الرئيسية / سياسي / سياسة / تحليلات / الموازنة التركية بين التهديدات والفرص في المعادلة السورية

الموازنة التركية بين التهديدات والفرص في المعادلة السورية

إسطنبول / أنس عياشلي / الأناضول/

ساهمت أعمال التهجير الأخيرة التي قام بها النظام السوري ضد المعارضة في مناطق الغوطة الشرقية والقلمون، بإضافة متغيرات جديدة على المعادلات المحلية في الشمال السوري، وتقديم مجموعة من الفرص والتهديدات بالنسبة إلى تركيا.
 
إن تحليل المشهد السوري على صعيد الفرص والتهديدات، سيساهم في رسم معالم السياسة التركية تجاه الأزمة السورية بشكل متعدد الأبعاد.
 
ولتحديد معالم السياسة التركية تجاه الأزمة السورية، يجب إمعان النظر في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة تركيا (بما في ذلك محافظة إدلب)، وقوات المعارضة المدعومة من قبل أنقرة.
 
وإلى جانب ذلك، علينا تحديد التهديدات التقليدية التي تحيط بهذه المناطق من الخارج والداخل، لأن ذلك سيساعد أنقرة في انتهاج سياسة خارجية فاعلة.
 
ـ التهديدات التقليدية الفرعية
 
يمكننا قراءة التهديدات التقليدية الفرعية الموجودة والتي من المحتمل أن تتولد لاحقا في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا وقوات المعارضة المدعومة من قبل أنقرة، من خلال موجات النزوح المتوجهة نحو هذه المناطق، والاشتباكات المتواصلة منذ بداية الأزمة الراهنة في هذا البلد.
 
أسفرت الهجمات التي نفذتها قوات النظام السوري على الغوطة الشرقية، عن مقتل مئات الأشخاص، وأجبرت الآلاف على النزوح نحو الشمال السوري، والمناطق الخاضعة لسيطرته.
 
ومع نهاية مارس / آذار الماضي، وصل عدد المقاتلين الذين تم إجلاؤهم مع عائلاتهم من الغوطة الشرقية باتجاه محافظة إدلب، إلى 35 ألفا.
 
من جانب آخر، وصل نحو 8 آلاف من مقاتلي جيش الإسلام مع نحو 40 ألف مدني إلى مناطق درع الفرات، حيث يقيمون في المخيمات التي أنشأتها الهلال الأحمر التركي في الباب واعزاز.
 
وبعد العملية العسكرية التي أطلقتها قوات النظام السوري في مدينة الضمير بريف دمشق، قرر جيش الإسلام إخلاء المدينة، ونتيجة لذلك نزح ألف و500 عنصر من جيش الإسلام مع 5 آلاف مدني إلى مناطق درع الفرات.
 
ومن اللافت للانتباه أن صور قائد جيش الاسلام عصام بويضاني وهو يلقي خطابا أمام قاطني أحد مخيمات النزوح في مدينة جرابلس، جلبت معها بعض إشارات الاستفهام، إذ توحي بأن جيش الإسلام سيؤثر على المعادلة العسكرية في المنطقة.
 
ومن الممكن القول بأن جيش الإسلام قد يشكل فرصة أو تهديدا في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الجيش السوري الحر المدعوم من قبل تركيا.
 
ولا يخفى على أحد أن من أسباب حدوث موجات النزوح نحو الشمال السوري، العملية العسكرية التي أطلقتها القوات التابعة للنظام السوري ضد منطقة شرق القلمون، حيث اضطر عناصر جيش الإسلام وهيئة تحرير الشام وأحرار الشام في أبريل الماضي إلى الانسحاب من المنطقة المذكورة، بعد محادثات مع الروس.
 
واتجهت العناصر المقاتلة والمدنيون الذين خرجوا من القلمون نحو عفرين، فيما توجهت القوافل التي غادرت الضمير إلى مخيمات الهلال الأحمر التركي في بلدة جنديرس التابعة لمنطقة عفرين.
 
وبالنظر إلى موجات النزوح وحركة المقاتلين، نجد أن المعادلة الجديدة الحاصلة في الساحة السورية، تحتوي في طياتها فرصا جديدة، وكذلك تأتي بمخاطر وتهديدات جديدة أيضا.
 
ففي محافظة إدلب هناك تنافس وصراع بين هيئة تحرير الشام والفصائل التي اتفقت لتشكيل جبهة تحرير سوريا وهي “أحرار الشام” و”حركة نور الدين الزنكي” من أجل بسط السيطرة على المدينة.
 
ومن الممكن هنا ملاحظة تأثير استخدام جبهة تحرير سوريا لعناصر أحرار الشام الوافدين إلى إدلب من مدينة حرستا بريف دمشق، في هذا الصراع، لكن يمكن من جهة أخرى لكل من جيش الإسلام وفيلق الرحمن الوافدين إلى إدلب أيضا تغيير الموازين وخلق توتر جديد في إدلب.
 
لكن في الوقت ذاته فإن أحرار الشام وهيئة تحرير الشام كانا على خلاف مع جيش الإسلام في الغوطة الشرقية، وكذلك فإن علاقة أحرار الشام مع فيلق الرحمن كانت متوترة، الأمر الذي قد يولد تحالفات وخلافات جديدة في إدلب.
 
وبسبب المنهج السلفي الذي يتبناه جيش الإسلام، فإنه يعد لاعبا غير مرغوب فيه بإدلب، وهذا المنهج قد يكون حجة لقوات النظام السوري وروسيا من أجل توجيه ضربات ضد إدلب، كما قد يهدد موقف تركيا ومسؤولياتها في المدينة المذكورة بموجب اتفاق أستانة.
 
