزية تمنح السوريين تأشيرة إقامة لمدة ثلاثة أشهر، كانت خطته تقضي بالذهاب إلى ماليزيا ومنها إلى الإكوادور ومن هناك يخطط لوجهته الأخرى، إلا أنه لسبب ما مازال يجهله، لم يسمح له الموظف على باب طائرة الخطوط الجوية التركية أن يصعد إلى الطائرة.
عاد أدراجه وهو يفكر بخطوته التالية، كمبوديا هي إحدى الدول التي تمنح السوريين تأشيرة دخول على المطار، حجز تذكرة إلى هناك وسافر بالفعل، إلا أنه في مطار بنوم بنه، وأيضا لسبب يجهله تماما، تم توقيفه وإعادته إلى ماليزيا، حينها كانت إقامته على الأراضي الماليزية قد انتهت ومنع من الدخول، فبات المطار المكان الوحيد الذي يستطيع البقاء فيه.
يرى حسان أن ما يحدث معه ليش شخصيا إنما سياسة عنصرية ممنهجة موجهة ضد كل السوريين بشكل عام
موجه ضد كل السوريين
يقول حسان: “تقبلت وضعي على ما هو عليه الآن”، ويضيف، “ما يمدني بالقوة هو إحساسي بأن ما يحصل معي ليس شخصيا، وإنما موجه ضد كل السوريين، هذا إحساسي في الوقت الحالي… هناك نوع من العنصرية تجاه السوريين، وإلا كيف تفسر كوني عالق هنا في المطار منذ ثلاثة أشهر ولم توافق أي دولة في العالم على استقبالي”.
وحسان ليس أول سوري يعلق في مطار، فهناك مثلا حسن ياسين، اللاجئ السوري الذي علق في أحد مطارات موسكو لمدة تسعة أشهر، نصب حينها خيمة في حرم المطار، كما سجلت الكثير من الحالات التي علق فيها سوريون آخرون في مطار كوالالمبور الدولي.
وتحدث حسان أنه “كان هناك عائلة سورية أخرى عالقة مثلي هنا في المطار، إلا أنني لم أعرف عنهم شيء منذ فترة، ربما تم ترحيلهم، أذكر أن أحد أفراد العائلة كان بحاجة ماسة لمتابعة طبية”.
لم توافق أي دولة على استقبال حسان، إلا أنه يعلق آماله على مجموعة من المتطوعين الكنديين تكفلت بتحضير ملف طلب لجوئه إلى كندا. “هم الأمل الوحيد لدي الآن، وإذا فشلوا لا أعرف ماذا أفعل، لا أريد العودة إلى سوريا”.
يضيف حسان بنوع من الاستنتاج مفاده “يبدو أن القوة هي المفهوم الوحيد الفاعل في هذا العالم، حتى المنظمات الإنسانية أحست أنها مجبرة على زيارتي مرة ثانية لأني رفعت صوتي…”.