صدى الشام - عبد الله البشير/
الشوارع تضج بالحياة هنا في مدينة عفرين السورية، نشاط في الأسواق والمحال التجارية الزبائن يشترون ويتجولون بين المتاجر، المشهد ذاته يتكرر في عديد من القرى والبلدات التي عادت الحياة لها بشكل طبيعي في نواحي عفرين بعد سيطرة الجيشان السوري الحر والتركي على المنطقة إبان عملية “غصن الزيتون” ضد ميليشيا “وحدات حماية الشعب” الكردية.
الألغام في راجو
ما تزال بعض المناطق محظورة على المدنيين في ريف عفرين، تلك المناطق ماتزال مصنفة على أنها مناطق عسكرية، إضافة إلى أنها قد تعرضت لدمار بالغ بسبب المقاومة العنيفة من الميليشيا الكردية، هناك انتشار كبير للألغام التي خلفتها الميليشيا هناك.
ناحية “راجو” هي إحدى النواحي القديمة في منطقة عفرين والتي تعد بلدة راجو مركزا لها ويتبع لها 65 تقسيما إداريا وتجمعا سكنيا، وتقع على الحدود مع تركيا شمال غرب عفرين، ضمن منطقة مرتفعة وسط سهل باليا، وتبعد عن مدينة عفرين قرابة 25 كم، وتمر بها سكة حديد راجو – ميدان اكبس التي يعود بناؤها لنهاية عهد الدولة العثمانية، إضافة لمناطق أخرى تتمركز فيها بعض الخلايا التابعة لميليشيا “وحدات حماية الشعب” الكردية، والتي تسعى وفق مصادر من “الجيش الحر” إلى لزعزعة الأمن والاستقرار، عبر التسلل إلى مناطق مدنيّة وزرع عبوات ناسفة وألغام.
ومنعت تلك الألغام عودة المدنيين إلى منازلهم وقراهم في المنطقة وفق مصادر من “الجيش الحر” والذي يقول إنه مازال يعمل على تنظيف المنطقة.
تُشكّل الألغام والعبوات النّاسفة العائق الوحيد أمام عودة الأهالي إلى قراهم في ناحية راجو شمال غرب عفرين.
العودة مستمرة إلى عفرين
ونقل مراسل “صدى الشام” عن مصادر في مدينة عفرين أن نسبة العائدين من السكان الأصليين في المناطق التي سمح للأهالي بالعودة لها تجاوزت سبعين في المائة، مع تولي وحدات من الجيش التركي عملية الرقابة الأمنية على مداخل المنطقة وخاصة مدينة عفرين بالتعاون مع فصائل عسكرية من “الجيش السوري الحر”.
وأضاف المراسل أن العديد من الأهالي وجهوا خلال لقائه بهم دعوات لمن نزح من المدينة، بضرورة العودة إلى منازلهم، مؤكدين أن الأمن قد عاد للمدينة مع طرد عناصر الميليشيا منها.
وقال المراسل إن أهالي منطقة عفرين يبدون ارتياحا لوجود عناصر من الجيش التركي على مداخل المدينة وإقامتهم حواجز للتحقق من الداخلين لها وحماية المدينة من السرقات، فضلا عن حماية المدينة من عمليات تسلل متوقعة من عناصر “وحدات حماية الشعب”.
وطالب “أبو حسين” ذو الخمسة وسبعين عاما في حديث مع “صدى الشام” النازحين عن مدينة عفرين والمناطق التي تم السيطرة عليها بشكل كامل، ونزع الألغام والعبوات الناسفة منها بالعودة لحياتهم الطبيعية وممارسة أعمالهم اليومية بشكل طبيعي، موضحا: “إن الأمر ليس كما تخيلنا سابقا أن الجيش السوري الحر يتصرف كتنظيم داعش وأنه جاء بهدف قتل المدنيين، وتنفيذ عمليات انتقامية بحقهم، كما أشاعت عناصر الميليشيا وقادتها ضمن حملة تشويه وإخافة للأهالي.”
من جانبها “صبيحة” التي شارفت على إنهاء الستين من عمرها تحمل بصعوبة أكياس الخضر التي اشترتها من السوق، تقول لـ”صدى الشام”: “لم نعد نخاف على بناتنا من عمليات التجنيد الإجباري أو اقتحام المنازل كما كان سابقا، اليوم الوضع أفضل بكثير مع معوقات بسيطة وأخبار متفرقة عن وجود ألغام تصلنا من أقاربنا في بلدات مجاورة ما يزال العمل على نزعها مستمرا”
وتوضح بلغة عربية ثقيلة أن المشكلة الوحيدة حاليا هي ارتفاع الأسعار نوعا ما، لكنها انخفضت بشكل ملحوظ منذ فترة انتهاء العمليات العسكرية، راجية أن تنخفض أكثر خلال الفترات المقبلة مع عودة الناس للعمل في الأراضي الزراعية وممارسة النشاط بشكل طبيعي.
افتتاح دور القضاء
وعن الأوضاع الأمنية والقانونية أكد مراسل “صدى الشام” أن محاكم ودور قضاء افتتحت فور انتهاء العمليات العسكرية، للتحقيق في بعض التجاوزات التي ارتكبها مقاتلون من “الجيش السوري الحر”، إضافة لملاحقة عناصر من الميليشيات الكردية المتهمة بالسعي للانفصال عن سورية.”
وتحدث أحد أعضاء المحكمة في بلدة ميدان إكبس مع “صدى الشام”، عن قضايا عدة، أهمها قضية المنازل، إضافة لقضايا خلافية يتم تقديمها إلى المحكمة للبت فيها، ويتبع للمحكمة قوة قضائية تقوم بعمليات ملاحقة المطلوبين من الميليشيات أو مرتكبي التجاوزات، مؤكدا أن أبرز المشاكل التي واجهت المحكمة هي مسألة المنازل التي هجرها أصحابها ليجدوا عند عودتهم أناسا قد سكنوها أو احتلوها إن صح التّعبير.
تم افتتاح دور القضاء والمحاكم بهدف حل القضايا بين النّاس وإعادة الحقوق لأصحابها.
وهذا ما أشار له أحد السكان المحليين لـ”صدى الشام” في إشارة إلى أنه مع بداية عملية “غضن الزيتون”، كان رافضا للخروج من بلدته، وأنه بالفعل حدثت بعض التجاوزات من عناصر “الجيش السوري الحر” مثل الاستيلاء على المنازل وعمليات سرقة، لكن تم حل جزء كبير من هذه المشاكل مع انتشار المحاكم ولجوء الناس لها كمحكمة ميدان أكبس، التي عملت وتعمل بمجهود كبير لإعادة المنازل لسكانها الأصليين إضافة لملاحقة بعض اللصوص.
أما “خليل” أحد أبناء مدينة عفرين يقول: ” نرجو أن تعود الحياة لطبيعتها بشكل كامل، مع استتباب الأمن وعودة إنتاج حقول الزيتون لطبيعتها، التي تشكل مصدر دخل أساسي للسكان، وركيزة في اقتصاد منطقة عفرين، خصوصا مع غياب ضغط الميلشيات وعمليات الابتزاز التي كانت تمارسها على المدنيين، من إتاوات ضخمة إجبارية كانت تفرض على المزارعين”.