من جهة أخرى، فإن تمركز عناصر جيش الإسلام وفيلق الرحمن في مناطق درع الفرات وعفرين، يولد فرصة وتهديدا في آن واحد، حيث تتعاون تركيا مع الجيش السوري الحر لإحلال الأمن والاستقرار في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، وعليه فإن دمج عناصر جيش الإسلام داخل صفوف السوري الحر، قد يساهم في نشر الأمن في هذه المناطق، وخلاف ذلك، فإن استقرار المنطقة وأمنها سيكونان عرضة للخطر، الأمر الذي قد ينعكس سلبا على العملية العسكرية المزمعة على مدينة منبج.
 
وبالنظر إلى كل هذه التعقيدات، فإن احتمال صدور إشاعات حول تعامل تركيا مع المجموعات “الجهادية” قد تكثر خلال الفترة المقبلة، وعلى أنقرة أن تستعد للإجابة عن مثل هذه الشائعات والافتراءات.
 
بالمقابل، هناك احتمال أن يتسبب الصراع القائم بين جبهة تحرير الشام وهيئة تحرير الشام، في حدوث موجات هجرة جديدة، وتمركز عناصر هيئة تحرير الشام قرب نقاط المراقبة التي أنشأتها تركيا، يعد أمرا حساسا في هذه المرحلة، وهذا التمركز يشكل تهديدا على أمن القوات التركية المتمركزة في إدلب.
 
من جهة أخرى، حدثت تظاهرات في الآونة الأخيرة ضد هيئة تحرير الشام، وقامت عناصر الهيئة بمواجهة هذه التظاهرات بإطلاق النار على المدنيين، وهذا الأمر قد يولد اشتباكات جديدة في إدلب.
 
ومن الواضح أن عناصر هيئة تحرير الشام ستجبر الأهالي على الهجرة مجددا في حال قيام المقاتلات الروسية بالإغارة على مواقعهم القريبة من الحدود التركية.
 
ـ التهديدات التقليدية
 
خطوط التهديدات التقليدية تجاه تركيا، ترتسم في الخط الممتد من مدينة منبج بريف حلب، مرورا بإدلب واللاذقية وشمالي محافظة حماة. ففي الشمال السوري يسيطر تنظيم “ي ب ك / ب ي د” على مساحة واسعة، وهذا التنظيم يشكل خطرا على تركيا لكونه يتموضع قرب الحدود، ويقوم بتغيير التركيبة السكانية في المناطق الخاضعة لسيطرته.
 
وتعيق مواقف الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة للتنظيم الإرهابي، قيام تركيا بعملية عسكرية ضد العناصر الإرهابية التابعة للتنظيم المذكور في مدينة منبج.
 
وتحاول الولايات المتحدة الأمريكية إقحام بعض الدول العربية في المسرح السوري، وفي حال دخلت المملكة العربية السعودية إلى الشمال السوري، فإن هناك احتمال أن تتخذ عناصر جيش الإسلام (المدعومة من المملكة) والمتمركزة في عفرين، مواقف ضد تركيا.
 
ولكون المملكة العربية السعودية تخوض حربا ضد الحوثيين في اليمن، فإن تدخلها بشكل مباشر في سوريا قد يكون أمرا مستبعدا، لكن بعض دول الخليج قد تبادر من خلال دفع الأموال لتشكيل كتائب مقاتلة.
 
وفي حال الإقدام على هذه الخطوة، فإن العملية العسكرية التركية المزمعة على مدينة منبج، ستكون صعبة، وستزيد التهديدات على عفرين.
 
ـ توازن التهديدات والفرص
 
في المناطق التي تتواجد فيها القوات التركية داخل سوريا، هناك العديد من الفرص والتهديدات، فالاشتباكات المتواصلة في إدلب وعفرين ومناطق درع الفرات، وموجات النزوح الحاصلة، تضيف متغيرات جديدة على ديناميات تلك المناطق.
 
والغارات السورية والروسية على إدلب، إضافة إلى حدوث اشتباكات بين قوات النظام السوري والمعارضة قرب نقاط المراقبة التركية، إلى جانب التدابير التي تتخذها والتي قد تتخذها الولايات المتحدة في منبج، تندرج ضمن التهديدات التقليدية ضد تركيا.
 
ويمكن لتركيا تحقيق الأمن والاستقرار وتحويل هذه التهديدات إلى فرص، من خلال زيادة نفوذها في المنطقة، وتسريع تطبيق بنود محادثات أستانة، وتوزيع النازحين بين مناطق درع الفرات وعفرين بشكل جيد.
 
ومن جهة أخرى، تشكل قوات المعارضة النازحة من الغوطة الشرقية وشرقي القلمون باتجاه عفرين ومنطقة درع الفرات في الشمال السوري، تهديدا فرعيا قصير المدى بالنسبة إلى تركيا، ولذلك يجب على أنقرة تخفيض تأثير هيئة تحرير الشام في إدلب، وتوزيع عناصر جيش الإسلام بشكل محكم في المنطقة، إذ سيساهم هذا الأمر في تعزيز صفوف قوات الجيش السوري الحر قبيل عملية منبج، وبالتالي تحويل التهديد إلى فرصة.
 
(أنس عياشلي: باحث في جامعة صقاريا التركية، مهتم بشؤون الحرب السورية والمسائل المتعلقة باللاجئين).

شاهد أيضاً

المقاومة وقداستها

عبد العزيز المصطفى تذكرُ كتبُ الأساطيرِ أنّ ملكًا استدعى أحد مستشاريه في ساعة متأخرة من …

فلنختار ظرف ومكان موتنا

عبد العزيز المصطفى خلال الحرب العالمية الثّانية كان الشغلُ الشاغل لهتلر هو كيفية القضاء على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *