الرئيسية / مواد مختارة / شمال حلب “لا مكان لمهجرين جدد” والسيول تعمق معاناة المهجرين
الأمطار أغرقت المخيمات
الأمطار أغرقت المخيمات

شمال حلب “لا مكان لمهجرين جدد” والسيول تعمق معاناة المهجرين

حسام الجبلاوي - عمار الحلبي/

وسط ظروف البرد والمطر في العراء قضى مئات المهجّرين معظمهم من النساء والأطفال القادمين من ريف حمص الشمالي وريف دمشق الجنوبي ساعات طويلة على أبواب معبر “أبو الزندين” قرب مدينة الباب بريف حلب الشمالي الشرقي، فيما تضاربت الأنباء عن رفض الجانب التركي السماح لهم بالدخول إلى مدينتي جرابلس والباب بحجة عدم وجود تنسيق مسبق لدخولهم.

ووصلت قافلتان لم تفلح سوى قافلة واحدة مكونة من قرابة أربعة آلاف نازح قدموا من ريف حمص الشمالي بالدخول إلى مدينة الباب، في حين غيّرت القافلة الثانية وجهتها إلى مدينة إدلب بعد انتظار دام لأكثر من أربعين ساعة على أبواب المعبر.

أما مصير قافلة جنوب دمشق فقد بقي معلقا لأيام بين خيارين، حيث عرض المنسق الروسي على القافلة البقاء في آخر نقطة بمناطق سيطرة النظام، وإنشاء مخيم لهم بضمانة روسية، أو اللحاق بقافلة حمص إلى إدلب، قبل السماح لها بالدخول إلى المنطقة.

وتسببت هذه الأوضاع المأساوية للمهجرين بوفاة السيدة “حورية طوقاج” من مهجري ريف حمص، أثناء انتظارها أمام معبر “الزندين” بعد إصابتها بسكتة قلبية وعدم وجود طواقم طبية ضمن القافلة.

وقال الناشط الإعلامي من ريف حمص “يعرب الدالي” في حديث مع صحيفة “صدى الشام” إن ساعات الانتظار الطويلة “فاقمت من وضع المرضى والمصابين، كما عانى المهجرون من نقص الطعام والشراب، وعدم وجود الحمامات لقضاء الحاجة”.

وأضاف الناشط أنّ باقي مهجري ريف حمص الشمالي والمتوقع أن يصل عددهم إلى قرابة 25 ألفاً سوف يتوجهون إلى محافظة إدلب بدلاً من ريف حلب الشمالي نتيجة “سوء المعاملة التي يتوقعونها في ريف حلب”.

ويأتي ذلك رغم خروج مظاهرات شعبية في مدينة الباب ومناطق أخرى من ريف حلب الشمالي تطالب الفصائل والجانب التركي بالسماح للمهجّرين بالدخول إلى المنطقة. كما تظاهر مهجرون من ريف دمشق في مخيم جنديرس وطالبوا الحكومة التركية بالسماح لمهجري جنوب دمشق العالقين على حدود مدينة الباب بالدخول إلى الأراضي المحررة.

ومن جانبه قال الصحفي “حسين خطاب” المقيم في مدينة الباب لـ “صدى الشام”: “إن الحافلات سمح لها بالدخول يوم السبت الماضي، وذلك بعد انتظار دام لمدة ستة أيام”.

وأضاف خطاب الذي عاين مكان انتظار الحافلات داخل كازية علولو قرب معبر أبو الزندين في مدينة الباب، أن وضع المهجرين كان مأساويا، حيث اضطروا للبقاء داخل الحافلات لمدة ستة أيام متواصلة، اضطروا للمكوث والنوم وقضاء معظم أوقاتهم داخل الحافلات.

وأوضح أنّه في بداية الأمر تم السماح لدخول ما يزيد عن ٢٠ حافلة، وبقيت نحو ١١ حافلة بالانتظار، ثم تم السماح لها بالدخول يوم السبت وذلك بعد معاناة استمرت لأيام.

 

مبررات

من جانب آخر عزا الجانب التركي أسباب التأخر في السماح بدخول القافلات إلى “أسباب لوجستية مرتبطة بالأعداد الهائلة للمهجرين وعدم وجود مخيمات كافية لهم”.

وأكدت إدارة الكوارث الطبيعية التركية “آفاد” و”الهلال الأحمر التركي”، المنظمتان المسؤولتان عن الاستجابة الإنسانية في ريف حلب، أن سبب المنع يعود إلى “عدم الجاهزية لاستقبال هذا العدد الكبير من المهجرين في وقت قياسي”.

وقال رئيس المجلس المحلي في مدينة الباب، جمال عثمان في تصريحات صحفية سابقة إن السلطات التركية “لم تمنع دخول قوافل المهجرين بشكل مباشر، ولكن المشكلة هي عدم وجود تنسيق مسبق مع الجهات المعنية بشأن قدوم القوافل”.

