حاوره- مصطفى محمد/
يرى المحلل السياسي ورئيس “مجلس السوريين الأحرار”، أسامة بشير، أن حديث رئيس النظام “بشار الأسد” عن عزمه استعادة المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيات “قوات سوريا الديمقراطية” “قسد”، يحمل في طياته توجها للتقارب ما بين دمشق وأنقرة.
ويعتقد في حواره مع “صدى الشام” أن كل الأعمال التي مارستها روسيا من تهجير هي بتخطيط أمريكي، مضيفا أن “الأسد ما كان ليهدد “قسد” لولا وجود ضوء أخضر أمريكي”.
وفي سياق آخر، ميّز بشير بين الاندماج بين فصائل المعارضة الذي حصل في إدلب، ومثيله الذي حصل في الجنوب، واصفا الاندماج الأخير (جيش الإنقاذ) بأنه “ضرورة” نظرا للأخطار التي تحدق بالجنوب السوري.
وإلى نص الحوار الكامل:
في آخر ظهور إعلامي له، توعد رئيس النظام بشار الأسد “قسد” باستعادة مناطقها إما عبر المفاوضات، أو عبر عمل عسكري، برأيكم هل الأسد فعلا قادر على شن عمل عسكري ضد الميليشيات المدعومة أمريكيا، ولماذا اختار النظام هذا التوقيت للإدلاء بهذه التصريحات؟
لقد هدد النظام قبل أيام من تصريحات الأسد درعا، ولم يستطع فعل شيء البتة بسبب التحذيرات الأمريكية، ومن هنا فإن الولايات المتحدة ستؤمن الحماية لـ”قسد” التي هي تحت رعايتها، وهي أولى من غيرها بالحماية وفق المنظور الأمريكي، أما ما وصفه الأسد بالخيار الأول لاستعادة هذه المناطق أي “التفاوض”، باعتقادي لا أرى أن الولايات المتحدة سوف تفاوض النظام على الأقل في هذا التوقيت، بالتالي كل هذه التصريحات هي عبارة عن زوبعة إعلامية من النظام، الغرض منها التركيز على حاضنته الشعبية، التي تعيش ما يسمى بنشوة الانتصار.
أما عن توقيت التصريحات، أولا النظام أراد أن يقول أنه مستمر بشن العمليات العسكرية بعد ضواحي دمشق، وثانيا فإن هذا كما نستطيع قراءته فإنه يتوافق مع الرؤية التركية، وبالتالي لا نعرف هل سيكون هناك فعلا نوايا بالتقارب مع تركيا على حساب المليشيات الكردية التي تقود “قسد”، ننتظر لنحكم على ذلك في القادم.
في ذات السياق، البعض من المراقبين اعتبر أن حديث الأسد مؤشر على تطورات مقبلة قد يشهدها الشرق السوري، بمعنى آخر هناك أنباء عن احتمال سيطرة النظام فعلا على المناطق الخاضعة لسيطرة “وحدات حماية الشعب الكردية” قطعاً للطريق على دخول تركيا إلى تلك المناطق، وبالتالي فإن حديث الأسد هنا هو لإعطاء مبرر للوحدات للانسحاب من تلك المناطق أمام حاضنتها الشعبية؟
إذا كان هذا الكلام صحيحا، فمعنى ذلك أن هناك توافق أمريكي على ذلك، وبالمناسبة دعني أقول أن كل ما فعلته روسيا هو بتخطيط أمريكي، بمعنى آخر، كل ما قامت به روسيا في سوريا من مصالحات وحروب إلغاء للمعارضة وحتى مسار أستانا هو بتخطيط أمريكي، بالتالي إذا كان الأسد قد هدد “الوحدات الكردية” فمعنى ذلك هناك توافق أمريكي على توجه النظام إلى هذه المناطق قطعا للطريق على دخول تركيا إليها كما جرى في عفرين، لاسيما وأن التقارب الروسي- التركي أزعج واشنطن كثيرا، والسيطرة على عفرين لم تكن بموافقة واشنطن.
بالعموم أعتقد أنه إذا كان حديث الأسد صحيحا عن قرب استعادته السيطرة على مناطق “قسد”، فسيكون ذلك عبر تفاهمات سياسية، لا عبر حروب عسكرية أو مواجهات جديدة، قصارى القول، لا أستبعد شيء في الساحة السورية التي علمنا أنه لا سياسات ثابتة.
بشير: ما تفعله روسيا من عمليات تهجير واتفاقات في سوريا يتم بتخطيط وموافقة أمريكية
شهد الشرق السوري خلال الفترة الأخيرة حراكاً مكثفا من قبل المملكة العربية السعودية، إذ تشير الأنباء إلى دعم الرياض لتأسيس قوات حدودية مشتركة كردية- عربية في تلك المنطقة، ما هو الهدف من هذه القوات، وما سر اهتمام المملكة بهذه المنطقة؟
بتقديري، لا علاقة لوجود الممكلة العربية السعودية وحضورها بالملف السوري بقوات الحدود التي يتم الحديث عنها، غير أن هناك تفاهمات سياسية لها علاقة بالوضع السوري، من أهمها ضبط الأمن في المرحلة القادمة تمهيدا لتطورات سياسية ما زالت غامضة، وتحديدا منها المتعلقة بإعادة إنتاج نظام بشار الأسد وفرضه السيطرة على كافة المناطق السورية من جديد.
بصيغة أخرى، لا علاقة للسعودية أو لا مصلحة لها بإقامة كيان كردي انفصالي في سوريا، ومن هنا نستطيع القول أن سر اهتمام المملكة العربية السعودية بهذه المنطقة لم يكن بقرار من المملكة ذاتها، وإنما جاء بأمر من الولايات المتحدة الأمريكية.
إن العلاقة ما بين السعودية وتركيا غير جيدة على أقل تقدير، ولهذا طلبت واشنطن من الرياض إرسال قواتها إلى هذه المنطقة حتى لا تسمح للقوات التركية بدخول أو باجتياح هذه المناطق، تجنبا لصدام تركي- سعودي في سوريا، لا سيما وأن أنقرة أكدت في أكثر من مقام بأن قواتها ستتابع الحرب على الإرهاب في سوريا وصولا إلى الحدود السورية العراقية.
تخيم على الرقة أجواء من التوتر وذلك منذ اندلاع الاشتباكات ما بين “لواء ثوار الرقة” و”قوات سوريا الديمقراطية” في أحياء داخل المدينة، الأحياء التي مازالت تشهد بعض التظاهرات المناهضة لـ”قسد”، وهنا نسأل عن رؤيتكم لما يجري هناك، وهل تعتقدون أن ما يجري بمنزلة البداية لانتفاضة جديدة ضد “قسد”؟
لطالما ما زالت الولايات المتحدة مصرة على دعم “قسد”، فلا أعتقد أن انتفاضة شعبية في الرقة أو غيرها ستقوم ضد “قسد”، وقد يستمر التوتر ما بين اللواء المنضوي في “قسد” وفصائل أخرى فيها إلى فترة قصيرة نسبياً، و قد يتطور التوتر إلى مواجهات ومعارك حقيقية في حال تم دعم “لواء ثوار الرقة” من جهة ما.
والسؤال هنا، هو هل ستدعم الولايات المتحدة “لواء ثوار الرقة” أو “قسد” بكتلتها الكردية الصلبة، هذا هو السؤال الأهم، والجواب عليه هو واضح جدا، أي ستختار الولايات المتحدة “قسد”، وكل ذلك يقودنا إلى حقيقة واحدة وهي أنه لا قدرة على الاستمرار بانتفاضة شعبية ضد “قسد” بوجود الدعم الأمريكي للأخيرة.
بعيدا عن “قسد” والشرق السوري، أعلنت فصائل المعارضة في الشمال والجنوب عن اندماجات مهمة، حيث أعلن في إدلب تشكيل “الجبهة الوطنية للتحرير”، مقابل الإعلان عن “جيش الإنقاذ” في الجنوب، بداية هل من رابط ما بين الأمرين، وكيف؟
باعتقادي ليس من رابط ما بين الاندماج الذي جرى في إدلب وذلك الذي جرى في درعا والجنوب السوري، في الشمال وكما أرى فقد فقدت هذه الأنباء بريقها أي التوحد والاندماج وغيره من هذه التحركات التي باتت بدون قيمة أو طائل، وفي إدلب أعتقد أن “هيئة تحرير الشام” تعلم تماماً أن استمرارها بأسلوبها المتطرف قد يجلب الويلات والمصائب لإدلب، لذلك نراها اليوم تتجه لأن تكون أكثر اعتدالاً، وبحسب الأنباء التي لدينا فإن الهيئة مقبلة على تغييرات جذرية، وقد تتحول إلى تكتل سياسي بطريقتها.
أما في الجنوب السوري، فالوضع الخاص هناك يعطي لما جرى من اندماج أهمية، هناك توحدت الفصائل وأعلنت استعدادها لصد أي عملية عسكرية، رغم وجود قرار أمريكي بمنعهم من ذلك.
إن فصائل الجنوب تجاوزت الخطوط الحمراء الأمريكية، وفي حال تقدم النظام فإن الفصائل ستكون بالمرصاد، وسوف تدافع عن وجودها، وفصائل الجنوب عودتنا دائماً أنها أصدق من فصائل الشمال السوري.
ما الأسباب التي فرضت هذه الاندماجات، وهل هي أسباب متعلقة بحاجة داخلية أم تنفيذا لرغبات وإرادات دولية ولربما إقليمية؟
كما أسلفت لقد كان الاندماج في الجنوب حاجة بسبب الخطر القادم، غير أن ما جرى في الشمال هو جاء بأوامر دولية كي تعطي هذه الفصائل صورة عن وضع المناطق المحررة الخاضعة لتركيا، وهذا قطعا للطريق على الانتقادات الروسية للفوضى في مناطق الشمال السوري، وهو الشيء الذي ألمحت له مؤخرا قاعدة حميميم العسكرية الروسية، وكل ذلك دفع بتركيا إلى الفصائل أن تتوحد، وكذلك من “هيئة تحرير الشام” أن تتغير.
إن الفوضى والقتل والاغتيالات والتفجيرات وكل ما يجري في إدلب هو نتاج عن عمليات الفساد الحاصلة هناك، وهذا بدون أدنى شك تتحمله تركيا، ولذلك لن تسكت تركيا على هذا الأمر إلى ما لا نهاية.
بشير: الفوضى في إدلب هي نتاج عن عمليات الفساد الحاصلة هناك، ولن تسكت تركيا على هذا الأمر إلى ما لا نهاية.
في الجنوب السوري، ما زال المستقبل ضبابيا للغاية في ظل الحديث عن تفاهم روسي- إسرائيلي، حيث من غير المعروف بعد ما إذا كانت روسيا قد تراجعت فعلا عن عمل عسكري سينفذه النظام هناك، ما هي رؤيتكم لما يجري هناك؟
الواضح حتى الآن أن الاتفاق الإسرائيلي الروسي هو على استبعاد مليشيات إيران و”حزب الله” من حدودها حتى مسافة 40 كيلو متر كحل مؤقت، للآن يبدو أن الأمور تتجه بأن تسمح إسرائيل للنظام إن أراد القتال في الجنوب أن يقاتل لكن من دون مشاركة المليشيات الإيرانية، ولربما توافق الولايات المتحدة للنظام فقط بالقتال.
النقطة المهمة هنا، هو أن النظام وكما أعتقد فإنه غير قادر على فتح معركة الجنوب دون مساندة “حزب الله” على الأقل، وهذا يعني أن الولايات المتحدة في حال قيام المعركة ستقف ضد حسم المعركة، وقد تتحول تلك المنطقة إلى جبهات استنزاف جديدة.
إن الأنباء المؤكدة التي وصلتنا من الجنوب أكدت حدوث انسحابات لقوات ومليشيات إيرانية من تلك المنطقة، وهذا يعني أن إيران ترسل إشارات لطمأنة إسرائيل بأنها لن تشارك في هذه المعارك، حتى تحصل على الضوء الأخضر منها لمواصلة التصعيد العسكري الذي يمنحها الشرعية المؤقتة لمواصلة وجودها في سوريا، وكأنها تقول لإسرائيل نحن على استعداد للتفاوض على أي شيء مقابل البقاء في سوريا.
بالعودة إلى الجنوب، هناك أكثر من سؤال مهم في هذه الفترة، هل ستكون قوات النظام قادرة على شن حملة عسكرية في الجنوب السوري لوحدها، وما الشيء الذي تم التوافق عليه ما بين روسيا والولايات المتحدة حول الجنوب السوري.
وكل هذه المعلومات لدى فصائل الجنوب، ولذلك هي اليوم سعت إلى الاندماج، استعداداً للمواجهة، وهناك أنباء عن نقل طائرات روسية لعسكريين إيرانيين من سوريا إلى إيران، وهذا الخبر يؤكد لنا بوضوح أن الوضع الدولي في سوريا على تطور مستمر، والسياسات تتغير بشكل يومي، والأمور أكثر من ضبابية، والتصريحات كثيرة، وآخرها ذلك التصريح الذي أشرنا إليه سابقاً أي الصادر عن رئيس النظام، الذي يبدو وكأنه بدأ يشعر بنوع من القوة حتى بات يوزع التهديدات هنا وهناك سواء لـ”قسد” أو لتركيا أو لغيرها.
بشير: النظام غير قادر على فتح معركة الجنوب دون مساندة “حزب الله” على الأقل، وهذا يعني أن الولايات المتحدة في حال قيام المعركة ستقف ضد حسمها.
هذا في درعا والجنوب، وماذا عن إدلب؟
النظام يكتفي بتهديد إدلب سياسيا، لكنه عسكريا غير قادر على تنفيذ هذه التهديدات، بسبب التوافق الروسي – التركي هناك، لكن بما أنه حتى الروس باتوا يلمحون إلى انتقادات في إدلب، فهذا يعني أن تغيرات قادمة في إدلب وهي بالتأكيد لن تكون عسكرية، وإنما العمل على إيجاد قاعدة يعتمد عليها في تأمين هذه المنطقة.