وأوضح عثمان أنه ومع وصول النازحين “لم يكن هناك أية خدمات جاهزة كتأمين المأوى والطعام والمستلزمات الأخرى بما يضمن متطلبات العيش”.

في السياق ذاته أرجع الناشط الإعلامي في مدينة الباب “علاء اليوسف” سبب منع القوات التركية لقوافل النازحين من الدخول إلى أسباب سياسية تتعلق بعدم تنسيق مهجري ريف حمص وريف دمشق في أثناء مفاوضاتهم مع الجانب التركي.

ورأى اليوسف من خلال حديثه مع صحيفة “صدى الشام” أن تركيا كانت تعد نفسها وسيطا في مناطق خفض التصعيد لاسيما في ريف حمص الشمالي، لكن فصائل هذه المنطقة قامت بمفاوضات منفردة مع الجانب الروسي، وتحييد الجانب التركي وهو ما أزعجهم ودفعهم لرفض دخول هذه الأعداد الكبيرة للمناطق التي يتولون إدارتها.

يضاف إلى هذه الأسباب وفق الناشط الإعلامي سوء الوضع الأمني في المنطقة نتيجة اقتتال فصائل “درع الفرات” وخشية السلطات التركية من وصول مقاتلين جدد قد يشكلون قوة إضافية لبعض الفصائل الموجودة في المنطقة.

وقال مصدر في المعارضة السورية لـ “صدى الشام”: “إن قرار عدم السماح للحافلات لم يكن سوى عبارة عن تأخير دخولهم ولا يوجد منع للدخول”.

وأضاف المصدر الذي رفض الكشف عن هويته، أن القيادات في المعارضة بالتنسيق مع الجانب التركي، كانت تقوم بتأمين مواقع فارغة لاستقبال المهجرين ليتم إدخالهم بعد تأمين بنى تحتية كافية لاستقبالهم، نافياً أن يكون هناك أي قرار بمنع دخولهم.

وأوضح المصدر، أن كل الأماكن التي من الممكن أن تؤوي النازحين اكتظت بما فيها المخيّمات والمساجد ومراكز الإيواء المؤقّتة.

بالمقابل، يشير الصحفي “حسين خطاب”، إلى أن  التبريرات كانت تتجه نحو عدم دخول هؤلاء المهجرين إلى المناطق المحررة في الشمال السوري، وذلك بسبب عدم التنسيق بين الجانبين الروسي والتركي، لافتا إلى أن الروس هم من أبرموا اتفاق التهجير ونفّذوه، في حين أن الأتراك هم الذين يتخذون القرار في مناطق الشمال السوري المحرر.

وصل إلى المنطقة آلاف المهجرين من الأهالي ومقاتلي المعارضة من حمص والغوطة الشرقية وجنوب دمشق

 

انهيار المخيمات

وتتزامن هذه الأوضاع الإنسانية السيئة للنازحين مع سيول وفيضانات كبيرة تتعرض لها قرى ريف حلب الشمالي، أدت لاقتلاع وجرف مئات الخيم في المنطقة وتشريد عشرات الأسر وبقائها في العراء.

وتداول ناشطون يوم الجمعة الماضي صوراً تظهر انهيار أجزاء من الجدار الحدودي وغرق مخيمات قرب بلدة “سجو” وطريق “يازي باغ” قرب مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي، ومخيم مهجري الغوطة الشرقية قرب مدينة الباب في الريف الشرقي.

كما أفاد نشطاء إعلاميون في المنطقة أن مخيم شمارين الذي يضم 160 عائلة لم يعد صالحا للسكن بعد أن جرفت السيول كافة خيم وأمتعة النازحين.

وفي هذا السياق وصف “وائل الحمود” وهو ناشط إغاثي يعمل في المنطقة الوضع بالكارثي مضيفا أن الأمطار المستمرة منذ خمسة أيام تركت عشرات العائلات تبيت في العراء.

وأوضح الناشط ” أن معظم المخيمات التي أقيمت للنازحين المتدفقين إلى المنطقة أقيمت بشكل عشوائي في الأراضي الزراعية وبين الأشجار وهي تفتقر لأدنى التجهيزات ، كرصف الأراضي تحت الخيام وإقامة الطرق بينها”.

شهدت مخيمات المنطقة أوضاعا مأساوية بعد حدوث عواصف مطرية أدت إلى اقتلاع العديد من خيم المهجرين.

وختم الناشط حديثه الخاص لصحيفة “صدى الشام” بدعوة المنظمات الانسانية العالمية للقيام بواجبها مضيفاً أنّ معظمها تخلّى عن واجبه في ظل أزمة نزوح كبيرة تعاني منها المنطقة.

ويعاني ريف حلب الشمالي من ضغوط كبيرة بعد نزوح آلاف السكان سابقا من محافظات الرقة ودير الزور، بالإضافة إلى استقباله منذ بداية آذار الماضي قرابة 30 ألف مهجّر من منطقتي الغوطة وحي القدم فقط، فيما لا تزال قوافل النازحين تصل حتى اليوم إلى المنطقة في ظل ظروف انسانية سيئة.

 

الدفع أو المخيم

فور السماح بدخول مهجري ريف حمص الشمالي، تم نقلهم إلى مخيم مؤقت يدعى “شبيران” ويقع على بعد ١١ كيلو مترا شمالي مدينة الباب.

المخيم هو عبارة عن هنغارات قماشية ضخمة، حجم الهنغار الواحد ١٠ امتار طولاً و٧ أمتار عرضاً، وتم وضع عدّة عائلات داخل كل هنغار.

الصحفي “حسين خطاب” أشار إلى أن المخيم ذاته استقبل المهجرين من مدينة دوما ومناطق أخرى في اللحظات الأولى لوصولهم، لافتا إلى أن هناك مهجرين من دوما ما زالوا يعيشون في هذا المخيم المؤقت حتى الآن.

ارتفعت إيجارات المنازل في مدينتي الباب وإعزاز لتصل إلى 300 دولار في بعض المناطق، وهو ما زاد من معاناة المهجرين

بعد وصول المهجرين إلى المخيم المؤقت، عليهم أن يبقوا فيها لأيام محددة ليصار إلى نقل المهجرين إما إلى منازل عبر “الإيجار” لمن يملك الأموال, أو مناطق أخرى.

غير أن من لا يملك الأموال عليه التوجّه إلى المخيّمات المنتشرة في الباب وإعزاز وجرابلس وعفرين، ويصف الصحفي حسين خطاب وضع هذه المخيمات بأنها جيدة، ففيها حصص غذائية ومياه وكهرباء وخيم للسكن.

أما عن أسعار الإيجارات فيشير “خطاب” إلى أن الأسعار  الشهرية في مدينة الباب تتراوح بين ١٠٠ إلى ١٥٠ دولار شهرياً، في حين أن الأسعار في جرابلس ترتفع بسبب وجود مياه وكهرباء، حيث تتراوح بين ١٥٠ إلى ٣٠٠ دولار أمريكي، وكذلك الأمر في أعزاز المرتفع ثمنها، بين ٢٥٠ إلى ٣٠٠ دولار.

وأوضح “خطاب” أن المهجرين يلجأون للاستئجار في مدينة عفرين بسبب رخص الأسعار هناك، حيث يبلغ آجار المنزل بين ٣٠ إلى ٥٠ ألفاً، موضحاً أن المهجّرين لم يستولوا على أي منزل وإنما يستأجرونه من مالكه بشكلٍ مباشر أو من أقاربه في حال عدم وجوده.

وكانت “هيئة المفاوضات” في ريف حمص الشمال قد توصلت إلى اتفاق مع الجانب الروسي، بدأ تنفيذه منذ الأربعاء الفائت، وينص الاتفاق على تسليم المعارضة السوري سلاحها الثقيل، وخروج من يرغب نحو الشمال السوري، وتسلم الشرطة العسكرية الروسية إدارة المنطقة بعد خروج المعارضة المسلحة.

وجاء الاتفاق بعد أن أمهلت روسيا فصائل المعارضة في ريف حمص الشمالي حتى انتهاء الاجتماع للموافقة على تسليم المنطقة إلى النظام، وذلك بعد رفض الروس عرضا قدمته الفصائل يتضمن وقفا للقتال والسماح بعودة مؤسسات النظام للعمل مقابل بقاء المعارضة دون تسليم أسلحتها.

وكان ريف حمص الشمالي، يعيش فيه نحو 250 ألف مدني في ريف حمص الشمالي الذي تحاصره قوات النظام منذ أكثر من خمس سنوات، وهو منطقة مشمولة باتفاق “خفض التوتر” الذي تم الاتفاق عليه في مباحثات أستانا.

وتم اتفاق مشابه في بلدات جنوب دمشق حيث هجر النظام المعارضين من الفصائل والأهالي إلى ريفي حلب وإدلب برعاية روسية إيرانية.

شاهد أيضاً

سجال أميركي روسي في مجلس الأمن بشأن دورهما بسوريا والأمم المتحدة تطالب بإجلاء الأطفال المحاصرين في سجن الحسكة

تبادلت روسيا والولايات المتحدة الاتهامات -خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي- بشأن أحداث مدينة الحسكة شمال …

مناورات روسية مشتركة مع نظام الأسد.. ماذا وراءها؟ وكيف تقرؤها إسرائيل؟

لا يستبعد المحللون العسكريون في إسرائيل أن يكون التحرك الروسي عند خط وقف إطلاق النار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *